كانت الإجابة في السابق “تونس” ولكن الإجابة اليوم باتت “الجزائر بعد الحراك المتزايد يوما بعد الآخر في العاصمة الجزائر التي باتت على بعد خطوات من نجاح تجربة ثورية استطاع فيها الثوار تعلم الدرس من أخطاء الربيع العربي في الدول العربية المجاورة.

فالربيع العربي كان على وشك النجاح إلا أن الالتفاف على مطالب الشعوب من خلال الثورة المضادة والدعم المتواصل من بعض الدول الكارهة للحرية هو ما أفشل الربيع العربي وأعاده إلى النقطة صفر.

وكما كان التدخل الخارجي حاسما في القضاء على الربيع العربي وتحويله إلى خريف عملت هذه الدول على محاولة وأد التجربة الجزائرية من خلال دعم الرئيس “القعيد” عبدالعزيز بوتفليقة وبعض الشخصيات المحسوبة على حزبه. ومن هنا جاء اختيار الدبلوماسي العجوز “الأخضر الإبراهيمي” الذي تدور حوله الكثير من الأسئلة.

نبدأ من الشارع الذي رفض العهدة الخامسة أو تمديد العهدة الرابعة، حيث يرى الشارع الجزائري الغاضب أن “الإبراهيمي ” جاء من غيابات العالم الخارجي، ليطل بأفكاره على حراك يافع متطلع لجمهورية ثانية وإطاحة كاملة بنظام فاسد مريض، يمهد الطريق أمام هبات أخرى في وجه نظم مماثلة في محاولة للنيل منه.

 

 

أسباب عودة الإبراهيمي

عاد الإبراهيمي لواجهة المشهد الجزائري حاملا معه فزاعات وصور ذهنية يرى مراقبون أنها تكشف عن أسباب عودته حيث ينفي عن نفسه صفة “الوسيط أو المبعوث”، ويبرر عودته بأنه مواطن جزائري، قلق على بلاده، إلا أنه لم يستطع إخفاء نيته الحقيقية وظهر من خلال مواقفه أن جاء للدفاع عن الرئيس الجزائري المريض عبد العزيز بوتفليقة، وفي 13 مارس الجاري أكد أن قرارات الأخير شهدت تجاوبا كاملا مع مطالب الشعب زاعما أن بوتفليقة بصحة جيدة، لكن مشكلته أن صوته ضعيف جدا ولا يستطيع إلقاء خطاب.

“الإبراهيمي” الذي عمل كذلك مع “بوتفليقة” طيلة 20 عاما ، تورط في استحضار فزاعات الموجة الأولى للربيع العربي مجددا، على طريقة “مصر ليست تونس” التي كانت رائجة في العام 2011 بالقاهرة تساءل الدبلوماسي العجوز في تصريحات الاثنين 18 مارس في خطاب موجه للمتظاهرين :” وضعنا الحالي مختلف لكن الحذر مطلوب جدا .. هل تريدون عراقا آخر بالجزائر؟ “، مبديا تحفظه على عبارة “ارحلوا جميعا” التي قال بأنها “دمرت العراق ” سابقا. رغم أنه يؤكد في كل مناسبة على صفته الحيادية.

البعض حكم على عودة الإبراهيمي بالفشل من بين هؤلاء متظاهرون في الجزاء حيث دفعوا بالإبراهيمي إلى قائمة المغضوب عليهم في مسيرات جمعة 15 مارس ، ورفعوا شعارات ولافتات تندد به، كتب على بعضها “لا يمكن بناء سفينة جديدة بخشب قديم”، كما رفعت صورا للإبراهيمي عليها علامة رفض لأدائه أي دور في المرحلة المقبلة.  

قوى المعارضة تستنكر في نفس السياق لجوء السلطة إلى استقدام الإبراهيمي من الخارج لحلّ مشكلة داخلية، وهو ما عبرت عنه الأمينة العامة لحزب العمال اليساري لويزة حنون، مؤكدة أن الوقت غير مناسب تماماً للمناورات السياسية، حيث أن “شعارات المتظاهرين كانت واضحة: أن يرحل جميع من هم في السلطة”.

ممثل لمن ؟!

تحليلات عديدة تلاحق ماهية تواجد “الاخضر الابراهيمي ” في المشهد المتصاعد حتى رحيل كامل النظام ، أبرزها تمثيل السلطة ومنحها مزيدا من الوقت.

هذه الاتجاه في التحليلات يستند إلى تسويق السلطات الجزائرية بنفسها لشخصية الإبراهيمي، حيث كان ضيفاً على ثلاث قنوات تلفزيونية محلية، وأجرى اتصالات لإقناع عدد من كوادر الحراك بالحوار معه، لتمرير وجهة نظر النظام.

ويرى البعض أنه ممثل للدولة العميقة في الجزائر التي يمثلها رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح والذي دخل في الصدارة بتصريحه الأثنين أن ” الجيش يجب أن يكون مسؤولاً عن إيجاد حل للأزمة السياسية التي تشهدها البلاد”.

لكن البعض يرى دعما إماراتيا وتسويقا سعوديا مصريا له يثير كثير من المخاوف في أوساط الحراك الجزائري من تكرار تجارب الربيع العربي الأولى.

كان اللعب على المكشوف ، وأطلق الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله المقرب من سلطات بلاده تغريدة لدعم “الأخضر الإبراهيمي” فيما أسماه ” ترتيب البيت الجزائري بدعم كامل من الشعب الجزائري الذي حقق مطلبه العادل لا للعهدة الخامسة” وهو ما أثار انتقادات واسعة بين المتظاهرين من تدخل الامارات ومحاولة فرض دبلوماسي عجوز على حراك شاب بحسب تعبيراتهم، وقالت الإعلامية في قناة “الجزيرة” خديجة بن قنة : “تزكيته من الإمارات تقضي على ما بقي للرجل من مصداقية سياسية”.

التسويق الاعلامي في منصات موالية للسلطات السعودية  والمصرية تعزز هذا الاتفاق الإماراتي السعودي على تمرير الرجل في المشهد باعتباره ممثلا لرغباتهم في تطويق الحراك وعدم تمدده بشكل أكبر في المنطقة، حيث وصفه موقع “إرم نيوز” السعودي بأنه “مفتاح رحلة ما بعد بوتفليقة في الجزائر” فيما قال موقع “التحرير” المصري :” الأخضر الإبراهيمي يقود الجزائر إلى الجمهورية الثانية”، وأبرز موقع “ايلاف” السعودي  تحذير” الابراهيمي ” من سيناريو مشابه للعراق .

اتجاه آخر في التحليلات يرى أن “العسكر جاؤوا بالأخضر لأنه جزء من مجموعة الرئيس غير المعلنة، وبسبب علاقاته الوثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة لامتلاكه علاقات قوية مع دول عربية رئيسية، ليكون رسالة لأمريكا وفرنسا من أجل مباركة ما قامت به مجموعة بوتفليقة من انقلاب على الشرعية الدستورية” وفق الكاتب والمحلل السياسي الجزائري، إدريس ربوح.

فشل متواصل

“الأخضر الإبراهيمي “ ، بحسب ما هو مرصود ، لاحقه الفشل في العديد من جولات حياته التي بدأت  في 1 يناير 1934 حيث كان المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية لدى سوريا حتى 14 مايو 2014، فيما كان الإبراهيمي وزيراً لخارجية الجزائر من 1991 حتى 1993

وفشل ” الإبراهيمي” برأي قطاع واسع من الرأي العام، في حماية الديمقراطية عندما كان وزيراً للخارجية للنظام الذي كان يسيطر عليه الجيش بين عامي 1991 و1993، وهي الفترة التي تمّ فيها إلغاء المسار الانتخابي و الانقلاب الأبيض الذي نفذه الجيش في يناير عام 1992 على المسار الديمقراطي، وهو الانقلاب الذي دفع بالبلاد إلى أتون أزمة أمنية عنيفة أودت بحياة أكثر من 200 ألف جزائري و7400 مفقود، بحسب الإحصائيات والتقديرات الرسمية، كما كان الإبراهيمي عضواً في المجلس الأعلى للأمن بصفته وزيراً للخارجية في تلك الفترة.

وفي العام 2012 ، لقت مهمته  بصفته المبعوث الأممي – العربي المشترك الى سوريا فشلا كبيرا ، وانتقد رئيس البرلمان العربي علي سالم الدقباسي مهمته وقال انه لا جدوى منها، مؤكدا أن مهمة الإبراهيمي فاشلة ولن تساهم الا في اطالة أمد النظام واطالة عذاب الشعب السوري.

وتوقع مراقبون كذلك فشل “الأخضر الإبراهيمي” في تقويض الحراك الجزائري بعدما رفضت قوى سياسية معارضة وكوادر في الحراك الشعبي الاجتماع به والتعامل معه، بسبب غموض موقفه وصفته التي يتحدث بها، وبسبب تجاوز الأحداث لتحليله السياسي ورؤيته للحلّ الممكن للأزمة السياسية.