بعد مرور ما يقارب العامين علي قتل السلطات السعودية للصحفي السعودي جمال خاشقجي والتمثيل بجثته داخل قنصلية بلاده، لاتزال قضية خاشقجي تمثل كابوساً للنظام السعودي، وعقبة كؤود أمام تحقيق بن سلمان لمشاريعه الحالمة وتطلعاته الصبيانية في تغيير شكل المملكة عبر جذب المستثمرين لتحقيق ما أسماه “رؤية 2030”
وفي حين حاولت الحكومة السعودية وضع قضية خاشقجي بأرشيف الذاكرة العالمية؛ من خلال عفو أبناء الراحل عن قتلة أبيهم، أحيت القيادة التركية القضية مجدداً بإعلانها إجراء محاكمة غيابية لـ20 سعودياً تتهمهم بقتل خاشقجي.
محاكمة للقتلة
وبحسب الموعد المحدد لها مسبقاً بدأ القضاء التركي، الجمعة (3 يوليو الجاري)، في محاكمة المتهمين بالقضية.
ووفق وكالة “الأناضول” بدأت الجلسة الأولى من القضية في محكمة العقوبات المشددة الـ11 في القصر العدلي بمنطقة “تشاغليان” في إسطنبول، بعد أن وافقت على لائحة الاتهام، في أبريل الماضي.
وحضر الجلسة خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز بصفة “المشتكي”، ومحاميها، في حين تغيب المتهمون الفارون العشرون الصادرة بحقهم مذكرة إلقاء قبض.
وأعدت النيابة العامة الجمهورية في إسطنبول لائحة اتهام من 117 صفحة ضد المتهمين الصادر بحقهم قرار توقيف في إطار مقتل خاشقجي.
وتحتوي اللائحة على اسم خاشقجي بصفة “المقتول”، وخطيبته خديجة جنكيز بصفة “المشتكي”، مطالبة بالحكم المؤبد بحق نائب رئيس الاستخبارات السعودية السابق اللواء أحمد عسيري، والمستشار السابق بالديوان الملكي سعود القحطاني؛ بتهمة “التحریض على القتل مع سبق الإصرار والترصد، والتعذيب بشكل وحشي”، وأشارت إلى أنهما خططا لعملية القتل وأمرا فريق الجريمة بتنفيذ المهمة.
وتطالب اللائحة أيضاً بالحكم المؤبد على حق الأشخاص الـ18 الآخرين؛ بتهمة “القتل مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب بشكل وحشي”.، في حين وجهت إلى المسؤولين الكبيرين (عسيري والقحطاني) تهمة التحريض على القتل العمد
وأرجأت المحكمة الجلسة الثانية من القضية إلى 24 نوفمبر القادم، وأمرت بالإبقاء على مذكرات الجلب الدولية، وإحضار المتهمين الغائبين للمحاكمة بالقوة.
وبعد الإدلاء بشهادتها أمام القاضي أكدت خديجة جنكيز -خطيبة خاشقجي- أنها مؤمنة بتحقيق العدالة في تركيا.
وقال وزير العدل التركي عبد الحميد غل، قوله إن محاكمة المتهمين في قضية مقتل خاشقجي والتي تمت في السعودية “لم تجرِ بشفافية كاملة ولا يمكن قبولها”.
بدوره أكد ياسين أقطاي، مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية، أن العدالة ستطول قتلة خاشقجي عاجلاً أم آجلاً، كما اتهم الرياض بعدم التعاون مع السلطات التركية.
من جهتها اعتبرت المحققة الأممية الخاصة، آنييس كالامار، أنه رغم عدم الإشارة إلى دور ولي العهد السعودي في قضية خاشقجي، فإن ذلك سيتم في مرحلة ما من المحاكمة.
وكان القضاء السعودي قد أصدر في ديسمبر 2019، أحكاماً صورية بإعدام خمسة متهمين في القضية، وسجن ثلاثة آخرين، وبرأ ساحة نائب رئيس الاستخبارات السعودية السابق أحمد عسيري، والمستشار السابق بالديوان الملكي سعود القحطاني، قبل أن يعلن نجل خاشقجي، في مايو الماضي، العفو عن قتلة والده.
عقوبات بريطانية
وفي تطور لافت أعاد القضية للواجهة مرة أخري، تبنت وزارة الخارجية البريطانية فرض عقوبات على شخصيات سعودية وثيقة الصلة ب” بن سلمان” قالت بريطانيا أنهم المسئولون عن عملية قتل الصحفي المغدور جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده.
وقال وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب أمام البرلمان، في 6 يوليو 2020: إن “أول عقوبات ستشمل هؤلاء الأفراد الذين شاركوا جريمة قتل الكاتب والصحفي جمال خاشقجي الوحشية”.
ويأتي هذا القرار بعد محاولات عديدة وفي ظل ضغوط مارسها المجتمع المدني البريطاني على الحكومات البريطانية المتعاقبة، وخصوصاً بعد جريمة قتل خاشقجي وحرب اليمن والتي تتزعم السعودية التحالف فيها.
وتشمل لائحة العقوبات البريطانية المستشار السابق في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني، وأحمد العسيري نائب رئيس جهاز الاستخبارات السعودي السابق، وصلاح الطبيقي، الطبيب الذي قام بتقطيع جثة خاشقجي. وكذلك القنصل السعودي في إسطنبول محمد العتيبي، الذي برأته محكمة في الرياض، لعدم توفر الأدلة، بالإضافة لعدد من ضباط المخابرات.
واتهمت الخارجية البريطانية القحطاني بأنه من “خطط وأدار عملية قتل جمال خاشقجي مستعيناً بفريق من 15 شخصاً”، كما أكّدت أن العسيري متورط في الجريمة، وكان مسؤولاً كبيراً ضمن فريق الاغتيال.
وتعد بريطانيا ثاني أكبر مصدر للسلاح إلى المملكة بعد الولايات المتحدة، وشكلت مشتريات الرياض 43% من إجمالي مبيعات السلاح البريطاني بين 2008 و2018.
وكانت الحكومة البريطانية قد تعهدت، في يونيو 2019، بأنها لن تمنح المزيد من تراخيص تصدير الأسلحة للسعودية، بعد قرار قضائي يلزم بوقف التصدير.
وفي مارس 2020، قالت صحيفة “الغارديان” البريطانية إن السعودية اشترت أسلحة بريطانية بقيمة تبلغ نحو 5.3 مليارات إسترليني (6 مليارات دولار)، منذ دخولها لمساندة الحكومة الشرعية في الحرب اليمنية عام 2015.
ورغم أن العلاقات السعودية البريطانية تعتبر تاريخية فإن العقوبات الجديدة لا تستهدف الحكومة بقدر ما تستهدف شخصيات ذات نفوذ سابق، أقيلت من مناصبها، ثم بُرئت من جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول عام 2018
ويري محللون أن هذه العقوبات تأتي في سياق الموازنة لقرار بريطانيا بالاستمرار بصفقات الأسلحة الكبيرة، وبنفس الوقت تقول إنها توازن في جانبها الأخلاقي وحقوق الإنسان.
بن سلمان “غير مرغوب فيه”
ولم تتوقف القضية عند الحكومة، حيث انتقلت إلى النواب، حيث أكد موقع “ديلي ميل” البريطاني، أن نوابا في مجلس العموم البريطاني، طالبوا بإعلان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان “شخصا غير مرغوب فيه”، وأن تشمله عقوبات أقرتها المملكة المتحدة بحق منتهكي حقوق الإنسان.
وطالبت عضوة مجلس العموم البريطاني، ليزا نادي، بملاحقة “المجرمين الذين قتلوا جمال خاشقجي”، داعية لندن إلى اتخاذ “سياسة أكثر شدة تجاه السعودية، والتوقف عن بيع الأسلحة لها”.
وشددت نادي على أنه يجب اتخاذ إجراءات ضد السعودية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والخروقات في اليمن.
كما اقترح النائب العمالي كريس برينت، اعتبار ابن سلمان شخصية غير مرغوب بها.
ونقلت عنه الصحيفة قوله: “بناء على أن بقع الدم تقود مباشرة إلى باب ابن سلمان، فمن المستغرب عدم اعتبار الحكومة له وأتباعه بأنه لا يرحب بهم في هذه الأرض”.
وجاءت دعواتهم بعد قرار وزير الخارجية دومينيك راب، بوضع 49 شخصا على قائمة العقوبات البريطانية لتورطهم في انتهاكات حقوق الإنسان، منهم 20 من مساعدي ابن سلمان، الذين اتهموا بالتورط في جريمة قتل خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول التركية
وطالب النواب في مجلس العموم، بمنع ابن سلمان من دخول بريطانيا وتجميد أرصدته حيث لم يتم شمله بقائمة العقوبات، نظرا لتمتعه بالحصانة الدبلوماسية، ولم يتم تجميد حساباته أو أرصدته
وتفاعلت خطيبة الصحفي جمال خاشقجي الذي قتل بأوامر عليا من الرياض، مع هذه المطالب، داعية كذلك السلطات البريطانية إلى منع ابن سلمان من الاستحواذ على نادي نيوكاسل يونايتد.
وتقدمت هيئة الاستثمار العام، وهي الصندوق السيادي السعودي الذي يترأسها ابن سلمان، بطلب للاستحواذ على نسبة 80 في المئة من أسهم النادي، وهو طلب لا يزال الدوري الممتاز (البريميير ليغ) ينظر فيه.
وقالت جنكيز: “لو كان مايك أشلي (مالك النادي الحالي)، يمثل حلما سيئا للنادي، فسيكون ابن سلمان كابوسا بالنسبة لهم”.
وتحاول هيئة الاستثمار العام التي يترأسها ولي العهد السعودي، شراء نادي نيوكاسل، ولديها مقرات في لندن، حيث اشترت حصصا في “فيسبوك” و”ديزني” و”تسلا”، وعددا من المصارف الدولية.
وفي الشهر الماضي، اشترت حصصا في “بي تي” لتمويل شبكة “برودباند” جديدة.
اقرأ أيضًا: القصاص لخاشقجي .. عقوبات بريطانية تنتظر 20 سعوديًا ضالعون في مقتله
اضف تعليقا