على غرار قراره الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها، يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ماض قدما في تحقيق أحلام الاحتلال والتماهي مع مشروعاته وخططه التوسعية والاستيطانية.

وربما لم تكن تغريدته الأخيرة بشأن الاعتراف بسيادة الاحتلال على هضبة الجولان السورية، إلا خطوة تلي ما يخص القدس في سياق صفقة القرن التي تبشر بها أمريكا كحل للقضية الفلسطينية، بينما يتفق الجميع أنها تصفية للقضية لا حل لها.

قطار ترامب الهائج لا توقفه قرارات أممية ولا اعتراضات إقليمية ودولية، باتت جميعها كمن ينادي في الفراغ، ويرد عليهم ترامب بأن افعلوا ما شئتم واعترضوا كما تريدون، فإرادتي أنا النافذة فقط.

ترامب يتحدى الجميع

مساء الخميس فاجأ ترامب العالم بتغريدة قال فيها: “بعد 52 عاما حان الوقت لكي تعترف الولايات المتحدة بالكامل بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان”، للتوالى بعدها ردود الفعل العربية والدولية الرافضة لتلك التصريحات.

لاحقا أكد ترامب في مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” أنه قرر المضي قدما في الاعتراف بما يسميها سيادة إسرائيل على الجولان، وشبّه هذا الأمر بالقرار الذي وقعه في ديسمبر 2017 بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.

ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية، الجمعة، قوله إن مسؤولين أمريكيين يعدون وثيقة رسمية باعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على الجولان، ومن المرجح أن يوقعها ترامب الأسبوع المقبل أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن.

الجامعة العربية نددت بموقف ترامب، مؤكدة أن “الجولان أرض سورية محتلة”، وقال الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط: “التصريحات الصادرة عن أقطاب الإدارة الأمريكية التي تمهد لاعتراف رسمي بسيادة إسرائيلية على الجولان السوري المحتل تعتبر خارجة بشكل كامل عن القانون الدولي”.

مجلس التعاون الخليجي أكد أن “تصريحات ترامب لن تغير من الحقيقة الثابتة التي يتمسك بها المجتمع الدولي والأمم المتحدة وهي أن مرتفعات الجولان العربية أراض سورية احتلتها إسرائيل بالقوة العسكرية بالخامس من يونيو 1967”.

بدوره، قال الاتحاد الأوروبي اليوم إنه لا يعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، ونقلت رويترز عن متحدثة باسم الاتحاد: “موقف الاتحاد الأوروبي لم يتغير.. الاتحاد لا يعترف، كما يتماشى مع القانون الدولي، بسيادة إسرائيل على الأراضي التي تحتلها منذ يونيو 1967 بما فيها هضبة الجولان، ولا يعتبرها جزءا من السيادة الإسرائيلية”.

وفي روسيا، اعتبر الكرملين أن “دعوات كهذه من شأنها زعزعة استقرار الوضع بشكل كبير (…) في الشرق الأوسط” قبل أن يضيف “إنها مجرد دعوة الآن، دعونا نأمل أن تبقى كذلك”.

وفي تركيا، حذر الرئيس رجب طيب أردوغان -خلال افتتاح اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي بإسطنبول- من أن موقف ترامب يضع المنطقة على حافة “أزمة وتوترات جديدة”.

وانتقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اليوم الجمعة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في هضبة الجولان المحتلة، وتبنى قرارا سنويا بشأن الجولان السوري طرحته باكستان بالنيابة عن منظمة التعاون الإسلامي بتأييد 26 دولة ومعارضة 16 وامتناع خمس دول عن التصويت.

صفقة القرن إلى الواجهة

العزم الأمريكي على الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل، أعاد إلى الواجهة الحديث عن صفقة القرن التي تستعد الولايات المتحدة فرضها على الفلسطينيين، ويتم بموجب ما تسرب عنها ضم بعض مناطق سيناء المصرية إلى قطاع غزة لتكون بذلك الدولة الفلسطينية، بينما يضم الاحتلال باقي مناطق القدس والضفة الغربية.

ورأى مراقبون أن القرار المرتقب بشأن الجولان يستبق الانتخابات العامة في إسرائيل لزيادة حظوظ نتنياهو للفوز، كنوع من الدعاية له، على أن يتم الإعلان عن الصفقة بكافة مشتملاتها عقب الانتخابات، أو ربما تتأجل لحين فوز ترامب بفترة رئاسية ثانية في 2021.

في مقال نشره موقع “ميدل إيست آي”، اعتبر كاتب أن هذا القرار سيسمح أيضا بمصادرة مزيد من الأراضي ونقل السكان والقضاء على أي فرصة لدولة فلسطينية، مما يمهد الطريق لضم إسرائيل الرسمي للأراضي الفلسطينية.

وأكد الكاتب أن هذا القرار لا يؤدي لتقويض أسس القانون الدولي فيما يتعلق بالأراضي المحتلة فحسب، بل إنه يتبنى الرواية الصهيونية التي تصف هذه الأراضي بأنها “حق تاريخي وديني” لليهود.

وأضاف أن القرار الأمريكي يعمل على إعداد الرأي العام لاستيلاء إسرائيل النهائي على الأراضي المحتلة، كجزء لا يتجزأ من الطريقة التي ستتعامل بها الولايات المتحدة مع القضية الفلسطينية فيما أطلقت عليه “صفقة القرن” من خلال إزالة الحلول السياسية القائمة على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.

الجولان.. جغرافيا وتاريخ

تغطي مرتفعات الجولان المحتلة مساحة تبلغ نحو 1800 كيلومتر مربع، وتطل على سوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة، ما يمنحها أهمية عسكرية وإستراتيجية كبيرة.

احتلتها إسرائيل في حرب يونيو 1967، وتفرض سيطرتها عليها منذ ذلك الحينن، وأخفقت القوات السورية في استعادتها في حرب أكتوبر 1973، وانتهت الحرب بهدنة واتفاق عام 1974 لكن أغلب مساحة الجولان ظلت تحت السيطرة الإسرائيلية.

في ديسمبر 1981 أقر الكنيست الإسرائيلي قانونا يعلن ضم الجولان لإسرائيل، في خطوة لم تجد أي اعتراف دولي، وجرت مفاوضات بين إسرائيل وسوريا عام 2000 بشأن هضبة الجولان، لكنها توقفت، لتنتهي جهود التفاوض عمليا مع اندلاع الثورة السورية عام 2011.

أهمية هضبة الجولان بالنسبة لإسرائيل ترجع إلى أنها تشكل منطقة عازلة بين البلدات المحتلة والجانب السوري المضطرب، فضلا عن حمايتها من غيران ذات الوجود الكبير في سوريا، كما تتمتع الهضبة بالموارد المائية والتربة الخصبة.

في عام 2014 اجتاحت المعارضة السورية محافظة القنيطرة وأجبروا قوات بشار الأسد على الانسحاب، وظلت المنطقة تحت سيطرتهم حتى صيف 2018، حين استعادتها قوات الأسد، بينما لا تزال قوات الأمم المتحدة تجري تجديدات لمواقعها التي اضطرت للانسحاب منها قبل عدة سنوات.

تتمركز قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في معسكرات ونقاط مراقبة في الجولان يدعمها مراقبون عسكريون من هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة، وهناك منطقة فصل“\ يطلق عليها عادة المنطقة منزوعة السلاح بين الجيشين الإسرائيلي والسوري وتبلغ مساحتها 400 كيلومتر مربع ولا يسمح لقوات الجانبين بدخولها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.

وبموجب اتفاقية فك الاشتباك الموقعة في 31 مايو 1974 استُحدث الخط ألفا إلى الغرب من منطقة الفصل ويجب أن تبقى القوات الإسرائيلية خلفه، وخط برافو إلى الشرق الذي يجب أن تظل القوات السورية وراءه.

وهناك منطقة تمتد لمسافة 25 كيلومترا خلف منطقة الفصل على الجانبين تخضع لقيود على عدد القوات وكم ونوعية الأسلحة التي يمكن أن يمتلكها الجانبان هناك.

تشير تقديرات إلى أن نحو 50 ألف شخص فقط يعيشون بهضبة الجولان، يشكل المستوطنون الإسرائيليون نحو نصفهم، والبقية سوريون أغلبهم من الدروز، الذين رفضوا إغراءات الاحتلال بالحصول على الجنسية الإسرائيلية.

اعتمد سكان الجولان طويلا على مكبرات الصوت والمناظير المقربة كوسائل تواصل بين الأراضي السورية والجزء الخاضع للاحتلال الإسرائيلي من هضبة الجولان المحتلة.