العدسة – منصور عطية

حلقة جديدة من حلقات التدخل السعودي والإماراتي في دول الربيع العربي لتخريب ثوراتها، كشفها تسجيل مصور لأحد المشايخ السلفيين التابعين للعسكري الليبي خليفة حفتر قائد القوات المنبثقة عن برلمان طبرق، توعد فيه أهالي مدينة “درنة” بالقتل.

العلاقة المريبة بين قادة وأتباع التيار السلفي المدخلي السعودي المنشأ، أو من يسمون “المداخلة”، خاصة في اليمن وليبيا، أصبح ظاهرة تستدعي التوقف بعد أن تحول هؤلاء من مجرد موالاة الحكام إلى تكفير المخالفين، واستخدام السلاح لتنفيذ مخططات الأنظمة.

تهديد أهالي درنة

وخلال اليومين الماضيين أثار فيديو لداعية ليبي يحرض قوات حفتر على اقتحام مدينة “درنة” ويهدد أهل المدينة بالقتل، موجة كبيرة من الجدل في كل من ليبيا والسعودية التي يقيم بها الداعية منذ سنوات.

وبثت صفحة تدعى “غرفة عمليات سرية شهداء عين مارة”، التابعة لقوات حفتر تسجيلا مصورا للداعية السلفي “أبو عبدالرحمن المكي” على مشارف مدينة درنة، حيث حث قوات حفتر (التي قال إنها تجاهد في سبيل الله) على اقتحام المدينة، وشبّه أهل درنة بالخوارج وهددهم بالقتل إذا لم يسلموا أسلحتهم ويغادروا المدينة.

ويسيطر بشكل كبير مقاتلو “مجلس شورى مجاهدي درنة” على الأوضاع في المدينة، وإليهم يرجع الفضل في طرد عناصر تنظيم الدولة “داعش”، بينما تخوض معهم قوات حفتر المدعومة مصريا وإماراتيا معارك عنيفة بين الحين والآخر، يهدف منها إلى السيطرة على المدينة، فضلا عن غارات مصرية متقطعة.

وحول شخصية الداعية المثير للجدل، نقلت تقارير إعلامية عن الكاتب “محمود الغرياني” قوله: “الهيكل ليبي والمحرك سعودي، هذا المدعو أبو عبدالرحمن المكي، ليبي الجنسية من الشرق، كان يعيش بالسعودية، ورجع مؤخرا لدعم حفتر باستصدار الفتاوى الخاصة لنصرة الكرامة (مسمى أطلقه حفتر على انقلابه الذي بدأ 2014)، مقرب من الدائرة الأولى لربيع المدخلي، معروف عنه التشدد والتطرف والغلو”.

يأتي هذا التطور اللافت، بعد نحو 3 أشهر من تقارير متواترة، أكدت أن السعودية بدأت في التدريب العسكري لشباب ليبيين من أتباع التيار السلفي المدخلي (لمؤسسه الشيخ ربيع المدخلي الأكاديمي السعودي المثير للجدل) داخل أراضيها.

وأفادت مصادر، أن الشباب يذهبون دفعات تحت غطاء شركات سياحية تمنحهم تأشيرات لأداء العمرة، إلا أن الغرض الأساسي منها هو حضور تلك التدريبات العسكرية التي تشرف عليها السعودية.

السعودية منبع الفكر المدخلي

يرجع كثير من الباحثين بداية الظهور العلني لتيار المداخلة في المملكة العربية السعودية إبان حرب الخليج الثانية عام 1991، التي كانت نتيجة لغزو العراق تحت حكم صدام حسين للكويت، نشأت المدخلية المقترنة بما يسمى “الجامية” في المدينة المنورة علي يد الشيخ محمد أمان الجامي الهرري الحبشي، والشيخ ربيع بن هادي المدخلي أستاذ الحديث بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، فالأول مختص في العقيدة، والثاني مختص بالحديث.

الشيخ ربيع المداخلي

الشيخ ربيع المداخلي

 

برز تواجدهم على سطح الأحداث كفكر مضاد للعلماء الذين استنكروا دخول القوات الأجنبية إلى الخليج، وأيضًا كانوا في مقابل هيئة كبار العلماء التي رأت في دخول القوات الأجنبية مصلحة، إلا أنها لم تجرم من حرَّم دخولها، أو تنكر ذلك، فجاء المداخلة أو الجامية واعتزلوا كلا الطرفين، وأنشئوا فكرًا خليطًا، يقوم على القول بمشروعية دخول القوات الأجنبية، وفي المقابل يقف موقف المعادي لمن يحرّم دخولها، أو أنكر على الدولة ذلك.

المنتمون لهذا التيار، يقومون وفق ما تشير إليه بعض الدراسات، بالبحث في أشرطة وتسجيلات العلماء والدعاة، ويتصيدون المتشابه من كلامهم وما يحتمل الوجه والوجهين، ثم يجمعون ذلك في نسق واحد، ويشهرون بالشخصية المستهدفة، محاولين بذلك إسقاطها وهدرها.

ويخوض أتباع هذا التيار الذين يسمون في السعودية بـ”أتباع الجامية” معارك فكرية ضارية مع كل العلماء والمشايخ، يحاولون خلالها فقط أن يتصيدوا أخطاء هؤلاء، وتوفر لهم وسائل التواصل الاجتماعي بوقًا لنشر أفكارهم وحصائد حملاتهم التي تكون ممنهجة في غالب الأحيان، خاصة ضد من ينتمون لحركة “الصحوة” التي انبثقت فكريًّا وليس تنظيميًّا من رحم جماعة الإخوان المسلمين، وفي مقدمة أتباعها الدكتور سلمان العودة وعلي العمري وناصر العمر وغيرهم.

كما يتمتعون عكس غيرهم بعلاقات قوية مع حكومة المملكة، خاصة مع اشتعال الأوضاع في دول الربيع العربي عام 2011.

مؤخرًا، كان مؤشر يدل بقوة على متانة تلك العلاقة، متمثلًا في إعلان “محمد بن سلمان” سبتمبر الماضي، تكفله بعلاج “ربيع المدخلي” بعدما ساءت حالته الصحية ووجه بنقله إلى أحد المستشفيات لتلقي العلاج على النفقة الخاصة للأمير.

علاقة المداخلة كانت متوترة على الدوام، حتى مع غير المنتمين لفكر الإخوان أو غيرهم، بل مع كبار العلماء الذين أثنوا عليهم سابقًا، مثل الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ صالح الفوزان، قبل أن يروجوا لفكرهم القائم على عدة مبادئ خاطئة، ومنها بخاصة مبدأ التجريح للعلماء الكبار.

ومن مظاهر هذا التوتر، التسجيل المنسوب للفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، والذي يصف فيه “المدخلي” بالكذب وتبني آراء “المرجئة” المخالفة لأهل السنة والجماعة.

نفوذ متنامٍ برعاية خليجية

وخلصت دراسة نشرها مؤخرا مركز “رؤيا للبحوث والدراسات”، إلى أن نفوذ التيار المدخلي المسلح يتنامى في كل من اليمن وليبيا، بصورة مفاجئة بشأن التيار الذي انشغل دوما بالتثبيت السلمي والفكري لسلطة ولاة الأمور، وبالهجوم على الجماعات والرموز الإسلامية المعارضة سياسيًّا للأنظمة.

ووفق الدراسة، يُستخدم التيار المدخلي بوضوح تام حاليا، لتأدية دور وظيفي خليجي في كل من اليمن وليبيا؛ ففي اليمن يعمل التيار على الحد من النفوذ الإيراني، وفي الوقت نفسه يعمل على تقليم أظافر المعارضين السنة، تارة بالوجود على الأرض وملء الساحة حتى لا يتزايد نفوذ الحركات السنية المعارضة، وتارة باغتيال المعارضين الإسلاميين لمشروع التحالف العربي في اليمن.

وفي ليبيا يساعد التيار المدخلي حفتر في محاولته القضاء على المعارضين لنفس المشروع الخليجي في ليبيا، ولا يتوانى في أثناء ذلك عن الفتك بمعارضيه، لأنهم في نظره “خوارج” ويجب التخلص منهم لأنهم “كلاب أهل النار”، وما شابه ذلك من شعارات يُلبسها ثوب الدين لتحقيق أجندات سياسية.

ورأى التحالف العربي ممثلا بالسعودية والإمارات على وجه الخصوص في التيار المدخلي أفضل خيار للحد من النفوذ الإيراني من ناحية، ومن البؤر السياسية السنية في المنطقة من ناحية أخرى.

والتيار المدخلي ليس له أحلام توسعية أو سلطوية، ويتحرك بالفتاوى الدينية للقيادات المقيمة بأراضي السعودية، وينطلق من منطلق عقدي في قتال الشيعة و”الخوارج”، كما هو تعريفهم الخاص للحركات والشخصيات السنية المعارضة.

وبحسب الدراسة، فلا يوجد فيما يبدو ترابط مباشر بين أفراد المداخلة المسلحين في اليمن وليبيا، فالأوضاع السياسية مختلفة وكذلك العسكرية، ولكن يتأكد بشكل متزايد وجود تنسيق أو ترتيب أدوار تقوم به الأجهزة الاستخباراتية المختصة بهذا الملف في كل من السعودية والإمارات.