العدسة – منذر العلي
يبدو أن المحكمة الجنائية الدولية تتجه إلى تضييق الخناق على اللواء المتقاعد خليفة حفتر قائد القوات المنبثقة عن برلمان طبرق الليبي.
ففي كلمتها أمام مجلس الأمن الدولي، الأربعاء 8 نوفمبر الجاري، جددت المدعية العامة للمحكمة “فاتو بنسودا” مطالبها لحفتر بتسليم القيادي في قواته “محمود الورفلي” بتهمة ارتكاب جرائم حرب بينها إعدام 33 شخصا.
وكان قضاة المحكمة الجنائية الدولية أصدروا منتصف أغسطس الماضي مذكرة توقيف بحق “الورفلي”، القيادي في “قوات الصاعقة” وهي وحدة خاصة انشقت عن الجيش الليبي في أعقاب الإطاحة بالعقيد معمر القذافي عام 2011.
والورفلي متهم بإعدام أو إصدار الأوامر بإعدام 7 أشخاص بين مارس ويوليو الماضيين، وفي يونيو 2016، وقد تم تصوير وقائع الإعدامات ونشرها على عدد من مواقع التواصل الاجتماعي، بينما قالت “بنسودا” لمجلس الأمن إنه تسبب في مقتل 33 شخصا “بدم بارد”.
تهديد وتحدٍ
لكن كلمات المدعية العامة للمحكمة لم تتوقف عند حدود المطالبة بتسليم “الورفلي”، بل تعدت إلى تهديدات مبطنة بأن تشمل أوامر التوقيف حفتر نفسه.
فقد طالبته بأن “يُظهر، بالأعمال الملموسة، احتراما للعدالة الدولية بضمان تسليم الورفلي فورا للسلطات الليبية كي يتم تسليمه للمحكمة بدون تأخير”.
كما شددت على أنها مستعدة “لطلب مذكرات توقيف جديدة إذا استمر ارتكاب الفظائع”، بينما دعت مجلس الأمن إلى “دعم جهودها لإحضار مرتكبي جرائم الحرب في ليبيا أمام القضاء”، محذرة من أن “عدم التحرك سيكون إشارة للمسؤولين عن تلك الأعمال بأنهم خارج نطاق القانون”.
على الجانب الآخر كان التحدي هو السمة البارزة في ردة فعل حفتر على مطالبات المحكمة، حيث قال المتحدث باسم ما يعرف بقوات عملية الكرامة في ليبيا “أحمد المسماري”، إن “الورفلي” لن يُسلم للمحكمة الجنائية الدولية “لأن قضيته جرت داخل ليبيا”.
وأكد المسماري في تصريحات له أواخر أغسطس الماضي، أن قضية “الورفلي” جرت على الأراضي الليبية، وأنهم لن يسلموا أي مواطن ليبي إلا إذا كان متهما في قضية ارتكبت خارج ليبيا.
وأشار إلى أن التحقيق مع الورفلي -الذي اعتقل في وقت سابق من أغسطس – يجري وفقا للقانون.
وكانت ما تُعرف بوحدة القوات الخاصة التابعة لحفتر رفضت مذكرة التوقيف التي أصدرها قضاة المحكمة الجنائية الدولية في حق الورفلي، وقال المتحدث باسم الوحدة “ميلود الزوي” إن المحكمة “يجب أن تركز على اعتقال الذين قتلوا وشردوا الرجال والنساء والأطفال والذين مارسوا التعذيب والقتل والدمار”.
هل ينجو حفتر بنفسه؟
ولعل التصميم الذي تبديه المدعية العامة للمحكمة في تسلم “الورفلي” لمحاكمته، يقود إلى أن الضغوط تحاصر حفتر إلى الحد الذي يمكن أن يدفعه لتسليم الرجل في نهاية المطاف مخافة أن تصدر بحقه مذكرة توقيف هو الآخر.
وبقدر ما تبدو تلك المذكرة عديمة الضرر على “الورفلي” باعتباره لا يغادر ليبيا، إلا أنه سوف تكون لها عواقب وخيمة على حفتر دائم التحرك والجولات الخارجية في بلدان العالم من أجل حشد الدعم الدولي والإقليمي لمواقفه.
وربما تعزز هذه المخاوف بجانب تهديدات “بنسودا” من ترجيح أن يضطر “حفتر” إلى تسلي أبرز القادة في قواته.
على الجانب الآخر، فإن داعمي حفتر الأبرز والعضوين في مجلس الأمن، روسيا ومصر، يبدوان بصدد بذل مزيد من الجهود والضغوط على المحكمة لصرف النظر عن مسألة إصدار مذكرة توقيف بحق “حفتر”.
فإلى أي مدى يمكن أن تصمد المحكمة أمام تلك الضغوط، وهل سوف تستمر بطلب تسلم “الورفلي” أم تذهب إلى ما هو أبعد؟.
“بنسودا” والفساد
لكن يبدو أن المحكمة تواجه ضغوطًا من نوع آخر، على ارتباط وثيق الصلة بالملف الليبي، تهدد مدعيتها العامة.
فبعد أن فضحت الوثائق السرية التي حصل عليها موقع “ميديابارت” الفرنسي للتحقيق، فساد المدعي العام السابق للمحكمة “لويس مورينو أوكامبو”، كشفت اتصالات سرية بينه وبين المدعية الحالية “فاتو بنسودا”، واتهمت الأخيرة بأنها شريكته في الفساد.
تلك الوثائق تتهمه بتمرير معلومات مهمة لملياردير ليبي وثيق الصلة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي وخليفة حفتر قائد القوات المنبثقة عن برلمان طبرق، بهدف حمايته مقابل الحصول على رشوة.(تفاصيل أوسع في تقرير سابق)
الاتهام يقود إليه تصريحات “بنسودا” لفريق مجلة “دير شبيجل” الألمانية – التي حللت الوثائق بالشراكة مع شبكة التعاون الأوروبي الاستقصائي (EIC) – عند مواجهتها بوثائق اتهام أوكامبو، حينما قالت إنها المرة الأولى التي سمعت فيها أن الموظفين الحاليين والسابقين في مكتبها عملوا لصالح “أوكامبو” أو نقلوا معلومات داخلية إليه، وأنها قد أعلنت تحقيقًا حول ذلك.
إلا أن موقع ” Afrique Sur 7″ الإخباري باللغة الفرنسية، قال في تقرير له إنه في حين أنها كانت تدعي الابتعاد عن أوكامبو، فإن “بنسودا” وقعت في الخيانة، حيث يشهد البريد الإلكتروني أن المدعية العامة الحالية ظلت على اتصال مع رئيسها السابق بعد مغادرته المحكمة الجنائية الدولية.
رسالتان بالبريد الإلكتروني أرسلتهما “بنسودا” إلى “أوكامبو” تشهدان على وجود اتصال بالفعل بينهما، بعد أن ترك الأخير المحكمة، وفقًا للتقرير السابق.
الرسالة الأولى كانت في 4 سبتمبر 2013، وتناولت إشارة “بنسودا” إلى القضايا التي كان ينتظر البت فيها أمام المحكمة، وقالت فيها: “عزيزي لويس، آمل أن تكونوا بخير. أنا قلقة بشأن كينيا بشكل عام. لا شيء جديدا يحدث إلا أننا نستعد للمحاكمة في 10 سبتمبر. يتهمنا الدفاع بالتورط في مؤامرة. إحضار الشهود على الكذب يهدد إجراءات المادة 70”.
وفي الرسالة الثانية بتاريخ 10 مارس 2014، قالت: “على أي حال، نحن نتعامل مع كل هذا. على الجبهة الأخرى التي ناقشناها، إذا كنا نستطيع التحدث، وسوف أقوم بتحديث التفاصيل لك”، ليأتي جواب “أوكامبو”: “أنا أقدر ذلك. شكرًا لك”.
اضف تعليقا