العدسة – ياسين وجدي:

تتجدد ذكرى ثورات الربيع العربي بعد مرور 8 سنوات عجاف ، وتتجدد الحاجة إلى حسم الثغرات التي وقع فيها طلائع الحراك الأول في يناير 2011 وما تلاه.

“العدسة”يتوقف في الذكرى الثامنة للحراك عند 4 من أهم الثغرات والأخطاء، التي مكنت بحسب مراقبين الثورات المضادة بقيادة حلف الخريف العربي في الرياض وأبو ظبي في العصف بالأخضر واليابس وعرقلة المحاولات المستمرة لاستكمال الربيع العربي .

ثغرة التدخل الأجنبي !

مشاركة النظام العالمي في بعض الثورات العربية بالدعم في مرحلة متقدمة ، والتأييد إبان انطلاق الحراك في يناير 2011 ، يشكل بحسب البعض أحد أخطاء أبناء الربيع العربي.

مركز الشرق العربي للدراسات الاستراتيجية في تقدير موقف لمديره زهير سالم يسير في هذا الاتجاه ، مؤكدا أن من أجهض ثورات الربيع العربي هو النظام العالمي الغربي، وأن  الخطيئة الكبرى في ثورة الربيع العربي افتراض البعض خطأ أنه بالإمكان ان يجد داعما حقيقيا كما وجد الخميني داعما لثورته ضد الشاه أو كما وجدت المعارضة العراقية التي هي امتداد لنظام الخميني الدعم المبالغ فيه ضد صدام حسين .

وأضاف أنه لا يصلح أن تؤسس لثورة تعتمد بها بسذاجة على من تثور عليه، وهو النظام العالمي ، مؤكدا أن  التحرر من استبداد وفساد حكم العسكر ممثلين بوجوه الخيانة والعمالة والفساد والتوحش في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية يعني فيما يعنيه التحرر من ربقة النظام العالمي المؤسس على فكرة الهيمنة والنفوذ والاستعباد ، وكان هذا الدرس الأوضح في سوريا كما في اليمن وليبيا كما كان الدرس واضحا منذ عقدين في العراق .

وفي تقدير موقف آخر للمعهد المصري للدراسات فقد رأى الدكتور عمرو دراج وهو وزير سابق بمصر خلال فترة حكم الرئيس محمد مرسي، أن “تعاظم دور القوى الأجنبية” أحد إشكاليات ثورات الربيع العربي موضحا أن تلك القوى ، تسعى في ظل الأوضاع العربية الحالية إلى تحقيق أهدافها وفقط.

وأضاف أن دور القوى الأجنبية ضد ثورات الربيع العربي تأسس على ثلاثة أهداف أساسية هي : إشاعة الفوضى وتقويض الأمن والاستقرار في الدول العربية، وتمزيق وحدة المجتمعات العربية وإثارة الصراعات الداخلية بين مختلف قوى المجتمع وخصوصا على أسس طائفية، وإضعاف استقلال الدول العربية وقدرتها على التحكم بمقاديرها، واستغلال هذا الصراع لصالح أهدافها الاستراتيجية، أو تستبدل كل ذلك بدعم غير محدود لسلطة مركزية قمعية تتحكم وتسيطر على الشعوب وثرواته وتكون تابعة لأجندات تلك القوى الأجنبية ومصالحها على حساب الشعب وأمنه ومصالحه.

وفي هذا الإطار يرى الكاتب اليمني صالح السندي في مقال بعنوان “أسباب فشل الربيع العربي في اليمن” ، أن الدور السعودي- الأمريكي في اليمن وحفاظه على مصالحه الخاصة اجهض كثيرا الحراك الثوري اليمني في ظل تضارب المصالح الدولية، وفرض الاجندة الخاصة لسياسات معينة وتهميش الثورة ومكوناتها الشبابية.

وقد كشفت مسارات التغيير عقب الربيع العربي بحسب خبراء أن القوى الدولية الكبرى لا يعنيها دَمَقْرَطَة المجتمعات العربية، وإنما تحركُّها مصالحها السياسية والاقتصادية والجيوستراتيجية؛ فتخلَّت عن مبادئها وقيمها وسمحت بتحول المنطقة إلى ساحة مفتوحة (النموذج السوري) لمشاريع بعض القوى الإقليمية والدولية؛ حيث يتصارع المشروع الروسي والإيراني والصهيوني .

توابع الانقسام الثوري!

نفذ إلى صدر الربيع العربي في بلدانه العديد من الطعنات الداخلية ، والتي جاءت عبر أخطاء تأسس على عدم تعامل حصيف وحذر مع الداخل ابان الثورات وفق مراقبين.

من أبرز الأخطاء في هذا المنحنى بحسب ما خلص له خبراء تحدثوا في مائدة مستديرة بمركز الجزيرة للدارسات الاستراتيجية في العام 2016 هي أن الفاعلين (التقليديين وغير التقليديين) في حركة التغيير لم يستطيعوا بلورة مشروع سياسي مناسب للحظة التاريخية، بل أخذت القوى التقليدية المبادرة؛ فزاد الانقسام والصراع السياسي، ثم انتكست تجربة التحوُّل السياسي، بعد تدخل الدولة العميقة .

وأضاف الخبراء أن الثورة المضادة سعت منذ اليوم الأول لهندسة المرحلة الانتقالية وتهيئة مشهد الانقلاب (نموذج الحالة المصرية واليمنية)، واتسع نطاق الصراع أفقيًّا وعموديًّا في الحالة الليبية، وتحوَّل بعضها الآخر إلى صراع عابر للحدود الوطنية؛ صراع إقليمي ودولي (التجربة السورية)، بينما تمكَّنت تجارب أخرى من العبور إلى شاطئ الأمان وتأسيس نظام ديمقراطي ناشئ (التجربة التونسية) رغم ما يتهدَّدها من مخاطر أمنية وضغوط اجتماعية واقتصادية تجعلها مفتوحة على سيناريو الانتكاسة.

فشل “النخب المحلية” من أهم الثغرات وفق الدكتور سيف عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، والذي يلوم النُّخب المحلية التي سمحت بتدخل الأطراف الخارجية، كما أوصلت الشعوب إلى حالة من الاقتتال الأهلي عن طريق مجموعة من الممارسات غير المسؤولة فضلا عن أنها  لم تنجز توافقًا حقيقيًّا فيما عدا التجربة التونسية.

وهو ما يعززه تقدير موقف للكاتب والباحث الأكاديمي د.عبد الفتاح ماضي مؤكدا أن انقسام صفوف القوى المحسوبة على الثورة، وعدم امتلاكها رؤى وبرامج سياسية محددة، عزز فرص الثورة المضادة للانقضاض على الربيع العربي بدعم خارجي يستند إلى مصالحه التجارية والعسكرية على حساب الديمقراطية التي ظلت مجرد عبارات بلاغية لا تعني شيئا لدى الغرب.

الكاتب فريد زكريا مقدم برنامج جي بي أس على”  CNN ” يرى أن نجاح المثال التونسي بشكل ما يرجع إلى أن القيادات المحلية هي المفتاح لذلك ، موضحا أن هذا الأمر لا يتوفر بكثرة في العالم العربي.

من هذا الباب برزت اختراقات الفلول للثورة ، حتى سمحت لهم باعادة تشكيل بقايا النظم القديمة وهو ما مثل ثغرة واضحة بحسب البعض في بلدان الربيع العربي ، ورغم أن حالة تونس تعتبر الأقل تعقيداً في مسار الثورات العربية، فإنها لازالت تعاني من مؤامرات الفلول الذين شكلوا في البداية ظاهرة مصرية، ثم تمددت لتكون ظاهرة عربية بامتياز لا تخلو منها ليبيا ولا تونس ولا اليمن .

الطائفية ورقة الفلول!

ويصنف مراقبون الانجرار وراء الطائفية بأنه أحد أخطاء أبناء الربيع العربي.

ويتفق المراقبون على أن الثورة المضادة استغلت ورقة الطائفية بقوة ، وهو ما ظهر في البلدان التي أخذت فيها الأحداث منحى طائفياً ودينياً وتحديداً سوريا والبحرين حيث تأخر الثوار في قطف ثمرة نضالهم المرير بينما نجحت البلدان مبدئيا التي حسمت سرعة مصير ثوراتها في تجنب ذلك المنزلق الخطير، وخصوصاً في مصر.

وبحسب دراسة للمعهد المصري للدراسات فإن الثورات والانتفاضات أنعشت الولاءات الأولية الطائفية بجانب (القبلية والعرقية والدينية والجهوية)، بما انعكس سلباً على مفهوم وكيان الدولة الوطنية في هذه البلدان، هذا بجانب وجود معوقات ترتبط بالبنية الفكرية والسياسية لهذه المجتمعات، برزت في ردود فعل سلبية تجاه العمليات الثورية.

ويصنف الكتاب العربي الكبير عبد الباري عطوان خطاب “اندرس فوغ راسموسن” الأمين العام السابق لحلف الناتو في العام 2014 ، في هذا المسار ، حيث أكد فيه أن الحل الامثل للازمة الراهنة في سورية هو “الحل البوسني” أي تقسيم البلاد على أسس عرقية وطائفية،  وهو ما تبعه وقتها مقالات عديدة في صحف غربية هذه الأيام، منها “الفايننشال تايمز” تتحدث عن أن التقسيم في كامل المنطقة.

تجار السلاح !

ويعتبر تجار السلاح  بحسب البعض من أهم الثغرات التي نفذت لجسد الثورات لتدوير مصانع السلاح في النظام العالمي ، دون مراعاة لتطلعات الشعوب المنتفضة.

وفي هذا السياق يمكن قراءة مشاهد نشوب الحرب وإطالة أمده ، وربطها في الغالب بلوبيات إنتاج الأسلحة الذين يمتلكون نفوذاً لا يمكن تجاهله، وبحسب دراسة لمؤسسة الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية صادرة في أكتوبر 2017 فإن الإنفاق العسكري في العالم العربي يبلغ 180 مليار دولار سنويا فيما أثبتت عدة تقارير أن هناك انواع مختلفة من الأسلحة تمت تجربتها في سوريا تنافست فيها عدة دول.

وفي سياق متصل يمكن كذلك بحسب مراقبين فهم صعود “داعش” المفاجيء ، وتصعيد حضورهم بالقدر الذي يسمح بتشويه مطالب الثوار والقفز عليها وتدوير مصانع السلاح.

الكاتب أحمد موفق زيدان رصد هذا الجانب مؤكدا أن حركة ” داعش” الارهابية لم تظهر سوى في بلاد ثورات الربيع العربي فقط!، ويصفها بأنها أنه ” ليس مخلوقاً عسكرياً فقط ، فهي مخلوق مخابراتي فكري.