إن الدعوة إلى الله عز وجل بحرٌ لججٌ، لا تخوضه إلا الفلك الكرام، والداعية الفطن يجعل من كل مراحل حياته نبراسًا لهداية الخلق إلى المتعالِ الجبار.
وإذا كانت حياة الإنسان مراحل وحقبا، فلا ريب أن مرحلة الشباب تحتفظ فيه بمواقع العلو والارتفاع، لا سيما مرحلة الجامعة، أبرزها قوةً وأعلاها عطاءً، إذ يتجمع للداعية فيها من مُعينات العمل الدعوي ما يتجمع، هذا غير ما تفرضه طبيعة المرحلة وحال الجامعات، ما يجعل الدعوة إلى الله فيها ضرورة مُلحة، وربما يرتفع بها الاحتياج إلى درجة الوجوب.
والمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال، يملك تراثًا روحيًا خاصًا، ويتمتع بحضارة تاريخية ذات أصالة، ولغة قومية ذات قداسة، وخصوصية تؤهله لصناعة نهضة إسلامية خالصة، دون الحاجة إلى الغرب ورجاله.
لكن عماد نهضة الأمة –أي أمة– مرهون بواقع شبابها.. وفي أيامنا تلك، أصبح للشباب مجتمعا خاصا مغلقا، في الميادين الطلابية، فالسيطرة على الجامعات تعني السيطرة على الشباب المتعلم، وهو وحده القادر على صناعة الصبغة العامة لمجتمعه، والقائد في كل تغيير مأمول.
وإن نظرة سريعة إلى واقع الجامعات العربية هذه الأيام، يعكس انحدارا غير مسبوق وطمس كبير للهوية الإسلامية في بلاد الإسلام، لذا كان واجب الدعاة من الطلاب عظيما في إعادة ابتعاث تلك الروح الغائبة لدى شباب الأمة المسلمة، وقديما قال المناطقة: “إذا وُجدت الدواعي، وامتنعت الصوارف، وكانت القدرة حاصلة، وجب وجود المطلوب“.
• اختراق الجدار
وإذا كانت الترِكة على ظهر الطلاب الدعاة ثقيلة، فهي أثقل على مربيهم، في ظل موجة عاتية من الذوبان الثقافي، والاحتلال الفكري، والاستسلام الكبير أمام أدوات السيطرة الغربية على واقع العرب والمسلمين.
وأمام تلك الموجة الاستعمارية العاتية، لم تعد القلعة الإسلامية حصينة بما يكفى لمواجهتها، فأصبح الخطر يداهم الطلاب الدعاة أنفسهم، ولم يعودوا بعد –في كثير من جامعاتنا– قادرين على مقاومة أسباب الانحراف.
وهنا يأتي دور المربين في الذود عن أفكار وأخلاق وسلوكيات الطلاب الدعاة، متفاعلين مع ما يشهده الواقع العربي من تغيرات –سياسية واجتماعية–، ومواكبين لصاروخ التطور التقني والحياتي المهيب.
• المتسلل الخفي:
إن موت المقاومة مرهون بإلف العادة، فإذا صار العمل مألوفًا لدى صاحبه حتى يتمكن منه، انعدمت فرص تغييره، فضلا عن شحذ صاحبه إلى دعوة غيره إلى الصراط القويم.
وإن أكبر بلاء منيت به جامعاتنا المسلمة –في أغلب الدول العربية– هي الاختلاط المتفشي في كل مناحي حياة الطلاب، حتى أصبحت فرضًا –بحكم النظامية– لا يجد الباحث عن النجاة مهربًا من الوقوع فيه.
وإن المأساة الكبرى في الفقه الإسلامي، أن فقهاء اليوم لم يستطيعوا أن يميزوا بين نوعين من الاختلاط: الاختلاط التراثي المتناثرة أحكامه في مصادر الفقه الأصولية.. والاختلاط النظامي الدوري الحديث الذي يحتاج أحكاما خاصة ومصطلحات جديدة وقياسات مغايرة.
مع الوقت، وفي ظل نظام كامل من الاختلاط النظامي، تتغير مفاهيم الطلاب الدعاة، لاسيما مع تجاهل المربين في التأكيد على شذوذ الواقع، فيضحى الاختلاط أصلا في تصور هؤلاء الطلاب إلى أن تقع الكارثة الكبرى حين تجد أحدهم يدافع عن الاختلاط استسلامًا للواقع أو اقتناعًا.
لذا، فإن على المربين أن يهتموا دائما بتأصيل أحكام الاختلاط النظامي الحديث، وأن يميزوا للطلاب بينه وبين الاختلاط التراثي القديم، وأن يقرروا –بمعرفة الفقهاء المعاصرين– أن ما تضمه كتب التراث الفقهي من أحكام الاختلاط لم تعد صالحة للجريان على الواقع الجديد للأمة المسلمة المعاصرة.
(الآراء الواردة في التدوينة تعبر فقط عن رأي صاحبها، ولات تعبر بالضرورة عن وجهة نظر “العدسة“)
اضف تعليقا