العدسة_ منذر العلي

أزمات دبلوماسية متكررة، تصريحات ومواقف عدائية، ربما لم تكن سوى إرهاصات ومظاهر لتاريخ عميق من الخلافات والصراعات بين البلدين الشقيقين العربيين الإسلاميين الجزائر والمغرب.

هذا الصراع الذي يمتد إلى عهد الاستعمار الفرنسي، استخدام فيه البلدان سبل الحرب كافة، من المواجهة العسكرية، مرورًا بالقطيعة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، وصولًا إلى الأدوات المخابراتية والإعلامية.

جذور الأزمة تمتد إلى عهد الاستعمار الفرنسي، حيث لم يكن هناك رسم للحدود بشكل دقيق وكامل بين البلدين المتجاورين، ولم تكن فرنسا معنية بذلك إلا بعد اكتشاف حقول من النفط ومناجم حديد في المنطقة الحدودية، حيث أعادت ترسيم الحدود وأدخلت منطقتي “الحاسي والبيض” و”كولومب بشار” ضمن المقاطعة الفرنسية للجزائر، حينها.

خريطة “المغرب” قبل الاستعمار الفرنسي

بعد استقلال الجزائر عام 1962 ومن قبله المغرب عام 1956، طالبت الرباط باسترجاع سيادتها على المنطقتين، بالإضافة إلى مناطق أخرى كانت تعود إليها قبل الاستعمار، استنادًا إلى خريطة المغرب الكبير التي نشرها حزب الاستقلال المغربي في عام 1956.

إلا أن الجزائر رفضت الطلب، ودعت إلى عدم المساس بالحدود التي رسمها الاستعمار الفرنسي بالاستناد إلى مؤتمر باندونج المنعقد في 1956.

” خريطة البلدين التي رسمها الاستعمار “

إرهاصات حديثة للأزمة

وبين الحين والآخر، تتجدد الأزمة بين البلدين في صور وأشكال متعددة ولأسباب مختلفة، أحدثها قبل أيام عندما استدعت المغرب سفيرها لدى الجزائر للتشاور بعد أن وجه وزير الخارجية الجزائري اتهامات للبنوك المغربية “بتبييض أموال الحشيش” في أفريقيا.

وكان وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل أدلى بتلك التصريحات، مساء الجمعة الماضية، في اجتماع لرؤساء المؤسسات الاقتصادية بالعاصمة الجزائر.

وقالت وزارة الخارجية المغربية إن تصريحات الوزير الجزائري “على مستوى كبير من عدم المسؤولية غير المسبوق في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين..”.

وفي أغسطس الماضي، أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في المغرب، ناصر بوريطة، أن العلاقات بين بلاده والجزائر دخلت “نفقًا مسدودًا على جميع المستويات”.

وأوضح في تصريحات صحفية أن “العلاقات مع الجزائر لا تعرف أي تطور”، مؤكدًا أنه لم تكن هناك أية زيارة ثنائية بين البلدين منذ أكثر من 7 سنوات.

وكان للأزمة السورية انعكاس سلبي على العلاقات المتوترة، حين أعلنت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية “رفضها القاطع” لما أثارته السلطات المغربية في أبريل الماضي، بتسهيل الجزائر دخول سوريين إلى أراضيها بطريقة غير شرعية.

وكانت السلطات المغربية اتهمت، قوات الأمن الجزائرية، بترحيل قسري لأفواج مهاجرين سوريين تجاه الأراضي المغربية.

حرب الرمال والبوليساريو

عودة إلى السياق التاريخي للأزمة، حيث ازداد التصعيد بالمناطق الحدودية بين البلدين في أعقاب رفض الجزائر تغيير خريطة الاستعمار، إلى أن اندلعت مناوشات تحولت إلى حرب ضروس في أكتوبر 1963، سميت بحرب الرمال.

تكبد الطرفان خسائر مادية وبشرية كبيرة، لتنتهي هذه الحرب بتدخل منظمة الوحدة الأفريقية، التي أرست اتفاق وقف إطلاق النار بينهما في 20 فبراير 1964.

ومنذ هذه اللحظة، لم ينته الصراع لكنه اتخذ صورًا غير عسكرية، ففي 15 يوليو 1972، وُقعت اتفاقية تقسيم الحدود بين الرئيس الجزائري هواري بومدين والملك المغربي آنذاك الحسن الثاني، إلا أن هذا الأمر لم ينه العداء.

فبعد إعلان تكوين جبهة البوليساريو، التي تدعو إلى استقلال منطقة الصحراء المغربية بالجنوب عام 1973، كدولة مستقلة، قامت الجزائر بدعم الجبهة عسكريًا ولوجستيًا في قتالها مع القوات المغربية في نهاية السبعينيات.

وبعد أن هزم الجيش المغربي، قوات البوليساريو بعد عناء، في عام 1980 اتجه إلى بناء جدار أمني استمر تشييده نحو 7 سنوات، يمتد على طول الحدود الجنوبية بين البلدين الجارين.

الجدار العازل بين ” المغرب ” و ” الجزائر “

في المقابل استمر دعم الجزائر لجبهة البوليساريو بدعوى “حق تقرير المصير والشرعية الأممية”، الأمر الذي لم يتقبله المغرب واعتبر ذلك وما يزال تآمرًا على وحدته الترابية.

هذا الخلاف السياسي بين الجزائر والمغرب حول مسألة الصحراء، تسبب في فشل كافة محاولات الصلح بين البلدين وتطبيع العلاقات بينهما، وهو ما جعل المغرب يدعو في الآونة الأخيرة الجزائر إلى التفاوض مباشرة لحل قضية الصحراء، لكن الأخيرة ترفض وتقول إنها ليست طرفًا في ذلك النزاع، وإنما تساند الشرعية الأممية.

سباق التسلح

وعلى الرغم من عدم دخول البلدين في صراع مسلح، كما سبق الإشارة، إلا أن سباقًا محمومًا للتسلح انطلق بين البلدين في السنوات الأخيرة.

ووفقاً لتقرير صادر عن معهد استوكهولم لأبحاث السلام الدولي، في 2016، فإن الجزائر احتلت المركز الأول على قائمة الدول الأفريقية المستوردة للأسلحة، فاستوردت أسلحة بنسبة 46% من إجمالي ما استوردته غالبية دول أفريقيا، مع العلم أن الاقتصاد الجزائري يعاني من الهشاشة.

أما على الصعيد العالمي، فتشير التوقعات إلى أن الجزائر اشترت نحو 3.7% من مجموع الأسلحة المباعة في السوق العالمية للسلاح.

ولعل التهافت الجزائري على شراء الأسلحة، وفق تقارير إعلامية، سببه مواجهة التحديات الأمنية المحيطة بها، خاصة في كل من مالي وليبيا. وبالتالي، من الممكن أن تصبح الجزائر خامس أهم عميل للدول المصدرة للأسلحة في العالم.

أما المغرب فتأتي كثاني أكبر مستورد للسلاح في القارة الأفريقية، حيث تشتري وحدها ما يربو على 15% من الترسانة العسكرية التي تشتريها غالبية دول القارة مجتمعة.

وفي نفس السياق، يعمل المغرب على اتباع خطى جاره الجزائري، حيث إنه يفكّر في دفع الاستثمارات في مجال الأسلحة خلال السنوات القادمة.