إبراهيم سمعان

بعد أن أصبحت الجامعة العربية رابطة للممالك الخليجية، وجدت الجزائر التي تدافع عن الإصلاح العميق للمنظمة نفسها في مواجهة ائتلاف مصالح يتعارض مع المبادئ التأسيسية للسياسة الخارجية.

تحت هذه الكلمات سلطت صحيفة “lexpression” الجزائرية الناطقة بالفرنسية الضوء على الوضع الذي آلت إليه الجامعة العربية وعجزها عن القيام بفعل أي شيء تجاه القضايا الداخلية والخارجية للدول الأعضاء.

وبدلًا من أن تكون هذه المنظمة تكتلًا يحافظ على الهوية العربية ويدافع عن القضايا المصيرية وتحل النزاعات بين الدول الأعضاء بعضها البعض، باتت مشلولة لم تقدّم ما كان منتظرًا منها، بل زادت الوضع العربي تأزمًا باستحواذ دول كبرى على قراراتها.

وقالت الصحيفة: من الواضح أن قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران أثار الابتهاج في الجامعة العربية التي أصبحت مجلسًا موسعًا للتعاون الخليجي للدول التي لا تخضع مواقفها تجاه القضايا الإقليمية إلى المبادئ الموضوعة، لكن من خلال المواقف القابلة للتفاوض أو من خلال مبدأ “الأخذ والعطاء”.

 

وأضافت يتجلى هذا الموقف في أحدث أزمة دبلوماسية زائفة بين المغرب وإيران، والتي كان سببها دعم إيران وحزب الله اللبناني إلى جبهة البوليساريو، وفي هذا الصدد، أعربت جامعة الدول العربية، التي تخضع بالكامل للسيطرة السعودية، عن تضامنها مع المغرب ضد ما وصفته بأنه “تدخلات خطيرة” لإيران “في الشؤون الداخلية للمملكة”.

وأشارت إلى أنَّ الترحيب بالمواجهة بين المغرب وإيران، يعني في الواقع أن “الجبهة السنية” قد عززت موقفها وأن عزلة إيران أصبحت مؤكدة، خصوصًا في ظل تهديد واشنطن بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقعته في عام 2015 مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا.

 

لقد أبعدت جامعة الدول العربية سوريا من عضويتها من أجل السماح بتدميرها على نحو أفضل من قبل الجماعات الإرهابية متعددة الجنسيات الممولة من الدول العربية وبدعم من الدول الغربية، تكتب الصحيفة.

 

وأشارت إلى أنّ نفس الجامعة التي ضخمت موقفها في مواجهة التدخل الإيراني المزعوم في “الشؤون” المغربية، دعمت بقوة تدخل حلف الناتو العسكري في ليبيا، مع علمها أن انهيار الهياكل الهشة للدولة سيطلق سراح شياطين بلد كانت القبلية فيه كامنة؛ حيث الخلايا الإرهابية تنتظر الفوضى كي تتحرك، وأمراء الحرب في منطقة الساحل يأملون في تخزين الأسلحة الثقيلة.

 

وأكّدت أنّ المغرب، الذي تفاوض في السابق متكأ على الدعم السعودي لخطته حول الحكم الذاتي للصحراء الغربية، أجبر اليوم على ردّ ذلك للرياض من أجل عزل إيران العدو اللدود للسعودية.

 

وتقول “lexpression” منذ فترة طويلة، لم تعد جامعة الدول العربية هي الحكم المحايد للصراعات بين الدول العربية، فمصر، التي كانت العمود الفقري لهذه المنظمة، أصبحت مجرد قطعة شطرنج في يد المملكة السعودية من خلال مشاركتها في العدوان على اليمن وفي انحيازها الأعمى للأزمة بين دول مجلس التعاون الخليجي وقطر.

 

مصر التي كان صوتها مدويًا داخل الجامعة لم يعد مسموعًا، تضيف الصحيفة التي بينت أيضًا أن سوريا، تحملت عبء مقاومتها لإسرائيل والانصياع العربي إلى الإرادة الأمريكية والغربية من خلال إخضاع جميع البلدان القادرة على مواجهة إسرائيل عسكريًا وأولئك الذين يرفضون منح ثرواتهم للشركات متعددة الجنسيات.

 

أما العراق ولبنان فيديران ظهرهما للجامعة التي أصبح دورها الحصري خدمة ممالك الخليج، وفي ظل ذلك ما هي الدول الأخرى بالمنظمة لها وزن إقليمي؟ .

 

إن الجزائر، التي طالما كانت سياستها الخارجية تقوم على التضامن العربي وحسن الجوار، وقبل كل شيء، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، تجد نفسها في موقف محرج في ظل الأزمات المتكررة بين الدول العربية بعضها البعض أو الدول الإسلامية.

 

وتبين الصحيفة في هذه المواقف، فضلت الجزائر دائمًا الانسحاب من اللعبة، خاصة عندما صوت ضد قرار استبعاد سوريا من جامعة الدول العربية، والأمر نفسه عندما أراد العرب تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية.

 

ورأت أن كل هذه المواقف جعلت الجزائر مصدرًا للمخاطر وتهديدا للهيمنة السعودية، وهو ما يفسر دعم الأخيرة المغرب في قضية الصحراء الغربية، وبعيداً عن هذه القضايا الدبلوماسية، فإن الجزائر مستاءة من مصر، خاصة وأن إصلاح الجامعة العربية تعتبره الجزائر أولوية، وضرورة لإنهاء الهيمنة السياسية والإدارية.

 

 

وتؤكد الصحيفة أن الجزائر لا تفوت فرصة لتكرار دعوتها إلى إجراء إصلاح عميق لهذه المنظمة المتحجرة وغير الفعالة وغير المفيدة. فقد كرر ممثلو الجزائر الإعراب عن آرائهم بالتذكير بالحاجة الملحة لإصلاح جامعة الدول العربية، ولكن دون جدوى.

 

وختمت تقريرها بالقول وهكذا، تجد الجزائر نفسها وحيدة في مواجهة ائتلاف مصالح يتعارض مع المبادئ التي تقوم عليها السياسة الخارجية للبلاد، وعلى هذا النحو، أليس من الأجدى، سياسيًا وماليًا، تجميد مشاركة الجزائر في هذه المنظمة التي من المرجح أن تمتد آثارها السلبية على سوريا والعراق وليبيا واليمن وفلسطين إلى دول أخرى؟