العدسة – جلال إدريس

“أنا عارف الفاسدين كويس، ولو أقدر أمنع الفاسد من تولي أمركم كنت أمنعه، وبأمانة المسئولية أقول الفاسد اللي هيقرب من الكرسي ده يحذر منه”.
بتلك الكلمات الحادة، وبنبرة أشد حدة، عبر السيسي قبل عدة أيام عن غضبه وتذمره من ترشح شخصيات يراها فاسدة لمنصب رئيس الجمهورية، متوعدا إياهم بالتصدي لهم حال اقترابهم من كرسي الحكم في مصر، لكنه لم يصرح بأسمائهم.
لم تمض سوى ساعات قليلة على كلمات “السيسي”، إلا وقد أعلن “الفريق سامي عنان – رئيس أركان القوات المسلحة” ترشحه لانتخابات رئاسة الجمهورية، لتتزايد التساؤلات، هل قصد السيسي بتهديد “عنان” أم قصد غيره.
لكن القوات المسلحة يبدو أنها قررت سريعا فك طلاسم السيسي، حيث أصدرت اليوم قرارا مفاجئ، أعلنت خلاله استدعاء الفريق سامي عنان للتحقيق معه، لكن ليس بتهم تتعلق بالفساد كما زعم “السيسي” ولكن بتهم تتعلق بالتزوير ومخالفة اللوائح العسكرية.
استدعاء “عنان” رآه مراقبون أنه فصلا جديدا من فصول التخلص من منافسي السيسي، وأن كلمات “السيسي” عن فساده لم تكن سوى تشويه لصورة الرجل وتمهيدا لاعتقاله، في حين أن القوات المسلحة حين قررت استدعاؤه لم تجد سوى اتهامات تتعلق بمخالفة اللوائح العسكرية.
العدسة ومن خلال التقرير التالي، تحاول قراءة المشهد الحالي لانتخابات رئاسة الجمهورية، وتطرح مع “القارئ” السيناريوهات المتوقعة لشكل العملية الانتخابية خلال الفترة المقبلة.

ثلاث اتهامات لـ”عنان”

وفقا لمراقبين فإن استدعاء “عنان” عسكريا، قبل أيام من إغلاق باب جمع التوكيلات، يعني صراحة أن القوات المسلحة قررت الانحياز بشكل كامل في طرف السيسي، ضد عنان، الذي كان يترأس لسنوات طويلة منصب “رئيس أركان القوات المسلحة”.

وبحسب بيان المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة فإن الفريق سامي عنان قد خالف القانون وأخل بقواعد ولوائح الخدمة بالقوات المسلحة.
واعتبر الجيش في بيانه أن إعلان عنان الترشح يُعد تحريضا ضد القوات المسلحة ومحاولة للوقيعة بينه وبين الشعب مشيرا إلى أن عنان قام بجريمة التزوير في المحررات الرسمية وبما يفيد إنهاء خدمته في القوات المسلحة على غير الحقيقة الأمر الذي أدى إلى إدراجه في قاعدة بيانات الناخبين دون وجه حق.
وجاء في نص البيان “أنه وفي ضوء ما أعلنه الفريق مستدعى سامي حافظ عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق من ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية، فإن القوات المسلحة لم تكن لتتغاضى عما ارتكبه المذكور من مخالفات قانونية صريحة مثلت إخلالا جسيما بقواعد ولوائح الخدمة لضباط القوات المسلحة طبقا للآتي:
أولا: إعلانه الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية دون الحصول على موافقة القوات المسلحة أو اتخاذ ما يلزم من إجراءات لإنهاء استدعاءها له

ثانيا: تضمين البيان الذي ألقاه المذكور بشأن ترشحه للرئاسة على ما يمثل تحريضا صريحا ضد القوات المسلحة بغرض إحداث الوقيعة بينها وبين الشعب المصري العظيم
ثالثا: ارتكاب المذكور جريمة التزوير في المحررات الرسمية وبما يفيد إنهاء خدمته في القوات المسلحة على غير الحقيقة الأمر الذي أدى إلى إدراجه في قاعدة بيانات الناخبين دون وجه حق
واختتم الجيش بيانه بالتأكيد على أنه إعلاء لمبدأ سيادة القانون باعتباره أساس الحكم في الدولة فإنه يتعين اتخاذ كافة الإجراءات القانونية حيال ما ورد من مخالفات وجرائم تستدعي مثوله أمام جهات التحقيق المختصة.

ماذا يعني استدعاء الجيش؟

 

وبحسب مراقبين فإن استدعاء الجيش لـ”سامي عنان” بتلك الطريقة المهنية، واتهامه بالتزوير والتحريض على القوات المسلحة، يعني أن المجلس العسكري أراد إيصال رسالة للسيسي مفادها، أن القوات المسلحة تساندك قلبا وقالبا في تلك المعركة الانتخابية، وأن الحديث عن أن “عنان” له رجال في المجلس العسكري هو حديث غير صحيح.
أيضا فإن استدعاء عنان بهذه الصورة أيضا يعطي مؤشرات عن شكل العملية الانتخابية، حيث أن “إنحياز الجيش للسيسي” في تلك المعركة، سيجعل من تلك الانتخابات مسرحية هزلية.
وفي أغلب “التقديرات” فإن “عنان” كان الشخصي الوحيد القادر على المنافسة الجادة أمام السيسي، لكون رجلا عسكريا وكان رئيسا لأركان الجيش، وبالتالي فطالما تم التخلص منه بتلك الطريقة، فلا مجال أن يكون هناك منافسة حقيقة على مقعد رئيس الجمهورية.

ماهو مصير خالد علي؟

خالد على

خالد على

من جهة أخرى فإن استدعاء “عنان” أيضا يعني أن النظام أصبح حريصا على بقاء المرشح الرئاسي “خالد علي” حيث لم يتبقى غير “خالد علي” منافسا للسيسي في تلك المعركة الانتخابية، بعد إزاحة كلا من “المرشح السابق أحمد شفيق، ومن بعده الضابط بالجيش المصري أحمد قنسوة، وأخيرا المرشح الرئاسي “سامي عنان”.
وفي أغلب السيناريوهات سيتم الإبقاء على “خالد علي” يكمل إجراءات ترشيحه للانتخابات الرئاسية، حيث أن “السيسي” من صالحه أن يجد منافسا له في تلك الانتخابات، ليكتمل الشكل الديموقراطي للعملية الانتخابية، خصوصا وأن “خالد علي” لايشكل خطورة حقيقة على ترشح السيسي، فالرجل لايمتلك القاعدة الشعبية التي يمتلكها عنان، كما أنه لايمتلك الرصيد العسكري الذي كان يتمتع به “عنان” أيضا.
فضلا عن ذلك، فإن “خالد علي” محكوم عليه بالسجن 3 أشهر حكم أولي في أحد قضايا الإخلال بالشرف، وهي القضية التي أكد حقوقيون وسياسيون أنها تم اختلاقها، لإخراجها من أدراج المحاكم، حال شعور “السيسي” بخطورة حقيقة قادمة من “خالد علي”.

هل انتهت المعركة؟

ومع “اكتمال” فصول اللعبة، يبقى السؤال مطروحا عن رجال “عنان” في الجيش؟ أين ذهبوا؟ ولماذا لم يناصروه؟ ألم يكن للرجال قيادات وأفراد تناصره داخل القوات المسلحة، وإن كان الجواب بنعم، فهل سيتم ترك الرجل يقع ضحية وفريسة بهذه السهولة.
وما يعد لغزا محيرا، هو كيفية إقدام عنان على الإعلان عن “ترشحه” دون أن يحصل على إذن مسبق من القوات المسلحة”، فـ”عنان” يعرف تماما أن الضابط بالجيش المصري، يظل تحت مسمى “ضابط مستدعى” بعد انتهاء عمله في الجيش، ولا يحق له ممارسة الحياة السياسية والمدنية إلا بإذن من القوات المسلحة.
ولفك لغز هذا السؤال، فأن مراقبين يرون أن “عنان” تم الغدر به من المجلس العسكري، حيث يمكن أن يكون قد أخذ عهدا شفهيا بإنه سيسمح له بالترشح، وهو ما دعاه إلى الإعلان بشكل رسمي، وحين تقدم بطلب الإذن، تم رفضه من قبل المجلس العسكري، وتوجيه اتهامات له بالتزوير.
وعلى أية حال فإن الأيام المقبلة هي من ستكشف حقيقة الولاءات في القوات المسلحة، ومن سينتصر فيه نهايتها؟، وإن كانت كل المؤشرات تؤكد أن السيسي سيحسم الأمور لصالحة، على الأقل خلال الفترة القريبة، مالم يجد جديدا على الساحة السياسية والعسكرية في مصر.