في الوقت الذي كانت الأنظار تتجه إلى احتفالات ذكرى حرب أكتوبر الأيام الماضية، كانت أجواء الحرب حاضرة في سيناء ولكن هذه المرة بتوجيه فوهات البنادق إلى أهالي سيناء.

وتحت تهديد السلاح نفذ الجيش المصري المرحلة الثالثة من التهجير القسري لأهالي رفح، في إطار مخطط إخلاء 5 كيلومترات من خط الحدود بين سيناء وقطاع غزة، لإقامة المنطقة العازلة.

وانتهت الأجهزة الأمنية في قطاع غزة التابعة لحركة حماس، من إقامة منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي، وفقا لاتفاق سابق بين الحركة وجهاز المخابرات المصرية منذ يونيو الماضي.

 مخطط التهجير

بدأ الجيش المصري في تنفيذ المرحلة الثالثة من مخطط التهجير القسري لأهالي رفح قبل أيام، بإزالة المنازل والزراعات في مساحة 500 متر إضافية، ليصل مجموع المنطقة العازلة على الحدود مع غزة إلى 1500 متر.

قبل أقل من شهرين، وبعد محاولة قوات الجيش والشرطة السيطرة على الانفلات الأمني والاختراق المتكرر لتنظيم “ولاية سيناء” لمدينة العريش، انطلقت حملة عسكرية مكبرة إلى مدينتي الشيخ زويد ورفح، دون معرفة الهدف منها.

الحملة نفذت عمليات اعتقالات وقصف عشوائي مدفعي وجوي على أهداف للمدنيين ومنازل، وإقامة تمركزات وكمائن أمنية، وسط فرض حصار خانق على مدينة رفح تحديدا ومنع مرور المواد الغذائية والطبية، لينتظر الجميع انتهاء الحملة خلال أسبوع أو أسبوعين على أقصى تقدير.

ولكن جاءت رياح الجيش بما لا يشتهيه أهالي رفح، إذ استمرت الحملة فترة طويلة، ترك خلالها عدد من الأهالي منازلهم خوفا من عمليات القصف العشوائي حفاظ على حياتهم، وانتقلوا للإقامة في الخيام ببعض الأحياء الآمنة نسبيا.

ويفاجأ الجميع قبل ذكرى حرب أكتوبر، ببدء تنفيذ المرحلة الثالثة من مخطط تهجير رفح، وتفريغها من السكان تماما وفقا لقرار مجلس الوزراءالصادر في أكتوبر 2014، الذي ينص على إخلاء 5 كليومترات من خط الحدود مع قطاع غزة.

ويتضح أن الجيش مهد للمرحلة الثالثة من التهجير عبر نشر الخوف والفزع في نفوس الأهالي لحد ترك منازلهم كنوع من التمهيد لعملية الإخلاء، حتى إذا ما بدأ التنفيذ لا يجد مقاومة كبيرة بعد خلو المنازل من السكان.

المرحلة الأولى من مخطط التهجير كانت في 2014 وانتهت بحلول ديسمبر من نفس العام بإخلاء 837 منزلاتقطنها 1156 عائلة، لتبدأ في العالم التالي المرحلة الثانيةبإخلاء وهدم 1200 منزل،وتضمنت إيضا إنشاء قناة مائية عازلة وضخ المياه فيها لهدم الأنفاق بين سيناء وغزة.

استراتيجية الفشل

ليس أدل على فشل استراتيجية الجيش المصري في مواجهة الجماعات المسلحة في سيناء وتحديدا تنظيم “ولاية سيناء” التابع لما يسمى تنظيم “الدولة الإسلامية”، إلا استمرار مخطط التهجير لأهالي رفح.

مع بداية تصاعد العمليات المسلحة ضد قوات الجيش والشرطة في سيناء في أعقاب فض اعتصامات أنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي بميداني رابعة العدوية والنهضة، لم يكن هناك استراتيجية واضحة لمواجهة جماعة أنصار بيت المقدس.

الجماعة الوليدة رغم اختلافها الفكري والمنهجي مع مؤيدي مرسي سواء من جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين، لأنها تنتمي للسلفية الجهادية، أعلنت عن إطلاق “غزوة الثأر لمسلمي مصر“، وهى حملة استهداف للشرطة والجيش انتقاما من الدماء التي سالت وليس دفاعا عن مرسي.

وأخطأت أجهزة الدولة المعنية بجمع المعلومات إضافة للمؤسسة العسكرية في تقدير حجم قوة هذه الجماعة ليس فقط في سيناء ولكن خارجها أيضا، إذ نفذت سلسلة عمليات لاستهداف مديريات الأمن بالقاهرة والدقهلية وجنوب سيناء.

وهنا تظهر أصوات تدعو إلى تهجير رفح على طول الشريط الحدودي مع غزة، بزعم وقف التعاون مع حركة حماس، حينها كانت حماس بالنسبة للنظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي “محور الشر” قبل تحسن العلاقات بين الطرفين منذ مطلع العام الجاري.

ولجأ بالفعل الجيش المصري إلى وضع مخطط لتهجير أهالي رفح بداية من عام 2014، وسط عمليات هدم للمنازل وتجريف للزراعات وتشريد مئات الأسر بلا مأوى.

ولم يشفع هذا المخطط لتمكن قوات الجيش من مواجهة جماعة أنصار بيت المقدس، التي بايعت تنظيم “الدولة الإسلامية” في نوفمبر 2014، لتزداد قوة وشراسة في العمليات ضد القوات المشتركة لمكافحة الإرهاب.

وأظهر معدل عمليات التنظيم خلال عامي 2015 و2016 أعلى معدلات لاستهداف قوات الجيش والشرطة.

هذه الاستراتيجية التي ارتكنت بالأساس إلى التهجير والإخلاء، كررتها قوات الجيش في مدينة العريش في حي الصفا بعد استهداف الكمين الأمني هناك في مارس 2016.

وتكرر الأمر في جنوب المدينة بشكل كبير وتحديدا جنوب المدينة، بعد الاختراق المتكرر للتنظيم بشكل ملحوظ أواخر العام الماضي وأوائل العام الجاري.

ولم تنجح هذه الاستراتيجية طوال مراحلها في تحقيق أي تقدم في سبيل مواجهة “ولاية سيناء”، ولكن حتى في ظل السيطرة الأمنية تمكنت عناصر التنظيم من اختطاف مواطنين واستهداف مدرعات أمنية في قلب المدينة.

أوضاع مأساوية

“التشريد” هو العنوان الأبرز لعمليات تهجير مدينة رفح، خاصة مع تأكيد مصادر محلية عدم توفير مأوى للأسر المهجرة أو صرف التعويضات اللازمة للخروج من منازلهم وترك مزارعهم.

وحفلت مواقع التواصل الاجتماعي بعدد كبير من الصور التي تعبر عن حجم المعاناة التي لحقت بأهالي رفح، إذ خرجت عشرات الأسر من منازلهم ومعها الأثاث محملا على سيارات نقل سمحت قوات الجيش بدخولها إلى المدينة.

ولم تتمكن بعض الأسر من تحمل نفقات الانتقال لتحتمي في بعض المناطق الآمنة بمدينة رفح وتسكنبالخيام.

ومنذ هذه المرحلة من التهجير باتت العشش والخيام هى المأوى الأولى لأهالي رفح، في ظل عدم دفع التعويضات اللازمة.

وسبق هذا التشريد عملية “تجويع متعمد” بعد منع دخول سيارات تحمل المواد الغذائية والطبية إلى رفح، في إطار مخطط التهجير وسط أزمة شديدة عاشتها المدينة على مدار أقل من شهرين.

تأثيرات سلبية

ويبدو أن ما لا تدركه قيادات الجيش المصري هو أن استراتيجية التهجير الفاشلة،  تعد خدمة مجانية لـ “ولاية سيناء”، لتكون فرصة لتعزيز وترسيخ أركانه في سيناء أكثر وأكثر خلال الفترة المقبلة، بغض النظر عن عوامل الضعف التي أصابته جراء انحسار التنظيم الأم في مراكز ثقله بالعراق وسوريا.

وما كان لتنظيم “ولاية سيناء” التواجد في سيناء والتوسع في العمليات من دون وجود تأييد من بعض الأهالي، كرد فعل على الانتهاكات التي تشهدها سيناء.

ويسود تخوف لدى مراقبين أن تكون استراتيجية الجيش الفاشلة في سيناء بابا واسعا لتأصيل الفكر “الداعشي” هناك، لأنه ينشط بشكل أساسي في وسط الأوضاع المأساوية لأهالي منطقة أو دولة ما، والاستفادة من الانتهاكات والمظلومية.

ووصل الأمر إلى مشاركة أطفال مع تنظيم “ولاية سيناء” في رصد قوات الجيش والشرطة، وهو ما أعلنه المتحدث الرسمي للجيش المصري في 2014.