يُعد كليب “3 دقات”، للمطرب الشاب “أبو” والفنّانة “يسرا”، من أكثر الأشياء انتشارًا بين أوساط الشباب في مصر، خلال الآونة الأخيرة؛ والسبب ليس عائدًا فقط لخفة كلمات الأغنية واللحن البسيط الجميل، لكنه يعود بشكل رئيسي للأجواء الخلّابة التي صُوِّرت فيها أحداث الكليب، في منتجع “الجونة”، حيث الماء والخضرة، ولعبت أكثر من فنّانة جميلة دور “الوجه الحسن” باقتدار.
تحكي الأغنية- من خلال الكليب- تصوُّرًا بسيطًا ومشاهد مختلفة للحظة اندلاع الحب، في شرارته الأولى؛ لحظات الولع والتوهج الأولى؛ عن هذا الاتصال الروحي الذي لا يدرك كينونته إلا مَن مرّ به؛ عندما يخبرك قلبك أن هذا الإنسان ليس مثل غيره من العابرين في حياتك، وأن هناك “شيء ما” جميل يولد بينكما.
هكذا يكون الحديث عن الحب في مراحله الأولى؛ مراحل الإعجاب والهيام والانبهار، لكن ماذا عما بعد؟ عندما يتحول الحب لشراكة وحياة يؤسسها طرفاها بقواعد جديدة عليهما.
كيف يمكن لرجل ناضج أن يتشارك حياته، ومسكنه، وماله، ومستقبله، وأحلامه، مع فتاة ناضجة، لم يعرفا بعضهما البعض إلا منذ بضعة أشهر، أو بضع سنين على أقصى تقدير؟
فلنقل أن هذه ثلاث فِكَر رئيسية أطرحها عن الحب، في مراحل المشاركة، فيما هو أبعد مما تحدثت عنه “3 دقات”؛ للتأمل والنقاش..
على الرجل أن يتصرف كالرجال!
تنتظر المرأة من الرجل أن يكون سندًا حقيقيًا، خاصةً في مجتمعاتنا العربية التي تعاقب معظم النساء لمجرد أن الله خلقهن إناثًا.. والسند ليس بحلاوة الحديث، وإن قال أعذب العبارات الرومانسية دون أفعال؛ بل يكون الرجل سندًا بأن يكون موجودًا دائمًا بجوار شريكته، موجود في وقت الشدة، في الأوقات التي تشعر فيها المرأة أنها تحتاج لأن تكون ضعيفة؛ ان تسند رأسها على كتفه وتُغفو مطمئنة، وتترك له مسئولية الحمول المتراكمة، ولو قليلًا.
لا تغفر المرأة خذلان الرجل لها، لا تنساه ولا تُسقطه من وعيها، وإن تظاهرت بتناسيه؛ لتسير المركب بهما بعض الوقت.. لذا يصبح على الرجل ألا يُكثر في إلقاء الوعود؛ فإذا وعد أوفى؛ فلا يلعب دور “المبرِّر” دومًا لما وعد به ولم ينفذه؛ فكثرة تبرير الخذلان تُفقِد الرجل هيبته في نظر شريكة حياته، والهيبة هنا لا علاقة بالخوف، بل بالاحترام الغريزي الذي يجب أن تُكنه المرأة لشريك حياتها؛ هذا الاحترام الذي يجعلها تراه أفضل الرجال في نظرها، وأكثرهم “رجولة”؛ فما حاجة المرأة برجل يقل عنها في المروءة والوفاء بالعهد وتحمُّل المسئولية؟ ما حاجتها برجل لا يملك زمام قراره بشكل كامل، أو يضحي بها- عند الشدة الحقيقية- في سبيل أشياء أُخرى؟
في الجزء الأول من ثلاثية الفيلم العظيم “الأب الروحي”، يأتي المُطرب “جوني فونتين” لـ “دون كورليوني”؛ شاكيًا بسبب الحرب التي يتعرض لها في عمله، ويبكي وهو يتساءل: “لا أعرف ماذا أفعل؟!”؛ فيثور الدون، وهو بمثابة الأب الروحي لـ “جوني”، ويمسكه من ملابسه موبخًا، وهو يهزه صارخًا فيه: “يمكنك أن تتصرف كرجل! ما مشكلتك؟!”.. ويصفعه.
تلك الصفعة التي يحتاجها بعض الذكور في مجتمعاتنا العربية، الذين تخلوا عن دور “الرجل” في علاقاتهم العاطفية مع شريكات حيواتهم؛ صفعة معنوية قبل أن تكون بدنية، ليعودوا للفطرة التي خُلقوا عليها، ويتحملوا واجباتهم المادية والمعنوية في حياتهم المشتركة مع زوجاتهم، ويتصرفوا كما يجب للرجال أن يكونوا.
صعوبة أن تكوني الصديقة الزوجة.. وأهميته
لا يولَد الحب بلا مساحة من الصداقة بين طرفيه، مساحة تكبر أو تصغر على حسب ما يبذله الطرفين من مجهود لتنميتها والمحافظة عليها، وهي الشيء الذي يقود غيابه إلى انهيار العلاقة ببطء.. مساحة الصداقة بين حبيبين هي مساحة من التفاهم، والقدرة على التجاوز، والتغاضي عن الذلات البشرية التي نرتكبها جميعًا بشكل عابر، دون أن ندرك وقوعها.
مساحة الصداقة هذه تجعل من علاقة الشراكة بين حبيبين أكبر من علاقة تقوم على واجبات وحقوق يتبادلها الطرفان؛ فهنا ينشأ نوع خاص من المودة، بجانب الحب، مودة لا يدركها إلا صديقان.
ربما لا تُقدِّر النساء هذا النوع الخاص من المودة، ولا تشعر بأهميته، أو حتى كينونته؛ فهو يبدو كتفصيلة لا تُرى بالنسبة لكثيرين، لكن الرجال يُقدِّرون هذا النوع من المودة في علاقته بشريكة حياته، يُقدِّره ويحتاجه عندما يكون في حاجة لمَن يستمع له، دون أن يُصدِر أحكامًا عليه، أو يتهمه بالتقصير.. فقط يُربِّت على كتفه، ويندمجان معًا في فعل أي شيء بسيط، مهما كان تافهًا، المهم أي شيء يصرف انتباهه لبُرهة، ويُخرِجه من حالة الهَم التي تفرضها ضغوط الحياة كثيرًا على الرجال.
ودٌ عميق كهذا تستطيع زوجة صديقة لزوجها أن تمنحه له.. وأحيانًا يكون هذا هو أهم ما يحتاجه.
حقيقة أننا لسنا متشابهين.. ولن نكون
معظم الخلافات التي تحدث بين شريكي علاقة عاطفية، خاصةً فيما بعد الزواج، تكمن في عدم استيعاب أحدهما أو كلاهما لاختلاف شريكه عنه في التركيبة النفسية والعاطفية بشكل كبير؛ تبعًا لاختلاف جنسهما بالطبع! فكرة أن يتوقع الرجل من زوجته أن تعطيه ردود فعل مشابهة لما ينتظر من أصدقائه، أو توقُّع الزوجة أن يلاحظ زوجها ما تلاحظه النساء، ويقرأ ما وراء السطور، وهو ما لايجيده معظم الرجال غالبًا، شيء في منتهى السذاجة.. استيعاب هذه الحقيقة يُسهِّل الأمور كثيرًا، ويجعل من فهم الحقيقة الأولية البسيطة لفكرة الزواج أسهل: أن اختلافنا أساس انجذابنا لبعضنا البعض، ولو كان التشابه ما كان الاكتمال.
ليس مطلوبًا من الإنسان أن يفهم ويستوعب كل ما يفعله ويفكر به شريكه في العلاقة؛ فربما يحتاج بعض الوقت لإدراك كل هذه التفاصيل، لكن ما يطلبه الإنسان من شريك حياته حقًا هو التفهُّم والتقبُّل، دون سخرية أو لوم أو هجوم؛ فهذا ما يُشعِر الإنسان بأهميته عند مَن يحب.
كتبه: أحمد مدحت
الآراء الواردة في التدوينة تعبر فقط عن رأي صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر “العدسة“.
مقالة جميلة ومعناها عميق بكل معنى الكلمة
أكثر من جميل