العدسة – ياسين وجدي:

من القضارف إلى عطبرة وصولا إلى الخرطوم، بات الغضب السوداني ملتهبا ولا يتوقف ضد جنرال ظن نفسه من الخالدين ، وامتلاءت سنوات حكمه بالتناقضات والتي كانت سببا في تشويه الحركة الاسلامية في البلاد وفق ما يرى البعض.

عقارب الساعة شهدت هذه المرة توحدا معارضا قويا مع حراك شعبي يتوسع عززته دعوات من الحركة الاسلامية التي يتترأس بها الرئيس السوداني عمر البشير ، فهل تتقدم العقارب إلى الأمام وتسدل الستار على حكم البشيرأما لازال في حكمه بقية ؟!

“العدسة” يقترب عن كثب من المشاهد المتصاعدة في الغضب ، ويبحث في تطورات المشهد والتي يبدو إنها قد لا تكرر الماضي وتصنع مشهد يصنفه البعض بأنه ربيعا جديدا للغضب.

غضبة وطن !

يحاول البشير وفريقه الحديث عن مخربين وراء الغضبة المشتعلة ولكن المعارضة والقوي الوطنية تتحدث عن وطن ينتفض.

 

 

جماعة الإخوان المسلمين في السودان التي يحاول البشير استقطابها لصالحه ، اعتبرت أن المواطن هو من يقف وراء المظاهرات ، مؤكدة أنها تقف صفا واحدا مع المواطن، الذي قالت إنه “يعبر عن غضبه بصورة حضارية دون عنف أو إحراق للممتلكات الخاصة بالدولة أو المواطنين”، ودعت من وصفتهم بالمواطنين الاوفياء بالتعبير عن الغضب دون التدمير.

وبجانب دعوة الاخوان ، فقد دعت عدة أحزاب سودانية من أبرزها أحزاب المؤتمر والأمة القومي والشيوعي والمؤتمر السوداني والبعث، بالإضافة إلى طلاب بعض الجامعات، إلى التظاهرات، رفعوا فيها مطلبين هما : “مواجهة الغلاء والدعوة لرحيل الحكومة”.

رئيس حزب الأمة القومي السوداني المعارض الصادق المهدي، تصدر المشهد بشكل لافت ، واطلق بدوره تصريحات مواجهة لخصمه الرئيس عمر البشير ، وطالبه بقبول التغيير والاستماع إلى مطالب الاحتجاجات التي تجتاح عدة مدن سودانية ، وقال بوضوح لا يحتمل الشك :” في السودان نحن نقول الشعب يريد نظام جديد”.

 

 

 

النظام السوداني بحسب وزيرالاعلام المتحدث الرسمي باسم الحكومة، بشارة جمعة أرو يرى في المقابل أن “المندسين ، وبعض الجهات السياسية، برزت في محاولة استغلال هذه الأوضاع لزعزعة الأمن والاستقرار تحقيقا لأجندتهم السياسية”.

مدير جهاز الأمن والمخابرات السودانية، صلاح قوش، أضاف هيئة جديدة لمحركى المظاهرات ، حيث اتهم، الموساد الصهيوني بتجنيد عناصر من حركه “عبد الواحد نور”، كانوا في الكيان الصهيوني وذلك لإثارة الفوضى في السودان، وقال قوش للصحفيين: “رصدنا 280 عنصرا من الحركة.. وجند الموساد قسما منهم” بحسب زعمه.

أزمة لن تتوقف !

وبحسب ما هو مرصود ، فقد تحركت كرة الثلج الملتهبة واشتعل الغضب في مواقع بارزة ، ويبدو وفق مراقبين أنه لن يتوقف.

المعارضة التحمت مع الحراك الشعبي، وأعلنت عن “تسيير موكب جامع تشترك فيه كل القوى السياسية والمدنية بأعلي ممثليها لتقديم مذكرة للرئاسة تقدم البديل لتنقل الأمر من العشوائية إلى التخطيط”، بحسب وصف زعيم المعارضة السودانية الصادق المهدي الذي أضاف أن “هناك دعوات سيتم توجيهها للمعارضة للاتفاق على نص المذكرة وموعد المسيرة وإذا النظام تجاوب فكان بها وإذا رفض فعليه أن يواجه غضبة الشعب وسندعو إلى إضراب عام وبقية سيناريو الانتفاضة”.

 

 

ويرى سياسيون محسوبون على الربيع العربي ، أن السودان ، قد تكون محطة جديدة في موجة جديدة من الغضب العربي ، حيث مع تشابه الظروف بين مصر والسودان فيما يخص المعاناة الاقتصادية ورفع الأسعار والغاء الدعم وتمديد الرئاسة لحكام البلدين ، وفي الاطار صرح الدكتور محمد محسوب، وزير الشئون القانونية الاسبق في مصر : إن “أمتنا العربية مقبلة على تغيرات جذرية خلال العامين المقبلين، ولا يوجد بأي من حكوماتها عقلاء يستجيبون لمطالب التغيير، وإنهم ظنوا الربيع العربي انتهى بانقلاباتهم، بينما لم تكن الموجة الأولى إلا زلزالا بدأ، وستفرض شعوبنا مطالبها: حرية.عيش.عدالة اجتماعية، وسيصبح وجهها مشرقا ومتحضرا يفتخر به أبناؤه”.

ميدانيا تمدد المظاهرات بات الصورة الأولى في السودان ، وشهد  السبت، 22 ديسمبر انتقالها ، إلى مدينة الرهد وقام المحتجون بإضرام النار بمقر الحزب الحاكم، واتسع نطاق الاحتجاجات مع فرض حظر الطورايء في مدن بربر (شمال)، والجزيرة آبا، والرهد (جنوب)، لتصل إلى العاصمة الخرطوم حيث هتف المحتجون في مناطق مختلفة بـ”اسقاط النظام” فيما استخدمت قوات الشرطة العنف ضد المتظاهرين، أدى ذلك إلى “سقوط 22 شهيدا واعتقال عشرات المعارضين” بحسب المعارضة.

وأشعل الاجواء قرار السلطات السودانية تعليق الدارسة في البلاد مع حجب مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”واتساب” و”يوتيوب”، بالتزامن مع جمعة غضب شهدتها السودان بعد الصلاة لم تخلُ منابرها من شكل للاحتجاج، حينما أنزل مصلون في أحد مساجد العاصمة الخطيب من منبره بعد أن حاول تخذيل حراكهم وإرجاع أزمة الضائقة المعيشية إلى ما وصفه بـ”أنانية المواطنين”.

 موقف “البشير” !

أول قرارت “البشير” بعد المظاهرات ، قرار أمني بتغيير والى القضارف ، وتعيين بديلا له نت القيادات الأمنية ، ولكنه يبدو أنه لن يكون آخر القرارات وفق المراقبين مع تصاعد الغضب.

 

 

المتظاهرون من جانبهم كانت لهم جولة ضد القرار بخفض دعم الخبز في وقت سابق من العام وقادوا احتجاجات واسعة في أنحاء البلاد بعد تضاعف أسعار الخبز، ولكن هذه الجولة مختلفة في مظاهرها من حيث الحشد ، ودلل الفريق على اختلاف الحراك هذه المرة بما ذكرته وكالة “رويترز” للأنباء أن الاحتجاجات التي تشهدها العاصمة السودانية الخرطوم، أصبحت على بعد كيلو متر واحد من القصر الرئاسي.

متغير جديد في المشهد قد يؤثر على “البشير” ، ظهر مع اشاعات وفق البعض وتسريبات وفق البعض الآخر ، وهو ورقة “الجيش”، حيث راجت أنباء عن اجتماع عسكري استخباراتي جرى في السودان مع السفير الأمريكي تزامنا مع الاحتجاجات المندلعة في البلاد، وزعم نشطاء بحسب موقع “روسيا اليوم ” أن رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الفريق أول ركن كمال عبد المعروف، التقى السفير الأمريكي بالخرطوم، وتحدثوا عن أن الجيش وجه بعدم مس المتظاهرين من أي قوة نظامية أخرى في أي مكان، وهو ما نفته السلطات العسكرية والتنفيذية في السودان ، لكن يبقى بحسب البعض وسيلة لتشجيع المتظاهرين في المظاهرات.

 

 

في هذا الإطار ، بدأ السقوط الحكومى في الولايات في ضربة مبكرة لتحركات “البشير” ، وهو ما وثقته وكالات محلية  ، وراجت أنباء عن ” سقوط حكومة ولاية النيل الابيض بعاصمة الولاية مدينة ربك واحتلال المقار الحكومية بواسطة المواطنيين وهروب الوالي وتدميروحرق دار وامانة المؤتمر الوطني بالتزامن مع تقدم الجيش للمواطنين بعربتين لمنع استهدافهم من الأمن”.

وتذهب بعض التحليلات إلى امكانية فوز الشعب السوداني في هذا الجولة ، وقال الكاتب والمحلل السياسي محمد المختار الشنقيطي في تغريدة على حسابه بموقع “تويتر” :” شعب السودان هو الشعب الوحيد من بين الشعوب العربية الذي أطاح بحاكمه العسكري مرتين” مضيفا أن البشير لم يتعلم من سقوط عبُّود والنميري، ولا من زهد سوار الذهب وكرامته ولكن لا أحد سيأسف على البشير.

 

 

الاعلامي القطري جابر الحرمي من هذا الفريق المتفاؤل بحذر ، مؤكدا أن الهروب إلى الأمام لن يجدي البشير ، فالأوضاع المعيشية والإقتصادية للشعب السوداني الشقيق صعبة ، ولكنه يتخوف من تكون زيارة البشير لبشار لنقل تجربة الثاني في القمع إلى السودان ، موضحا أن الخيار الأمني مع الشعوب لم يكن يوما خيارا صائبا أو معالجا لأسباب الثورات والإنتفاضات.

إنها فرصة قد لا تتكرر للاطاحة بالبشير ، خاصة مع وصول المعارضة إلى “المرحلة المتقدمة من الوحدة” بحسب أمين عام حزب البعث السوداني يحيى محمد الحسين الذي أكد في تصريحات له أنه متفائل بأن الوحدة التي وصل إليها المعارضون تختلف عن ما سبقها.