بعد تسع سنوات من الحرب، تم تقسيم سوريا إلى ثلاثة أجزاء متنافسة غير قادرة على العمل معًا وغير مهيأة للتعامل مع خطر انتشار فيروس كورونا، وهو عدو لا يفرق بين أطراف الصراع ولا يحترم أي حدود.

 

سوريا الأن

سوريا الأن

في شمال شرق سوريا الذي يديره الأكراد، لجأ العاملون الطبيون إلى صنع معدات واقية من أكياس القمامة، حيث تعاني المنطقة من حصار شامل يحول بين دخول المساعدات الخارجية إليها، بما في ذلك شحنات الأمم المتحدة التي كانت تصل من العراق ولكن تم رفضها من قبل روسيا، الحليف الأول لنظام بشار الأسد.

أما في إدلب، الجيب الأخير الذي تسيطر عليه المعارضة في شمال غرب سوريا، يحاول مسؤولو الصحة التعاون لاستغلال القليل الذي لديهم لحماية 4 ملايين شخص محاصرون في منطقة تتأرجح بسبب الهجمات الحكومية المتكررة، خاصة وأن الوعود التي قدمتها منظمة الصحة العالمية بتوصيل أجهزة التهوية ومعدات الحماية واللوازم الأخرى لم يتم تنفيذها بعد.

يسيطر الرئيس بشار الأسد على بقية البلاد، بما في ذلك المدن الرئيسية، وتعد حكومته الطرف الوحيد الذي تلقى مساعدات منظمة الصحة العالمية لمكافحة كورونا، ما يعني أن وكالة الأمم المتحدة تعمل بنظام غير شفاف لا يقدم المساعدة للمناطق غير الحكومية.

في حواره للصحيفة عن الأوضاع الحالية في سوريا، انتقد هاردين لانغ، مسؤول سابق في الأمم المتحدة ونائب رئيس منظمة اللاجئين الدولية، طريقة تعامل الأمم المتحدة والصحة العالمية مع انتشار الوباء في سوريا، مؤكداً ان المناطق الأكثر ضعفاً يجب أن تكون ذات أولوية للحصول على المساعدات، مضيفاً “إن العمل مع حكومة غالبًا ما توزع المساعدات بناءً على اعتبارات سياسية يثير تساؤلات عدة خاصة عندما يكون لديك سكان يعتمدون بشكل كامل عليك وعلى المساعدة عبر الحدود.”

يُذكر أن السلطات السورية قامت بإجراء فحوصات واختبارات تحليلية للمشتبه في اصابتهم بفيروس كورونا في المختبر المركزي في دمشق فقط، مما جعل من الصعب تحديد المصابين بالعدوى في الأماكن الأخرى الواقعة خارج سيطرة النظام، حيث واضطرت المنطقة الشمالية الشرقية التي يديرها الأكراد والتي يقطنها 4 ملايين شخص، لإرسال عيناتها بالطائرة إلى العاصمة.

عيوب تلك الطريقة المتبعة من قبل النظام السوري في اجراء الفحوصات شهرت الأسبوع الماضي، حين اكتشف المسؤولون الأكراد بعد أسبوعين من ارسالهم شحنة العينات وفاة بعض المواطنين على خلفية إصابتهم بكورونا، ومع ذلك لم تعلن حكومة دمشق عن ذلك رسميًا أو تبلغ السلطات المحلية، فحتى الآن العدد الرسمي للمصابين في سوريا 39 شخصاً مع حالتي وفاة في دمشق.

من ناحية أخرى لم تعلن منظمة الصحة العالمية عن قيام السلطات الكردية بتوجيه اتهامات لها بالتستر على النظام السوري، وقالت إنها تتعامل مع نقص عالمي في الموارد، وتبذل قصارى جهدها لتوفير الموارد في سوريا، التي تسميها مجالا ذا أولوية.

الوضع في سوريا يثير قلق العديد من المنظمات الدولية والمدافعين عن حقوق الإنسان، في حوارها للصحيفة قال سيوان مصطفى، مدير الصحة في الشمال الشرقي “لقد دمرت الحرب الأهلية النظام الصحي في سوريا… لم تتمكن الدول المتقدمة من حماية نفسها من خطر الفيروس، لذلك تخيل منطقة واجهت حربًا مدمرة لمدة تسع سنوات”.

على مدار السنوات التسع الماضية، تعرضت مئات المرافق الطبية للقصف، معظمها من الغارات الجوية الحكومية؛ وحالياً نصف المستشفيات فقط هي التي تعمل، والمراكز الصحية بعضها يعمل بصورة جزئية والبعض الآخر لا يعمل على الإطلاق، بينما فر 70٪ من العاملين في المجال الطبي من البلاد بسبب الحرب، ليعيش حالياً أكثر من 80٪ من السكان بدون رعاية طبية لازمة مع الفقر وظروف الحياة القاسية خاصة وأن الملايين منهم يعيشون في مخيمات مكتظة باللاجئين.

على مدى أسابيع، أنكر المسؤولون الحكوميون الخطر، بل وواصل الحجاج الشيعة من إيران والعراق زيارة الأضرحة بالقرب من دمشق، واستمر المقاتلون المتحالفون مع الجيش السوري في السفر ذهابًا وإيابًا من تلك الدول، ولم تتخذ السلطات السورية أي اجراء لمواجهة الفيروس إلا في مارس/آذار، بدأت القيود بإغلاق جزئي للحدود والأضرحة، عندما تم الإعلان عن الحالة الأولى في 22 مارس / آذار، حيث فرضت الحكومة حظر التجول وعلقت التجنيد العسكري، كما تم عزل العديد من المدن وتم إنشاء أكثر من عشرة مراكز للحجر الصحي.

قالت إليزابيث تسوركوف، باحثة في الشأن السوري، إنه منذ بدء الانتفاضة عام 2011، تقوم السلطات في دمشق بالتضييق على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون وإلى الشمال الشرقي الذي يديره الأكراد، وتحول دون وصول المساعدات إليهم، على أمل إضعاف السكان هناك، وقد تسبب هذا سابقاً في تفشي مرض شلل الأطفال عام 2013 بسبب رفض الحكومة وصول التطعيمات للمناطق الواقعة خارج سيطرتها.

حتى الآن، نقلت منظمة الصحة العالمية جواً من دمشق 20 طناً من الإمدادات ، بما في ذلك أجهزة تهوية ومعدات واقية ، إلى مستشفى في الجيب الذي تسيطر عليه الحكومة في مدينة القامشلي الشمالية الشرقية، وحول ذلك علقت تسوركوف قائلة “إن أولئك الذين يحاولون الوصول إلى المستشفى يعرضون أنفسهم لخطر الاعتقال عندما يعبرون نقاط التفتيش العسكرية”.

وشهد القطاع الطبي في الشمال الشرقي مزيدًا من الشلل بسبب الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية والحملة العسكرية التركية، التي قيدت إمدادات المياه، ليصبح الآن عشرات الآلاف من أنصار تنظيم الدولة الإسلامية وأعضائه محاصرون في المخيمات ومرافق الاعتقال في المنطقة.

شحنات مساعدات الأمم المتحدة من العراق توقفت كذلك في أوائل عام  2020 بعد أن اعترضت روسيا على قرار يسمح باستمرار مرور الشحنات عبر تلك الحدود، ثم أجبر الوباء إغلاق الحدود العراقية، كما غادر العديد من عمال الإغاثة. وتفاوض الباقون فقط للبقاء في محيط فتحات حدودية متفرقة مع منطقة كردستان العراق شبه ذاتية الحكم في الشمال، وجلبوا بعض الإمدادات، بما في ذلك جهازان اختبار أخيرًا.

وفي شمال غرب سوريا الذي يسيطر عليه المتمردون، تم إغلاق المدارس والمساجد وقامت السلطات بحث الناس على البقاء في منازلهم، ما يضاعف من معاناة الناس هناك، حيث يوجد أكثر من مليون شخص نزحوا في الهجوم الحكومي الأخير الآن في خيام أو ملاجئ مؤقتة بدون ماء أو كهرباء.

من جهتها، قامت منظمة الصحة العالمية، بالتشاور مع سلطات إدلب، بوضع خطة بقيمة 30 مليون دولار لإنشاء 28 وحدة عزل وإعداد ثلاثة مرافق جديدة لمرضى فيروس كورونا. لكن الوكالة لم تجلب الإمدادات بعد، ثلاثون من أجهزة التهوية موجودة في تركيا، بانتظار الموافقة على الميزانية.

مسؤول الصحة في إدلب منذر الخليل، كتب في رسالة مفتوحة، متهمًا الأمم المتحدة بالتمييز والتحيز والعنصرية، بأن خطة منظمة الصحة العالمية “لا تزال مجرد كلمات على الورق”، مضيفاً ان السوريين اولا وقبل كل شيء هم بشر ويستحقون الرد المناسب “.

وقال إن منظمة الصحة العالمية تريد الآن إعادة تأهيل المستشفيات الحالية لحالات COVID-19 بدلاً من إنشاء مرافق جديدة، وهو تغيير كان يخشى أن يؤدي إلى إجهاد الموارد الزائدة، إضافة إلى المخاوف، فإن قرار الأمم المتحدة الذي يسمح بالمساعدة عبر الحدود من تركيا ينتهي في يونيو/حزيران.

وبين الخليل أنه استخدم الموارد المتاحة لإقامة الجناح الوحيد في المنطقة لحالات الإصابة بالفيروس المشتبه فيها، خاصة وأن الوضع الآن اخطر بكثير عن ذي قبل.

وقد قال مدير المستشفى، الدكتور خالد ياسين، إن جناح مستشفى إدلب في المدينة لا يضم سوى طبيبين، وأربع ممرضات، و 32 سريراً، وأربعة أجهزة تهوية.

وقال ياسين إن إحدى الحالات التي جاءت مؤخراً كانت لطفل عمره 10 سنوات محمومًا بعدوى في الصدر يشتبه في إصابته بفيروس كورونا، وذكر أنه لم يستطع استقباله في المستشفى بسبب عدم وجود عنابر عزل للأطفال.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا

اقرأ أيضاً في العدسة:  صحيفة إسبانية: معاناة مزدوجة للسجناء العرب في ظل انتشار كورونا