العدسة – معتز أشرف:
نرصد الجدل الدائر في مصر حول ما قيل عن رفع الأذان الشيعي من مسجد الحسين في مصر أثناء صلاة الجمعة اليتيمة في رمضان، والنفي الرسمي لذلك، والتصعيد الجاري في البرلمان من عناصر محسوبة على الأجهزة الأمنية، وتسلط الضوء على ملف التشيع في مصر، لنتعرف هل لذلك علاقة بعلاقات مصر بإيران.
أزمة تتوسع!
رسميًا أكدت وزارة الأوقاف المصرية أنه لا صحة على الإطلاق لما أثير عبر بعض مواقع التواصل من رفع الأذان الشيعي بمسجد الإمام الحسين رضي الله عنه، وأوضحت وزارة الأوقاف، في بيان لها الجمعة، أنّ الأخبار التي تداولت حول ذلك محض افتراء، وليس لها أي أساس من الصحة وغير مسموح به بأي مسجد من المساجد.
وبحسب مواقع محسوبة علي الأجهزة الامنية في مصر، فقد روّجت قيادات شيعية واقعة قديمة لمؤذن مصرى رفع الأذان الشيعى فى العراق، على أساس أنها حدث جديد، فيما انتقدت نقابة القراء تصرفات الشيعة، مؤكدين أنهم يستهدفون بث الفتنة داخل المجتمع المصرى، حيث يحتوى الفيديو الذى حاولت تروجه الشيعة على أعلى مستوى من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، تصريحات متلفزة لقيادات بنقابة القراء يتحدثون فيها عن رفع القارئ الراحل فرج الله الشاذلى، أذان الشيعة فى العراق، وتقديمه اعتذارًا لفضيلة الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر.
وقال المتحدث الرسمى للنقابة القراء محمد الساعاتى، إن هذا الحدث قديم وقد تناولته وسائل الإعلام المصرية بكل أنواعها، كان الشيخ الدكتور فرج الله الشاذلي قد قام برفع الأذان الشيعى فى العراق منذ حوالى 10 أعوام، وعندما تم إذاعة الفيديو وانتشر، الرجل ظهر بكل شجاعة وقدم اعتذارًا لجميع المسلمين ولفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، وانتهى الأمر وقتها”، مضيفًا: “لقد رحل الدكتور فرج الله الشاذلي عن عالمنا العام الماضى فى مثل هذه الأيام من شهر رمضان”.
وأكد الساعاتى أن الشيعة يريدون بث الفتنة وإثارة الجدل داخل المجتمع المصرى، موضحا أن نقابة القراء بقيادة الشيخ محمد محمود الطبلاوى يستنكرون بشدة ما يفعل الشيعة من محاولة نشر واقعة رفع الأذان الشيعى على أساس أنها جديدة معتبرًا ذلك عملًا إجراميًا.
الأزمة تطورت وذهبت إلى البرلمان، حيث تقدم النائب مصطفى بكري المحسوب علي المؤسسة العسكرية، ببيان عاجل، إلى الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف، بشأن قيام الشيخ مؤذن مسجد الإمام الحسين الأسبوع الماضي برفع الأذان “الشيعي” قبل صلاة الجمعة، في تحدٍ لافت لتصريحات نقابة القراء أو بيان وزراة الأوقاف، وقال في تصريحات إعلامية: “إن الشيخ حلمي الجمل، وكيل نقابة القراء بالأزهر، اعترف بأن هذا المؤذن رفع أذان الشيعة في مسجد الحسين، وهو شيخ تابع لوزارة الأوقاف وكثير التردّد في السفر إلى إيران، ورغم احترامنا لطائفة الشيعة من أبناء الأمة العربية، إلا أن رفع الأذان في مسجد الحسين ومن خلال مؤذن تابع لوزارة الأوقاف يمثل اختراقًا إيرانيًا لهذا المسجد الكبير، ما يستوجب على الجهات المسؤولة وفي مقدمتها وزارة الأوقاف الرد على البيان العاجل”.
طفو لافت!
الأمر يكتنفه غموض محير في تضارب التصريحات والتحركات ضد المعسكر الحاكم في مصر، ويزيد الشكوك فيه بحسب مراقبين اهتمام منابر إعلامية محسوبة على النظام بإثارة ملف التشيع في الفترة الأخيرة، ومنها موقع اليوم السابع المحسوب على وزارة الداخلية المصرية الذي نقل عن المنشد محمود التهامى قوله: “بعض المنشدين يهدفون إلى نشر التشيع وهنقعدهم فى البيت”، مضيفًا أن بعض المنشدين يستخدمون الإنشاد الدينى فى نشر التشيع، حيث يقولون قصائد تدعو للتشيع ونحن بلد سنى، فيجب أن يكون هناك رادع لهم، وبإذن الله بعد اعتماد النقابة مهنية «هنقعدهم فى البيت».
وتوترت العلاقة بين إيران ومصر في عهد الدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب علي خلفية مقتل القطب الشيعي المدعوم من إيران الشيخ حسن شحاتة في ظروف مجهولة، وهو ما سبب قطيعة مبكرة بين البلدين سرعان ما تحولت إلى دعم إيراني للإطاحة بالدكتور محمد مرسي لصالح وزير دفاعه الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي حاول التقارب مع إيران في فتراته الأولى بصورة أكبر من الحالية التي تشهد علاقات فاترة قد تتطور سلبيًا في الفترة المقبلة بحسب المراقبين في ظل بدء منصات النظام الإعلامية في إثارة موضوع التشيع مجددًا.
وكان من آخر التصريحات الرسمية في أواخر 2017، حيث أكد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي المواجهة مع إيران، مؤكدا أن مصر مع دول الخليج فى حفظ أمنها واستقرارها، ومصر جزء من الأمن القومى العربى الذي يشمل أمن واستقرار دول الخليج، خاصة أن علاقة مصر مقطوعة مع إيران منذ قرابة الـ40 عامًا.
هاجس مستمر!
المخاوف في مصر من التشيع تشكل هاجسا لدى المراقبين، ولا تخلو فترة من دق ناقوس الخطر من انتشار التشيع دون موقف واضح من النظام الحالي منذ وصوله رأسه لسدة الحكم في 2013، حيث كشف ائتلاف للطرق الصوفية في مصر بالتزامن مع بداية تصدر الجنرال عبد الفتاح السيسي للمشهد في أواخر العام 2013 عن “طريقة صوفية جديدة” تروّج للمذهب الشيعي في صعيد مصر عبر “داعية” بأحد المساجد بمدينة أسيوط جنوبي البلاد، وصرح مصطفى زايد، منسق عام ائتلاف الطرق الصوفية أن الطريقة التي تم ضبطها تدعى “الطريقة الحسينية الأمدية، وهي طريقة حديثة غير مسجلة بالمشيخة العامة للطرق الصوفية وتقوم بنشر المذهب الشيعي تحت غطاء التصوف، مستغلًا جهل الناس ومحبة أهل الصعيد لآل بيت رسول الله”.
كما كشف الشيخ محمد عبد الخالق الشبراوي، شيخ الطريقة الشبراوية ورئيس جبهة الإصلاح الصوفي، في تصريحات سابقة لوكالة الأناضول: “هناك بالفعل معلومات تفيد بوجود محاولات لنشر المذهب الشيعي في أسيوط”، كاشفًا عن إقامة حسينيات حاليًا لممارسة الطقوس الشيعية”.
لكن الاتهامات توجه كثيرًا في هذا الإطار إلى المشيخة العامة للطرق الصوفية برئاسة الشيخ عبد الهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية الذي أكد التزام المشيخة العامة بالمنهج السني الوسطي الأشعري الذي يتوافق مع هوى المصريين، ورفضها نشر التشيع في مصر جملة وتفصيلاً، مؤكدة عدم إمكانية حدوث هذا الأمر نظرًا لطبيعة المصريين التي تربوا على حب آل البيت وصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، والذين يرفضون السب والطعن في صحابة النبي وآل بيته.
في المقابل يرى مراقبون أن الطرق الصوفية في مصر لها ارتباطها وعلاقاتها بإيران، حيث يحرص كذلك عدد من رموز التصوف المصريين على زيارات متكررة لإيران ليعودوا محملين بالفكر الشيعي لمحاولة نشره.
ووفق صحيفة ناشيونال إنترست الأمريكية، فإن التخوّف من امتداد التشيّع الإيراني إلى مصر “حقيقي وليس مجرّد مخاوف لدى البعض في هذا البلد، الذي لا يشكّل الشيعة فيه سوى 1%”، بحسب إحصائيات وزارة الخارجية الأمريكية.
الشيعة كانوا تحركهم أوضح بحسب مراقبين، حيث تقدم أبرز منظري الشيعة في مصر بعد ثورة يناير بحزب سياسي يسمي “الوحدة والحرية” ووصف وكيل مؤسسي الحزب، راسم النفيس، الحزب بأنه (يمثل المستضعفين في مصر)، وكُشف بحسب تقارير اعلامية عن وجود أكثر من عشرين جمعية شيعية تم الترخيص لها بالعمل مستغلة عدم اشتراط الموافقة الأمنية لنيل التراخيص بعد ثورة يناير 2011.
كما ظهر مشروع لإنشاء صندوق تكافلي لتحسين أحوال الفقراء والمحتاجين من الشيعة المصريين باسم “نجباء مصر”، من خلال جمع تبرعات وأموال الزكاة والخمس، من الشيعة المصريين أنفسهم، دون تلقى أية تمويلات خارجية،، وذلك على الرغم من وجود أكثر من عشرين جمعية شيعية خيرية مثل «الثقلين، وفاطمة، والزهراء، والعترة المحمدية، وجمعية الإمام جعفر الصادق»، وغيرها، من الجمعيات التى تحمل أسماء شيعية، أو صوفية ويقوم عليها كل من طاهر الهاشمي، وسالم الصباغ، وعماد قنديل.
الأمر ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث قام وفد من قيادات شيعية مصرية ضم الدكتور أحمد راسم النفيس، وسيد طاهر الهاشمى، وعماد قنديل، وكلهم من مؤيدى النظام فى مصر، بزيارة رسمية إلى إيران، في عام 2015 التقى خلالها عددًا من المسؤولين الإيرانيين فى طهران وقم والأحواز أكدوا فيها أن سياسات الرئيس عبدالفتاح السيسى لا تحمل أى عداء للشيعة بعكس التيارات الوهابية المتطرفة.
وبين جدل هنا وهناك يبقي ملف التشيع في مصر مفتوحًا تدق لها الأجراس كل فترة وأخرى دون الوصول إلى حقيقة واضحة بشأنه.
اضف تعليقا