سلط الكاتب الاقتصادي، ريتشارد بارتينجتون، الضوء على المخاطر الاقتصادية المتصاعدة جراء التوترات العسكرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مشيرا إلى الانعكاس السلبي لذلك قبل الانتخابات في بريطانيا والولايات المتحدة على كل من الرئيس، جو بايدن، ورئيس الوزراء، ريشي سوناك.

وقال بارتينجتون، في مقال نشره موقع صحيفة “الجارديان”، إن آفاق الاقتصاد العالمي كانت تبدو أكثر إشراقا بعض الشيء، لكن التدخل العسكري في البحر الأحمر أفسدها، في ظل التوترات المتصاعدة بالشرق الأوسط وارتفاع أسعار النفط والتأخير الطويل في الشحن الدولي.

وبينما يجتمع زعماء العالم هذا الأسبوع لحضور منتدى دافوس السنوي في سويسرا، تتلخص المخاوف في توقف مسيرة التضخم الهبوطية العام الماضي بسبب التوترات الجيوسياسية المتزايدة، بحسب بارتينجتون، مشيرا إلى أن خطر نشوب حرب باردة جديدة يتصاعد، خاصة في ظل رد فعل الصين الفاتر إزاء انتخاب رئيس تايوان الجديد، المؤيد للاستقلال عن بكين، الأسبوع الماضي.

وارتفعت أسعار النفط العالمية وتكاليف الشحن، في حين أدى شن بريطانيا والولايات المتحدة غارات جوية ضد الحوثيين في اليمن، الأسبوع الماضي، إلى زيادة المخاطر الجيوسياسية.

ويرى بارتينجتون أنه ليس من المستغرب أن تُمنح العملية العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة اسمًا عمليًا من “حارس الرخاء”، إذ يعد الممر الملاحي في مضيق باب المندب بمثابة شريان حيوي لاقتصادات أوروبا وأمريكا الشمالية، إذ يمر منه 12% من التجارة العالمية و30% من حركة الحاويات.

وتأتي معظم الشحنات من آسيا إلى موانئ شمال أوروبا؛ حيث تعبر حوالي 50 سفينة يوميًا مضيق باب المندب إلى قناة السويس، التي يبلغ طولها 120 ميلًا، وتحمل بضائع بقيمة 5 مليارات دولار كل أسبوع.

ومع تحويل خطوط الشحن الرئيسية لحركة مرورها لطريق رأس الرجاء الصالح حول أفريقيا لتجنب هجمات الحوثيين، تتم إضافة حوالي 3000 إلى 3500 ميل بحري (6000 كيلومتر) إلى الرحلات التي تربط أوروبا بآسيا.

 ويشير بارتينجتون إلى أن إجبار السفن على السفر لمدة 10 أيام أطول في المتوسط يتسبب في زيادة تكلفة الشحن، لافتا إلى أن أسعار الحاويات على طريق شنغهاي-روتردام الرئيسي قفزت من 1170 دولارًا (917 جنيهًا إسترلينيًا) في أوائل ديسمبر/كانون الأول إلى 4400 دولار في 11 يناير، وفقًا لبنك ING الهولندي.

ويعيد هذا الوضع التذكير بإغلاق قناة السويس من قبل سفينة الحاويات “إيفر جيفن” قبل عامين، الأمر الذي تسبب في مشاكل جماعية للتجارة العالمية وساهم في أسوأ انفجار تضخمي منذ 4 عقود من الزمن.

وإزاء ذلك، ثمة تحذيرات من الشركات الأوروبية بشأن ارتفاع الأسعار، بما في ذلك شركات “إيكيا” و”تيسكو” و”ألدي”، إذ تأتي نصف الألعاب ونحو خمسي الأدوات المنزلية المستوردة إلى المملكة المتحدة من الصين، وفقا لشركة “ريتيل إيكونوميكس” الاستشارية.

وأوقفت شركتا “تيسلا” و”فولفو” إنتاج السيارات مؤقتًا بسبب نقص المكونات في مصانعهما الأوروبية. وما زاد من الانهيار اللوجستي أن الجفاف أدى إلى انخفاض عبور قناة بنما بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ.

ومن المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي بشكل حاد هذا العام، بعدما زادت الطاقة الاستيعابية للشحن البحري العالمي بعد إطلاق العديد من سفن الحاويات الضخمة الجديدة، في حين انخفضت أحجام الشحن بالفعل قبل بدء التوترات الجيوسياسية.

وفي حين أن أسعار الحاويات تضاعفت 3 مرات، إلا أنها لا تزال أقل بكثير مما كانت عليه قبل عامين، خلال فترة جائحة كورونا، ولا يزال مؤشر شانغهاي للشحن بالحاويات، وهو المؤشر الأكثر استخداما على نطاق واسع لأسعار الشحن البحري للواردات من الصين في جميع أنحاء العالم، منخفضا بأكثر من النصف.

وارتفعت أسعار النفط بشكل حاد في الأيام الأخيرة وسط مخاوف بشأن تعطل التجارة العالمية عبر ممرات الشحن الرئيسية، لترتفع إلى أكثر من 80 دولارًا للبرميل. لكنها تظل أقل بكثير من الذروة التي بلغت حوالي 140 دولارًا في عام 2022 بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

ولا يستبعد بارتينجتون أن تتغير الأحداث، خاصة إذا استمر الاضطراب أو تصاعدت التوترات الجيوسياسية، مشيرا إلى أن التدخل العسكري ليس جديدا: فقد قامت السفن الحربية البريطانية بدوريات في مضيق باب المندب الذي يبلغ عرضه 30 كيلومترا لعدة قرون، مع الاستيلاء على ميناء عدن بالقوة في عام 1839 لإنشاء محطة فحم مهمة على الممر المؤدي إلى الهند.

وبعد أن كانت ثاني أكثر الموانئ ازدحاما في العالم بعد نيويورك، تضاءلت أهمية عدن منذ استقلال اليمن في عام 1967، مدفوعة بعقود من الحرب والأزمة السياسية التي خلفتها بريطانيا، في حين أدى التقدم في مجال الشحن إلى تقليل الحاجة إلى التوقف بميناء عدن، ومع ذلك، ظلت المدينة لمنية نقطة الاختناق بين القرن الأفريقي وشبه الجزيرة العربية ذات أهمية استراتيجية للتجارة الدولية.

ويمثل ارتفاع أسعار الطاقة العالمية إنذارا خاصا لبريطانيا، فبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، أدت الجهود المبذولة لتنويع إمدادات الغاز إلى زيادة اعتماد المملكة المتحدة على واردات الوقود الأحفوري من الشرق الأوسط، بما في ذلك قطر، أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم.

وارتفعت واردات الغاز الطبيعي المسال الأوروبية بنسبة 71% في عام 2022 في إطار الاندفاع لاستبدال الغاز الروسي، بما في ذلك زيادة بنسبة 74% إلى المملكة المتحدة، التي تستورد ما يقرب من ثلث إمداداتها المستوردة من البلاد.

وكان المسؤولون التنفيذيون في الشركات وصناع السياسات يقضون معظم العامين الماضيين في الحديث عن “تفكيك العولمة”، وسط ضجة حول “إعادة” هيكلة سلاسل التوريد، ومع ذلك، أظهرت الأزمة في الشرق الأوسط أن بريطانيا أصبحت مدمنة على الواردات من آسيا أكثر من أي وقت مضى.

وتظل الصين أكبر مصدر لنحو 70 اقتصادا حول العالم، إذ أن تفكيك خطوط الإمداد العالمية، التي تراكمت على مدى عقود، لم يكن من الممكن أن يحدث بين عشية وضحاها، ولايزال الغرب معتمدا على بكين رغم انهيار العلاقات السياسية معها.

وانخفضت أحجام الواردات البريطانية من ذروتها القياسية في 2022، لكن بضائع بقيمة تفوق 50 مليار جنيه إسترليني وصلت إلى الشواطئ البريطانية في العام المنتهي، وهي قيمة تتجاوز مستويات ما قبل جائحة كورونا.

وبعد سلسلة من الصدمات العالمية منذ الجائحة، تراجع التضخم في عام 2023، ما زاد الآمال في تخفيض أسعار الفائدة من أقوى البنوك المركزية في العالم، وكان من الممكن أن يوفر ذلك دفعة مفيدة لمستويات المعيشة والنمو الاقتصادي في عام انتخابي رئيسي على ضفتي المحيط الأطلسي (المملكة المتحدة والولايات المتحدة).

وفي حين يتمثل الأمل في تقليل مستويات التعطيل الاقتصادي إلى الحد الأدنى، فإن هذا ليس مضمونًا على الإطلاق بالنسبة للرئيس الأمريكي، جو بايدن ورئيس الوزراء ابريطاني، ريشي سوناك.

اقرأ أيضا: منهم الإمارات والمغرب.. ارتفاع صادرات إسرائيل لـ 5 دول عربية خلال عام 2023