العدسة
في سابقة هي الأولى من نوعها في بلاد الحرمين الشريفين، غزا مرض “الجرب مدارس المملكة” حيث استيقظ السعوديون خلال الأيام الماضية، على هذا الكابوس، وهو يطارد أبناءهم في المدارس، ووصل انتشاره لخمس مدن كبرى في السعودية.
المرض الجلدي المخيف، انتشر بسرعة الصاروخ في مدارس المملكة، وأزعج السعوديين بشكل كبير، وفضح بصورة أو بأخرى أكاذيب الحكومة عن منظومة الرعاية الصحية والخدمات الطبية التي تقدم للطلاب في المدارس، كما كشف عن تهاوي المنظومة الصحية ككل في مواجهة مرض جلدي بسيط.
المفارقة الأغرب هي أن الجرب الذي ضرب مدارس المملكة، يأتي في وقت يتجول فيه ولي عهد المملكة الطامع في حكم أبيه “محمد بن سلمان” في أوروبا وأمريكا، حيث يقوم حاليًا بزيارة تستغرق ثلاثة أيام لفرنسا، وقبلها كان في زيارة للولايات المتحدة الأمريكية استمرت أسبوعين.
فما هو مرض الجرب؟ ولماذا انتشر بالمملكة؟ ولماذا عجزت حكومة “بن سلمان” عن مواجهته؟ وكيف تعامل المسؤولون معه؟
ما هو الجرب؟
“الجرب” هو مرض طفيلي في الجلد، يظهر على شكل آفات جلدية في الأسطح الأمامية للمعصمين والمرفقين والإبطين والفخذين والأعضاء التناسلية، مع وجود حكة شديدة وتسببه سوسة الدودة الدبوسية، ويكثر انتشاره في الأماكن المزدحمة مثل: المدارس، الأسر الكبيرة العدد، السجون، المعسكرات، دور الإيواء المختلفة.
ومن أعراض الجرب حكة تزداد شدتها في المساء خاصة قبل النوم، وتزداد شدة الحكة مع طول فترة المرض.
وتظهر حبيبات حمراء صغيرة في أماكن مميزة، هي: البطن وحول السرة والجانبين، وبين الأصابع، وعلى الرسغ، والإبطين، والفخذين، والأعضاء التناسلية، ويؤدي الإهمال إلى ظهور مضاعفات مثل التقيحات والالتهابات.
ويعد من الأمراض السريعة والسهلة الانتشار في كل المجتمعات، وقد يأخذ الجرب شكل عدوى وبائية إذا أصاب طفلًا أو تلميذًا في مدرسة، إذ إن هذا الطفل المصاب قد يعدي جميع زملائه في الفصل، أو من يخالطه في المدرسة، ثم ينتقل إلى أفراد الأسرة، لذا يجب علاج المصاب فورًا وفحص المخالطين.
ويكون العلاج من “الجرب” بالتشخيص السليم، حيث يسهل التشخيص علاج الجرب، ويعتمد ذلك على علاج المريض واكتشاف وعلاج المخالطين واستئصال مصدر العدوى.
وهناك مركبات عدة كمراهم، أو غسول لجلد المصاب، ولا يستغرق العلاج أكثر من بضعة أيام، ولا يزيد على 3 أو 4 أيام.
إصابة أكثر من ألف حالة بالمملكة
وعلى مدار الأيام الماضية، انتشر الجرب في السعودية بصورة كبيرة، حيث بدأ المرض أولا في العاصمة المقدسة “مكة المكرمة”، حيث أعلنت صحة مكة المكرمة ارتفاع عدد الحالات المكتشفة المصابة بداء الجرب الجلدي إلى 1063 حالة ينتمون لـ12 جنسية مختلفة، وذلك بعد اكتشاف 394 حالة في مدارس مكة و25 في الأحياء السكنية، إضافة لاكتشاف حالتي اشتباه بـ«الجرب» في المدينة المنورة على بعد حوالي 350 كيلومترًا عن مكة المكرمة.
وفي ظل عدم توفير معلومات رسمية من قبل وزارة الصحة، تداولت أمس تقارير إعلامية عن اكتشاف حالتي إصابة بالجرب في محافظة القنفذة صباح أمس، لطالب بالمرحلة الابتدائية وشقيقته بنفس المرحلة كذلك، إضافة إلى حالتين في الهيئة الملكية بـ«ينبع».
ومؤخرًا ذكرت تقارير سعودية عن وصول الجرب للعاصمة السعودية الرياض، وسط تكتم كبير من قبل المسؤولين هناك.
ولتهدئة الرأي العام السعودي أعلنت إمارة منطقة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية، عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل “تويتر”، أن جميع الحالات المصابة بمرض الجرب تماثلت للشفاء.
وبينت، نقلًا عن وزارة الصحة، أن جميع الحالات تماثلت للشفاء، فيما بلغ عدد الأحياء التي تم المرور وعمل تثقيف بها (15)، بواقع (108) فرق مشاركة، مقابل 96 مدرسة تمت زيارتها، لافتة إلى أن عدد الحالات المنومة صفر.
الأسباب الحقيقة لانتشاره
وبشكل فعلي وحقيقي تضاربت الآراء حول الأسباب الحقيقية، وراء انتشار مرض الجرب في مدارس العاصمة المقدسة، وسط دعوات من المختصين بضرورة العمل على تطوير المناطق العشوائية فورًا.
فمن جهة رأى مختصين، أن التكدس، وتراجع مستوى الخدمات في المناطق العشوائية، وخاصة التي يعيش فيها أبناء الجالية البرماوية؛ هو السبب وراء انتشار مرض الجرب، لاسيما في ظل ما يتسم به من سرعة العدوى.
في المقابل رفض مختصون آخرون تحميل مسؤولية انتشار هذا النوع من الأمراض لفئة بعينها، معتبرين أنه من غير الإنصاف الارتكان إلى عامل واحد فقط، من عوامل انتشار الأمراض المعدية، دون النظر إلى باقي الأسباب، ومنها تراجع معدلات النظافة، والخدمات البيئية، داعين رجال الأعمال إلى تقديم يد العون لهذه المناطق، عبر تمويل مشروعات ترفع من مستوى الخدمات في أحياء المنطقة بشكل عام.
فيما عبر عدد من أولياء الأمور عن استيائهم من وضع المدارس، وأكدوا أن سبب انتشار الجرب هو الدمج بمدارس التعليم العام، فالجاليات موجودة منذ عشرات السنين ولم تظهر هذه الأمراض إلا بعد الدمج بمدارس التعليم العام، ووصفوا عدم تعليق الدراسة وتطهير المدارس وتعقيمها بالتعنت والمكابرة، وعدم الاكتراث بصحة الطلاب والطالبات.
اتهامات بين الصحة والتعليم
اتساع مرض الجرب وانتشاره زاد الأمور توترًا في الشارع السعودي، وتبادل المسؤولون الاتهامات عن سبب انتشاره ومن يتحمل التقصير في مواجهته.
فمن جهة، وجه كثير من الأهالي انتقادات كثيرة إلى وزارة التعليم؛ لتقاعسها عن إيجاد بيئة تعليمية مناسبة للطلبة، حيث يتكدس العشرات من الطلاب في فصول دراسية سيئة الإعداد، إضافة إلى غياب البنية التحتية الملائمة للشروط الصحية للمدارس.
وخرج وزير التعليم بأكثر من تصريح منذ بدء انتشار الوباء، محاولًا طمأنة الأهالي، ومؤكدًا السيطرة على المرض، كما قام بجولة في مدارس بمكة المكرمة.
كما نفت “تعليم مكة” ما تم تداوله حول تجنب وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى زيارة المدارس المصابة بمرض الجرب إثر جولته، مشددة على أنها تعمل بكل شفافية مع كل الجهات الحكومية واللجنة المكونة لمتابعة المرض.
لكن الانتقادات التي واجهها التعليم، تحولت بشكل مفاجئ لوزارة الصحة، حيث أورد موقع “أخبار السعودية” معلومات (من غير أن يسمي مصدرها) عن تراخي وزارة الصحة عن أداء واجباتها وسط مخاوف من توسع انتشار الجرب لبقية مناطق المملكة.
كما كتب الموقع أن وزير الصحة اهتم بـ”فلاشات” التكريم وأرقام المؤشرات اليدوية، وتجاهل دور التوعية، ما ساهم في انتشار الجرب، متابعًا أن دورها الرئيسي غاب -بالتنسيق مع التعليم- عن وجود مبان تعليمية خالية من الأوبئة، متسائلًا: “هل تصلح أدوية الجرب ما أفسدته الصحة؟”.
وتسبب ما نشره “أخبار السعودية” في شن هجوم لاذع من قبل ناشطين استنكروا توجيه الاتهامات للصحة في مسؤولية تقع على عاتق التعليم، وكتب “سامي العلي”: “سلامة المباني مسؤولية التعليم، لا تقطون بلاكم على الصحة، مثل اللي بيته وسخ ومليان حشرات ويمرض ويلوم الصحة، هل هذا منطق؟!”.
فشل حكومة ومليارات بلا فائدة
وتخصّص المملكة هذا العام 339 مليار ريال (90.54 مليار دولار) لقطاعي التعليم والصحة في العام 2018، وهو ما يعادل 35% من إجمالي نفقات موازنتها.
وعلى الرغم من كل تلك المليارات التي أنفقتها السعودية على قطاع التعليم، خلال العقد الماضي، فقد صنّفها البنك الدولي في تقريره المتعلّق بجودة التعليم للعام 2018، في المركز الـ 52 عالميًّا من بين 140 دولة، خاصة في ظل عدم وجود خطط إصلاحية وسياسات تطويرية واضحة للقطاعين.
التعليم ليس الوحيد الذي يحظى بنفقات عالية دون نتائج مجدية على الأرض، فالسعودية أنفقت منذ العام 2007 وحتى 2017، نحو 250 مليار دولار على قطاع الصحة، إلا أن ترتيبها العالمي المتعلّق بجودة الصحة ما يزال متأخرًا.
وعند مقارنة نتائج تلك النفقات والإمكانيات الكبيرة بمستويات الصحة على مستوى العالم يظهر أنها لم تحقّق الجدوى المطلوبة؛ فالسعودية احتلّت في العام 2017 المركز الـ 45 عالميًّا من أصل 150 دولة، في المؤشّر الفرعي لأفضل الأنظمة الصحية في العالم، الصادر عن معهد “لجاتوم” الدولي.
كما أن المملكة، بحسب ذات المؤشر، جاءت في المركز الأخير بين الدول الخليجية رغم أنها تستحوذ على 48 % من إجمالي الإنفاق على القطاع الصحي لدول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة.
ربما تكشف تلك الأرقام باختصار حقيقة الوضع المأساوي على مستوى قطاع الصحة أو قطاع التعليم في المملكة، وبالتالي يفهم ببساطة لماذا فشلت الدولة حتى الآن في مواجهة المرض.
اضف تعليقا