العدسة – جلال إدريس
على مايبدو أن الاقتصاد العربي سيتوجه خلال الفترة المقبلة، نحو سياسية التعويم، أو تحرير سعر الصرف، فبعد القرار الصعب الذي اتخذته مصر نهاية عام 2016، بتعويم سعر الجنيه، واتجاه السودان نحو الطريق ذاته، أعلنت المملكة المغربية مؤخرا عزمها تحرير سعر الدرهم المغربي “بشكل تدريجي”، وذلك بداية من اليوم الاثنين 15 يناير 2018.
ولأن أضرار التعويم في مصر، كانت بالغة السوء، سواء على المواطن المصري، أو حتى على سعر العملة المحلية التي انهارت بعد التعويم أمام العملات الأجنبية، فإن المواطن المغربي ينظر إلى تلك الخطوة بقلق وخوف شديد، خصوصا وأن الأوضاع الاقتصادية في المغرب مؤخرا بدأت في السوء، فضلا عن ارتفاع كثير من أسعار السلع الأساسية.
وفي الوقت الذي ينظر فيه قطاع واسع من المواطنين والمتعاملين إلى هذه الخطوة بعين الشك والريبة، فإن السلطات النقدية المغربية تبدو متفائلة جدا حيال دور “التعويم” في دعم تنافسية الاقتصاد، وتجنب الصدمات الخارجية، وتخفيف الضغط على احتياطي النقد الأجنبي.
فلماذا إذن ستلجأ المغرب للتعويم؟ وكيف ستطبقه؟ وما الفارق بين تجربة التعويم في مصر، والتجربة ذاتها في المغرب؟ وما هي أوجه الشبه بين الحالتين؟
لماذا تعويم الدرهم؟
تحاول السلطات النقدية بالمغرب إقناع الرأي العام بتجربة “التعويم” ولجوئها إليها، بعدة تبريرات؛ أبرزها، هو مساعي الحكومة إلى انفتاح الاقتصاد المحلي المغربي على العالم الخارجي، بما يعني الرفع من تنافسية الشركات المغربية، ومن ثم زيادة حجم التصدير.
وفي هذا الاتجاه ترى الحكومة المغربية أنه كلما انخفضت العملة المحلية كلما قلت كلفة الإنتاج، ليتم طرح السلع المغربية لأسعار منافسة بالأسواق الخارجية.
أيضا فإن الحكومة المغربية تسعى من خلال “خطة التعويم التدريجية” إلى تخفيف الضغط عن الاحتياطي من النقد الأجنبي، عبر تنشيط حركة التصدير وتقليل حجم الاستيراد؛ والنتيجة تقليص العجز في الميزان التجاري الذي بلغ مستويات كبير تفوق الـ50%.
الأمر الثالث وفقا لـ”مراقبين”، هو أن الحكومة المغربية ترى أن “التعويم” سيكسب العملة المحلية القدرة على مواجهة الصدمات الخارجية، مثل تقلبات أسعار النفط، وأسواق العملات، وكذلك إحداث نظام مالي ومصرفي مرن وعالي الكفاءة، وتحويل المغرب إلى مركز مالي عالمي جاذب.
وينضاف إلى ذلك معطًى جديد، يتعلق بتوجه المغرب للاستثمار بكثافة في السوق الإفريقية، وهو ما يستلزم من جهة توفر المملكة على حجم أموال ضخمة بالعملات الصعبة لتنفيذ المشاريع، ومن جهة أخرى الالتزام بشروط صندوق النقد الدولي الذي يطالب بـ”التعويم” كشرط لتقديم أي قرض عند الحاجة.
كيف ستعوم المغرب عملتها؟
وفقا للبنك المركزي في المغرب، فإنه اعتبارا من اليوم “الاثنين”، ستبدأ المغرب في الانتقال من نظام الصرف الثابت إلى نظام الصرف المرن للدرهم، ليكون ذلك بداية في مسلسل تعويم الدرهم، أو تحرير سعر صرف الدرهم، الذي ينتظر أن يمتد على مدى أكثر من عقد من الزمن.
تفضل الحكومة المغربية أن تسمي تلك الخطوة بـ«المرونة في سعر الصرف»، حيث عمد البنك المغربي المركزي خلال الأشهر الماضية إلى عمل ورشات عمل مع الصحافة عن إصلاح نظام الصرف، لطمأنة المواطنين بأن المسار الذي ينوى من خلاله تحرير سعر صرف الدرهم “لن يكون مخيفا”.
وبحسب الحكومة المغربية، فإن أولى خطوات تعويم الدرهم، تشمل زيادة المساحة التي يمكن أن يتحرك فيها سعر الدرهم، عبر اعتماد نظام جديد “أكثر مرونة” لسعر الصرف.
وقالت الحكومة، في بيان لها الجمعة الماضية، إن وزارة الاقتصاد والمالية قررت- بعد استطلاع رأي بنك المغرب- اعتماد نظام جديد، بداية من يوم الاثنين، يسمح بتحرك سعر صرف الدرهم بنسبة 2.5% زيادة أو تراجعًا، بدلاً من نسبة 0.3% المطبقة حاليا على سعر الصرف الأساسي المحدد من قبل بنك المغرب.
ويتحدد سعر الصرف الأساسي لدى بنك المغرب على أساس سلة العملات المكونة من اليورو والدولار الأمريكي، بنسبتي 60% و40% على التوالي.
الفرق بين مصر والمغرب
وعلى مدار الأشهر الماضية، حاول بنك المغرب المركزي طمأنة المواطنين، بإن تحرير سعر الصرف في المغرب لن يكون كتحرير سعر الصرف في مصر.
وحاول بنك المغرب تمهيد الرأي العام لتعويم الدرهم، في فبراير 2017، وطمأنته، خاصة بعد حالة الغلاء التي تسبب فيها تحرير سعر الصرف في مصر، واعتراف صندوق النقد الدولي بأنه أخطأ في تقديراته بالنسبة لتراجع سعر الجنيه المصري بعد تحرير سعر الصرف.
وقال البنك المغربي وقتها، إن أهم الفروق التي تتمثل بين “إصلاح نظام الصرف” في مصر والمغرب، أن الإصلاح في المغرب “طوعي، ومُحضر له، وتدريجي، ومنظم”، في حين كان في مصر “قسريا وغير منظم”، في إشارة على أن الأوضاع الاقتصادية وبرنامج اتفاق مصر مع صندوق النقد، جعلا مصر في موقف المضطر لتعويم الجنيه.
وأضاف بنك المغرب، أن وضع احتياطي النقد الأجنبي في المغرب ومصر مختلف في وقت اتخاذ القرار في كل منهما. وقال البنك المغربي، بحسب موقعه الإلكتروني، إن احتياطي مصر وقت تعويم الجنيه كان غير ملائم، لأنه كان يمثل 50% من مقياس كفاية احتياطيات الصرف، وذلك بعد أن تراجع بنحو 25 مليار دولار، بينما “احتياطي النقد الأجنبي في المغرب ملائم، ويتراوح بين 100 و150% من مقياس كفاية احتياطيات الصرف، وهذا الاحتياطي يتزايد” بحسب المركزي المغربي.
الفارق الكبير في التضخم في كلا البلدين، وقتُ قرار التعويم، أيضا يستحق التوقف والرد، حيث إن التضخم في المغرب أقل من 2%، فيما كانت نسبة التضخم في مصر وقت التعويم حوالي 23% في مصر.
كذلك فإن السوق السوداء للعملة غير موجودة في المغرب، في حين كانت موجودة في مصر قبل التعويم”، بحسب المركزي.
وتندرج الخطوة التي ينفذها المغرب بدءا من بعد الاثنين، تحت إطار “التعويم المدار” الذي تتحكم فيه الحكومة عبر وضع حدود دنيا أو قصوى، وبالتالي، تأثيره على التضخم لن يكون بنفس قوة التعويم الحر الذي نفذته مصر، خاصة مع أوضاع اقتصادية متدهورة أدت لتراجع حاد في سعر الجنيه.
كما أن الوضع الاقتصادي في المغرب أفضل نسبيا مع اتخاذ إجراءات إصلاحية مسبقة، مقارنة بوضع مصر قبل إصلاح نظام الصرف، حيث وصل عجز الموازنة إلى حدود 3.5% مقابل 12.5% في مصر عام 2015-2016، كما أن احتياطي النقد الأجنبي، والبطالة في وضع أفضل مما كانت عليه مصر.
سلبيات يخشاها المغاربة
وبرغم أن البنك المركزي يصر على القول إن تجربته في “التعويم” ستكون فريدة قياسا إلى تجارب أخرى، كونه سيخوضها دون ضغوط، كوجود أزمة اقتصادية أو مالية، الأمر الذي سيتيح له قدرة أكبر على إدارة توجهه النقدي الجديد بمرونة أكبر وتدرج أعمق، إلا أن كثيرا من المراقبين يؤكدون أن التعويم ستكون له انعكاسات سلبية آنية ومستقبلية على عدد من الأطراف، وأن هذه السلبيات والمخاطر ستتعاظم في حال لم ترق الإجراءات المتخذة لاستيعاب الصدمات، ومواجهة أي محاولة لإنشاء سوق سوداء، والتفاف البنوك، وبالمقابل سيكون هناك رابحون من هذه الخطوة.
من أبرز تلك السلبيات التي يتخوف أن تحدث بالمغرب، هو أن ترتفع الأسعار، ويزيد التضخم، وتتآكل بذلك القدرة الشرائية للمواطن.
أيضا فإن الشركات المستوردة بالمغرب، تخشى أن ترتفع تكلفة الاستيراد لديها، وهو ما سيدفعها إلى رفع الأسعار، أو التوقف عن الاستيراد.
أيضا يرى مراقبون أن ميزانية الدولة، ربما سترتفع بعد التعويم، نظرا لارتفاع فاتورة استيراد النفط والاحتياجات الطاقية، ومعدات ومستلزمات المشاريع الكبرى، وهو ما قد يحدث عجزا في الموازنة العامة للدولة.
أخيرا، فإن البعض يتخوف من أن يؤدي قرار التعويم بالمغرب إلى ارتفاع قيمة الديون الخارجية، إذ سيدفع المغرب أكثر فأكثر، كلما تراجع سعر الدرهم، ومن الناحية النظرية دائما فإنه يمكن إبطال مفعول هذه السلبيات في حال لجأت الدولة إلى دعم القدرة الشرائية للمواطنين، وفتح خطوط ائتمان جديدة للمُصَدِّرين، وتفعيل دور الرقابة ومحاربة الفساد.
اضف تعليقا