العدسة – معتز أشرف

الثورة المحتملة باتت تنطلق في المشهد السياسي، كشبح أو حلم، فبينما تدعو جماعات رفض الانقلاب ودعم شرعية الدكتور محمد مرسي كرئيس لمصر، وتحث الشعب المصري على الثورة والنزول الحاشد في الميادين وإسقاط ما يصفونه بقائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، توعد الأخير في خطاب امتلأ بالانفعالات، الشعب المصري بالقمع إذا فكر في استحضار مشهد ثورة 25 يناير، وهو ما يطرح تساؤلات واسعة بين المراقبين للمشهد المصري أهمها علي الإطلاق لماذا يخشي السيسي من حراك جماهيري يحلم به خصومه رغم القمع المتصاعد والقبضة الأمنية الحديدية ؟ وهو ما يطرح سؤالا هاما آخر: اذا كان خصومه يحلمون بالثورة ويرسمون له واقعا خطوة بخطوة كما يقولون فهل لدى السيسي معلومات خطيرة تستدعي التصريح علنا بمنعه أي حراك ثوري ؟ ليكون السؤال الثالث هل يستطيع السيسي منع ثورة جديدة  في ظل الأوضاع الراهنة؟!.

وعيد خائف

عقب أيام من دعوة قوى مدنية لمقاطعة الانتخابات ومن ترشحه رسميًا لفترة ثانية لرئاسة مصر وسط عزوف سياسي شهد إجماعا غير مسبوق بحيث وصل إلى وجود مرشح واحد محسوب علي الأجهزة الأمنية ومتهم بالفساد كمنافس أوحد للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أوشكت ولايته على الانتهاء، توعد “السيسي”، الأربعاء الماضي “وعيد خائف بحسب ما يري بعض المراقبين، بإحباط أي محاولة لتكرار ما حدث منذ سبع سنوات، وذلك في إشارة صريحة لثورة 25 يناير، والتي حلت ذكراها السابعة قبل أيام.

“السيسي” قال- خلال افتتاحه حقل الغاز المصري “ظهر”، بمحافظة بورسعيد الساحلية-: “إذا فكر أي شخص في الاقتراب من مصر فسأقول للمصريين انزلوا لإعطائي تفويضاً”، وزاد: “ستكون إجراءات أخرى ضد أي شخص يعتقد أن بإمكانه العبث بأمن مصر”، بحسب تعبيره، وتابع منفعلا: “ميصحش حد يفكر يلعب في أمن مصر، أروح أموت الأول، قسما بالله قبل ما حد يلعب في أمنك يا مصر، لازم أكون مت الأول، أنا مستعد أروح بس الـ100 مليون مواطن يعيشوا”، على حد تعبيره، وسبق أن طالب “السيسي” في 24 يوليو 2013، عقب الانقلاب على د.محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب للبلاد المصريين بالنزول للشوارع، فيما سمي بـ”جمعة التفويض” 26 يوليو 2013 لمواجهة ما أسماه “الإرهاب المحتمل”.

وكان السيسي تحدث في سياق قريب خلال فعاليات اليوم الثاني لمؤتمر (حكاية وطن)، لاستعراض حصاد فترته الرئاسية الأولى، قائلاً: “أنا مسؤول أمام الله، وأمامكم، إني أحافظ على البلد دي، ويستحيل إسقاطها مرة تانية.. أنا كنت مدير مخابرات (حربية) في 2011، وعارف اللي كان بيحصل!”، مضيفا : ” أنا مش عاوز كلام أصعب، أحداث 2011 دفعنا تمنها، وبندفع تمنها، ولم يكن لدينا خيار آخر لإعادة بناء وتأهيل الدولة إلا من خلال المسار اللي مشينا فيه.. مش مظاهرتين يهدوا بلد، نروح نحاصر مجلس الوزراء، ونحاصر مجلس النواب، وخلصت مصر.. آه كان في أصحاب نوايا طيبة، لكن كمان كان في أشرار، وبيستهدفوا إسقاط الدولة”.

التناقض سمة خطابات السيسي، وإن وصفه البعض بأنه دائما ما يكشف مواقف السيسي الخفية من الثورة، حيث أكد السيسي ذاته في عيد الشرطة أن “ثورة 25 يناير كانت الحافز لنا لخوض معركة التنمية”، فيما وجه التحية لأبناء الشعب المصري في ذكرى ثورة 25 يناير، قائلا إن الثورة كانت مطالبها النبيلة تسعى لنيل الحرية والكرامة وسبل العيش الكريم للمواطن المصري، وكانت الحافز لنا لخوض معركة التنمية لتوفر في مصر واقعا مختلفا يليق بها.، إلا أن مراقبين تحدثوا عن أنه كان يقصد كذلك تدخل المجلس العسكري في مواجهة مبارك والمساعدة في الإطاحة به وهو ما يتسق مع أحاديث كثيرة تتحدث عن مواقف مختلفة للقوات المسلحة في بعض المواقف وهي الأحاديث التي يتم نفيها باستمرار من قبل الجيش ببيانات داعمة للسيسي، قد يكون خلفها حديث لكنه ليس ظاهرا بحسب ما هو مرصود، وبالعودة إلى الوراء، فإن السيسي كان أوضح في عام 2017 خلال إلقائه كلمة من أكاديمية الشرطة بمناسبة الاحتفال بالعيد الخامس والستين للشرطة، حيث هاجم في ذكري الثورة الانتفاضة الشعبية، واتهمها بأنها ” استهدفت إيقاع الفرقة بين الشرطة والجيش من جهة، والشعب من جهة أخرى، زاعما أن “في جهود اتعملت للإيقاع بين الشرطة والجيش في 2011.. وبين الشرطة والشعب في 2011، وبين الجيش والشعب في 2011″، ولكن حديثه في بورسعيد يحمل كلمات وراء الكلمات قد تظهر حقائقها في الأيام المقبلة خاصة مع إذاعة الإعلاميين المقربين منه معلومات عن استهدافه.

لما الخوف؟!

هذا التركيز من قائد النظام المصري الحالي المحمل بالخوف والوعيد والتهديد من حدوث أي حراك جماهيري غاضب يطيح به كما أطاح بمبارك في 2011، غير مفهوم ظاهريا في ظل موجة القمع والقبضة الحديدية التي ترصدها بكثافة تقارير الحقوقيين، إلا أان الحليف الأمريكي خرج من داره تصريحات قد تبدو أقسى، حيث أدان السيناتور جون ماكين، رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي، في بيان بمناسبة ذكرى ثورة 25 يناير عام 2011 “القمع” الذي يمارسه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ضد المعارضين السياسيين، واعتقال مرشحين لانتخابات الرئاسة، مشككا في إمكانية إجراء انتخابات “حرة وعادلة”، فيما دعا إلى احترام “روح الثورة” والطموحات الديمقراطية للمصريين. وقال: “قبل 7 سنوات ألهم المصريون العالم بثورتهم السلمية التي طالبت بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، في خطوة شجعت هؤلاء الذين يسعون إلى الديمقراطية والحرية، لكن على مدار السنوات السبع الماضية، شاهدنا مصر تتراجع بشكل خطير وقمع الرئيس عبدالفتاح السيسي للنشاط السياسي وحقوق الإنسان الأساسية أدى إلى سجن عشرات الآلاف المعارضين، بينهم 19 مواطنا أمريكيا، وحوالي 3500 شاب، مؤكدا أنه من المهم أن تتبنى الحكومة المصرية روح ثورة 25 يناير وتحترم الطموحات الديمقراطية للشعب المصري، وهو البيان الذي لم يعجب النظام المصري فأصدر بيانا من وزارة خارجيته لرفض تصريحات ماكين.

وفي السياق ذاته أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها السنوي مطلع العام الحالي أن حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي استمرت في رفضها المطلق لأية معارضة، فشرّعت قوانين قمعية، لا سيما قانون الجمعيات الأهلية الذي قد يقضي على المنظمات المستقلة، وأعادت حالة الطوارئ، في ظل استمرار شبه مطلق للإفلات من العقاب على انتهاكات قوات الأمن، بدعوى مكافحة “الإرهاب”، وقبضت قوات الأمن على مئات المعارضين، واستهدفت بالأساس جماعة “الإخوان المسلمين” و مارس “جهاز الأمن الوطني” التابع لوزارة الداخلية الاحتجاز التعسفي والإخفاء والتعذيب بحق الأفراد. هناك حالات كثيرة لما يبدو أنها أعمال إعدام خارج نطاق القضاء، ومنها قتل أشخاص كانوا محتجزين في مشاهد “تبادل إطلاق نار” تمثيلية، ووضعت السلطات مئات الأفراد على قوائم الإرهاب، وصادرت أموالهم على خلفية صلات مزعومة بالإرهاب، دون مراعاة سلامة الإجراءات القانونية فيما فرضت الحكومة حظرا إعلاميا على عملياتها الخاصة بمكافحة الإرهاب في شمال سيناء، حيث قامت “ولاية سيناء”، التنظيم المنتمي لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) المتطرف، باستهداف المدنيين وقوات الأمن.

مقدمات ثورة

د.عمرو عادل رئيس المكتب السياسي بالمجلس الثوري المصري أكد في حديث لــ”العدسة” أن حلم الثورة لن يموت في داخل كل الثوار في الداخل والخارج وسيظل شبحه يطارد الانقلاب وقائده الذي جاء حديثه في سياق من خوف يلاحقه في كل مكان بسبب جرائمه، مشددا علي أن مصر على وشك انفجار كبير للغاية في وقت ما قد يكون قريبا او بعيدا، ويتوقف ذلك علي الشعوب التي لا تتحرك مهما حدث بها دون أن تشعر أن تحركها سيصنع الفارق، ولهذا تحتاج قبل أن تتحرك لوجود تحركات منظمة من قوى ثورية ميدانية تقلل فارق القوة مع النظام، وفي هذه اللحظة ستخرج الجماهير في الشارع وهو ما نسعى إليه وسيراه السيسي في وقته.

ويرى رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري أن الخمس سنوات السابقة صنعت بدايات لتكوين قيادات شعبية ثورية قادرة على قيادة الشارع، وأرى أن كل مقدمات الثورات الكبرى موجودة وفقط تحتاج إلى هذه القيادة الثورية وهذا التنظيم الثوري، وهناك الكثير من الأفكار المطروحة لتحقيق ذلك تحتاج للوقت لوضعها على الأرض، مشيرا إلى أن في مصر الآن يتواجد دعاة الثورة الشاملة وهم من يؤمنون بضرورة إعادة بناء منظومة السلطة وأن أي حل بديل هو تمهيد لانقلاب عسكري جديد في وقت ما لاحقا، وهم يسعون ويدافعون عن كل ما ينتمي للثورة.

وأكد أن أي تنظيم منفردا غير قادر على النجاح في بناء ثورة، قد يساعد في إشعالها ولكنه غير قادر على إكمالها، ولذلك يجب على الشعب؛ الطرف الأصيل في الصراع، استعادة الزمام في المواجهة، كما يجب على الكتلة الصلبة في الثورة الدفع في هذا الاتجاه والتخلي عن المركزية في قيادة الثورة حيث إن الفعل الثوري يختلف عن الفعل التنظيمي الهرمي، ونجاح الثورة يرتبط ارتباطا وثيقا بهذا التطور الهام، وهو ما يخشي السيسي منه كل يوم.

ما ينادي به الجناح الثوري الذي كثيرا ما يردد خطابات الثورة في بيانات ساخنة بعد قمع السيسي للفعاليات الميدانية، كان صداه في الصحافة العالمية واضحا أمس، حيث أكد موقع “ميدل إيست أي”  في تقرير سابق له “أن لحظة انتصار السيسي  لن تستمر، والتحول الغَرِيب للأحداث التي وقعت عشية الذكرى السابعة لانتفاضة يناير جاء بمثابة تذكير صارخ بضرورة التوحد كصوت واحد ضد الديكتاتورية العسكرية”.