منذ بداية شهر رمضان المبارك ودولة الاحتلال الإسرائيلي في تصعيد مستمر ضد الشعب الفلسطيني في القدس المحتلة، سواء أكان هذا التصعيد داخل أسوار المسجد الأقصى المبارك، أم في حي الشيخ جراح. ورغم أن الاحتلال في أصله عدوان سافر، وكل يوم يمر عليه هو ظلم وانتهاك لحقوق الشعب الفلسطيني، إلا أنه من المهم معرفة دوافع حكومة الاحتلال للتصعيد في هذا الوقت على وجه الخصوص، لمعرفة سبب الإرهاب الذي يمارسه الكيان الصهيوني منذ حوالي شهر.
السبب الأول الذي قد يتبادر إلى الذهن هو أن العدوان الواسع الذي ارتكبته قوات الاحتلال، على المسجد الأقصى في مدينة القدس، يسعى إلى إظهار السيادة المزعومة للكيان الصهيوني على المدينة. فبعد أن اعترف الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بالقدس كعاصمة لدولة الاحتلال، وعدم رجوع سلفه جو بايدن عن هذا القرار، تسعى حكومة الصهاينة لتثبيت هذا على أرض الواقع، بعد أن ثبتها ترامب باعترافه المزعوم على الورق.
محاولة بائسة لتغيير هوية القدس..
ويقول مراقبون إن التصعيد الأخير يأتي بسبب قناعة حكومة الاحتلال أن هذه جولة من جولات الصراع على هوية مدينة القدس المحتلة، بمعنى أن أحداث باب العامود وحي الشيخ جراح، ليست مستجدًا في السياسة الإسرائيلية، وإنما شيء ثابت منذ السنوات الأولى للاحتلال، وبالتالي فإن حكومة الاحتلال لا تفوّت فرصة في محاولة تعميق سيطرتها على المدينة المقدسة.
وفي هذا الإطار، يمكن اعتبار أن الاحتلال قد خسر خسارة مدوية حتى الآن في هذه المعركة. حيث إن صمود وثبات الشعب الفلسطيني بكل طوائفه، ودفاعهم عن أرضهم ومنازلهم ومقدسات الأمة قد أحرج الاحتلال وأخزاه. وأثبت أن القدس أرض عربية إسلامية، وأن المقدسيين ما زلوا واقفين على الثغور، لا يضرهم من خذلهم، ينافحون العدو بأقل الإمكانيات، ويوقعون به الخسائر.
فالمشاهد التي انتشرت على وسائل الإعلام العربية والأجنبية تثبت لكل ذي لب أن القضية الفلسطينية ما زالت حية، وأن الشعب الفلسطيني يأبى أن ينكسر أو أن ينسى قضيته بمرور الزمن. كما أن الدعم الواسع الذي أظهرته الشعوب العربية والإسلامية لنضال إخوانهم الفلسطينيين سواء عبر مظاهرات التأييد، أم منصات التواصل الاجتماعي، لهو خير دليل على فشل الاحتلال في تصدير أي طابع يهودي مزعوم للقدس الشريف.
هذا علاوة على أن جولة التصعيد الجارية تثبت هشاشة عبارة (السيادة) على مدينة القدس، وأنها ليست تحت سيادته، وإنما تحت السيطرة الاحتلالية المباشرة، حيث إن الشعب فلسطيني، والأرض فلسطينية، والمقدسات على اختلاف أديانها عربية فلسطينية، والكل يلفظ تغيير الهوية التي يراد لها أن تُفرَض بالجبر على القدس.
مسيرة فاشلة للمتطرفين الصهاينة..
سبب آخر قد يكون خلف تصعيد الاحتلال خلال الفترة الأخيرة، هو التمهيد للمسيرة التي كان من المفترض أن تنظم في القدس الشرقية المحتلة اليوم الإثنين، حيث كان من المخطط أن ينظم عشرات الآلاف من المستوطنين الصهاينة مسيرة تمر بالمسجد الأقصى المبارك، يرفعون فيها العلم المزعوم لدولة الاحتلال. لذلك حاولت سلطات الاحتلال التمهيد للتظاهرة الاستيطانية، ودعوة المستوطنين لاقتحام المسجد الأقصى، بمنع أكبر عدد من المواطنين الفلسطينيين من التواجد في القدس القديمة والمسجد الأقصى.
لكن من الواضح أن حكومة الكيان الصهيوني قد خسرت هذه الجولة أيضًا، حيث تراجعت شرطة الاحتلال، عصر اليوم الإثنين، عن قرارها. وأعلنت أن مسيرة المستوطنين الاستفزازية لن تمر من باب العامود تحسبًا لأي مواجهات، وذلك في أعقاب تقييم للوضع القائم في ظل ثبات الشعب الفلسطيني. وجاء في بيان الشرطة أنه “في ختام تقييم الوضع، ووفقًا لقرار المستوى السياسي وتوصية الجهات الأمنية، تقرر تغيير مسار المسيرة. وسيتم توجيه المسيرة إلى باب الخليل في طريقهم إلى الحائط المبكى (البراق)”.
وذكر موقع “واللا” الإلكتروني أن رئيس حكومة دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أوعز خلال مداولات تقييم الوضع بتغيير مسار مسيرة المستوطنين بحيث لا تمر من باب العامود، وأن هذا كان أحد المواضيع التي تطرق إليها مستشار الأمن القومي الأميركي، جاك سوليفان، خلال محادثته الهاتفية مع نظيره الإسرائيلي، مئير بن شبات.
التغير في القرار الإسرائيلي جاء بعد أن عبر جهاز الأمن العام (الشاباك) وجيش الاحتلال عن معارضتهما لقرار الشرطة بالمصادقة على إجراء مسيرة المستوطنين مثلما تم التخطيط لها. وذكر موقع “يديعوت أحرونوت” الإلكتروني أن رئيس الشاباك، ناداف أرغمان، كان قد عارض وضع الشرطة للحواجز في ساحة باب العامود. وأدى وضع هذه الحواجز في هذا المكان العام عند مدخل البلدة القديمة إلى غليان بين المقدسيين، ما قاد إلى تراجع الشرطة وإزالة الحواجز.
ولا يخفى بطبيعة الحال أنه لولا ثبات الشعب الفلسطيني لما نشبت هذه الخلافات بين أجهزة أمن الاحتلال في هذا الوقت الحرج، ما يعني أن هذا دليل جديد على فشل الكيان المزعوم في تحقيق أهدافه.
هروب نتنياهو من الأزمات..
سبب آخر قد يكون خلف قرار حكومة الاحتلال بالتصعيد في القدس هو محاولة نتنياهو كسب رضا المستوطنين، بهدف الحفاظ على وجوده داخل الحكومة وعدم تقديم رأسه لمقصلة المحاكمة والقضاء. ما يعني أن نتنياهو قرر استخدام المتطرفين لتحقيق أمانيه وقلب الطاولة الأمنية في المنطقة، لاستجلاب المزيد من الأصوات للحفاظ على نفسه في الحكومة، وإظهار نفسه أمام اليمين المتطرف أنه المنقذ الذي سيخلص دولتهم المدعاة.
وما يجعل هذا السبب محتملًا هو الوضع الصعب الذي تورط فيه نتنياهو، حيث يحاكم حاليًا على ذمة 3 قضايا فساد، ويُعتقد أن فقدانه منصب رئيس الحكومة، قد يسرع في دخوله السجن.
وفي النهاية، قد يكون أحد هذه الأسباب هو الدافع وقد تكون مجتمعة هي دوافع متعددة لتصعيد حكومة الكيان الصهيوني الأخير؛ إلا أن الشباب والشيوخ، الرجال والنساء، المرابطين في داخل باحات المسجد الأقصى المبارك وعموم القدس الشريف لن يسمحوا لعصابة الاحتلال أن تحقق أيًا من أهدافها رغم تخاذل الحكومات العربية.
اقرأ أيضًا: حي الشيخ جراح في القدس المحتلة…القصة الكاملة
اضف تعليقا