العدسة _ باسم الشجاعي:

يبدو أن سلطنة عُمان تخشى من الغدر بها من قِبل بعض دول الخليج (خاصة الإمارات والسعودية)، على غرار ما تم مع قطر، والتي دخلت أزمتها عامها الثاني، دون وجود بوادر انفراج أو حلحلة.

وما حدث في عُمان خلال الـ 24 ساعة الماضية يؤكّد صحة ذلك، أو أنه التفسير الأقرب للخطوات المفاجئة التي اتخذتها مسقط ضد الإمارات.

أول تلك القرارات ما قامت به الهيئة العامة لسوق المال في سلطنة عُمان، “الأربعاء” 6 يونيو، بإلغاء ترخيص بنك أبوظبي الأول (بنك أبوظبي الوطني سابقًا) من مزاولة العمل في مجال الأوراق المالية في السلطنة.

ما يعني خروجه من سوق المال العماني لأول مرة منذ دخوله عام 1976.

ورغم أن السبب المعلن، هو أن بنك أبوظبي هو الذي طلب إلغاء ترخيصه، وذلك بحسب ما أوردت صحيفة “أثير” الإلكترونية العمانية، لكن ما بين السطور يعكس عكس ذلك.

ليس هذا وحسب، ولكن عُمان وجهت طلابها بعدم الالتحاق ببرنامج دبلوم التأهيل التربوي في جامعة أبوظبي، وعلى الجانب الآخر أدرجت جامعة “حمد بن خليفة” في دولة قطر، ضمن قائمة مؤسسات التعليم العالي المُوصى بالدراسة فيها.

أصدرت لجنة الاعتراف بمؤسسات التعليم العالي غير العُمانية ومعادلة المؤهلات الدراسية التي تمنحها بوزارة التعليم قرارًا، نص على قيام الملحق الثقافي العماني بالإمارات بتوجيه الطلبة العمانيين بعدم الالتحاق ببرنامج جامعة أبوظبي، وذلك بحسب ما ذكرت صحيفة “الرؤية” العُمانية.

وأصدرت اللجنة أيضًا مؤخرًا، قرارًا بعدم تصديق شهادات دبلوم التأهيل التربوي من قبل الملحق الثقافي للطلاب الملتحقين بعد صدور قرار منع الالتحاق بالبرنامج المذكور بالمؤسسة المذكورة.

لكن ما يثير “الريبة” أن هذه القرارات تتزامن مع حالة من عدم الاستقرار المنطقة في ظل الأزمة الخليجية التي دخلت عامها الثاني، والتي افتعلتها أبوظبي والرياض وفرضهم للحصار على جارتهم قطر.

كما يأتي أيضًا بعد الخلاف الإعلامي الذي وقع بين سلطنة عمان والإمارات، الشهر الماضي، بعدما نظمت الأولى ندوة لتأكيد عُمانية “المهلب بن أبي صفرة” (أحد ولاة الأمويين على خراسان)؛ وذلك استباقًا للمسلسل الإماراتي الذي يعرضه تلفزيون أبوظبي في رمضان عن “المهلب” لمحاولة إثبات نسبه للإماراتيين.

ولم يكن ذلك الخلاف الأول بين الإمارات وسلطنة عمان خلال العام الجاري؛ ففي يناير 2018، وضعت السلطات خريطة “مشوّهة” في متحف “اللوفر” الجديد في أبوظبي، ضمت فيها محافظة “مسندم” العمانية إلى حدودها.

وفي مارس 2018، تسبب الفيلم الوثائقي الذي بثته وسائل الإعلام الإماراتية بعنوان: “زايد الأول.. ذاكرة ومسيرة”، في موجة غضب عارمة على إثر تلفيقه لوقائع تاريخية مشوهة وغير حقيقية.

كما شكا القائمون من اجتزاء حديث المؤرخ العماني “محمد المقدم”، بما يناسب الفكرة العامة التي يرغبون بالترويج لها.

صبرنا نفد

وعلى ما يبدو أن السلطنة قد نفد صبرها، وذلك وفق ما أشار نائب رئيس الهيئة العامة للصناعات الحرفية في سلطنة عُمان، “عصام بن علي الرواس”.

“الرواس”، قال إنّ صبر بلاده على تصرفات جيران بلاده (لم يسمهم) قد نفد، في إشارةٍ للإمارات، التي استهدفت السلطنة مؤخرًا.

وأوضح لإذاعة “الوصال” (محلية)، أنَّ سلطان عُمان “قابوس بن سعيد”، لديه وثائق إذا أراد أن يكشفها فلن نحتاج لكل هذه الضجة، مضيفًا: “لكنه يمارس سياسة التهدئة داخليًا وخارجيًا”.

وبين المسؤول العماني أن “سياسة الصبر نفدت ولم يعد هناك قدرة على التحمل”.

تاريخ طويل من الصراع

والمعروف تاريخيًا، أن المنطقة التي تقع عليها الإمارات تسمى ساحل عمان، وكانت تابعة للسلطنة؛ والتي امتد نفوذها إلى شرق إفريقيا في تنزانيا وزنزبار ومناطق واسعة من ساحل كينيا كانت خاضعة لسيطرتها.

ودفع تنامي الدور الإماراتي لتثبيت نفوذه في محافظة المهرة باليمن على الحدود مع سلطنة عمان؛ قلق الأخيرة من استخدام هذه المحافظة، ورقة في مواجهتها بعد هيمنة أبوظبي على الجنوب اليمني.

والصراع الإماراتي العماني برز بشكل جلي في أغسطس 2017، خلال حملات التجنيس لأبناء المناطق اليمنية الحدودية.

وبدأت الإمارات تجنيس عدد من أبناء سقطرى، فردت عمان بحملة تجنيس أخرى لأسرتي رئيس الوزراء السابق “حيدر أبوبكر العطاس”، وسلطان المهرة الشيخ “عيسى بن عفرار”، شملت نحو 69 من أبناء الأسرتين.

لكن الرئيس اليمني “عبدربه منصور هادي”، أطاح بمحافظ المهرة الشيخ “محمد كده”، الحليف الأبرز لسلطنة عمان وحامل جنسيتها.

وهي الإطاحة التي كشفت عن ضغوط إماراتية كبيرة مورست عبر السعودية ضد “هادي” لإقالة الرجل.

والعلاقات بين الإمارات وسلطنة عُمان حساسة للغاية، والخلافات بينهما مكتومة ولكنها تطفو للسطح أحيانا.

وحسب تقارير صحفية، سبق أن دبرت أبوظبي محاولة للانقلاب على السلطان “قابوس بن سعيد”، لكن الأجهزة الأمنية العمانية أحبطتها.

وفي أكتوبر الماضي، كشف حساب “مجتهد الإمارات” الشهير على “تويتر” عن مؤامرة ضد سلطنة عمان يقودها ولي عهد أبوظبي الأمير “محمد بن زايد”، والقيادي الفلسطيني المفصول من حركة “فتح”، “حمد دحلان”، من خلال دعمهما للمعارضة العمانية المزعومة في مسندم وظفار.

وقال- في تغريدة له-: “محمد بن زايد ومستشاره دحلان يعملان على تمويل المعارضة العمانية في مسندم وظفار، والتواصل مع معارضين قطريين وتمويلهم أيضًا”.

وأكد في تغريدة أخرى أنه حتى الآن حسب المصادر (لم يسمِّها) تم تقديم ما يقارب الـ16 مليون دولار لوجهاء ومشايخ من محافظة مسندم.

“مجتهد الإمارات”، أشار إلى أن “محمد بن زايد” يعتبر إمارة مسندم إمارة محتلة من سلطنة عمان ويطلقون عليها اسم إمارة رؤوس الجبال.

وكانت عمان أعلنت نهاية يناير 2011 عن كشف شبكة تجسس إماراتية، وأشارت المصادر العمانية حينذاك إلى أن تلك الشبكة كانت تستهدف رصد مناطق عسكرية وحكومية، وهو ما نفته الإمارات.

لماذا مسقط؟

وبالبحث عن الأسباب حول الاستفزازات الإماراتية لسلطنة عمان، تبيّن أن ذلك يعود لعدة أسباب؛ منها اصطفاف مسقط إلى جانب الكويت، إذ لم تتخذ السلطنة موقفًا مؤيدًا للمحور الرباعي الذي شكلته كل من “الإمارات والسعودية والبحرين ومصر”، وإن كان دورها أقل وضوحًا في المفاوضات وجهود الوساطة بشأن الأزمة من الكويت.

كما أن الإمارات تتذرع في عدوانها الخفي على سلطنة عمان، بالاتهامات المباشرة التي وجهتها أبوظبي للسلطنة بتهريب الأسلحة والمعونات لجماعة أنصار الله الحوثي، عبر منفذي ميناء نشطون وصرفيت على الحدود في محافظة المهرة اليمنية.

ولعل ما أزعج الإمارات أيضًا من سلطنة عمان، استيراد مسقط عتادًا عسكريًّا تركيًّا؛ ضمن إطار اتفاقية تم توقيعها عام 2015 بين الجانبين.

ومن المخطط أن يقوم الجانب التركي بتزويد قوات السلطنة العمانية بـ 172 عربة مصفحة من هذا النوع، حتى عام 2020.

وتشمل هذه المجموعة مدرعات “بارس 3- 8×8″ و”بارس 3- 6×6” متعددة المهام، لتكون مسقط ثاني دولة تتسلّم عتادًا تركيًّا بالخليج العربي بعد قطر.

كما أن الإمارات تسعى للسيطرة على محافظة “مسندم”، والتي تحظى باهتمام كبيرة لدى أولاد زايد؛ حيث تقع في أقصى شمال سلطنة عمان، وتغطي ما يقارب 3000 كم من المساحة الإجمالية للسلطنة، ويفصلها عن بقية المناطق شريط من أراضي دولة الامارات العربية المتحدة، ويمثل موقعها على مضيق هرمز أهمية استراتيجية؛ كونه يقع على رأس أحد أهم خطوط الملاحة البحرية في العالم.

والإمارات كانت بدأت قبل عدة سنوات مشروعًا سياسيًّا استراتيجيًّا تعدّى حدود الطموح الاقتصادي بكثير؛ حيث تسعى للسيطرة على الموانئ المطلة على البحر الأحمر والقرن الإفريقي.

والناظر إلى خريطة الملاحة والموانئ في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي، سيلاحظ امتدادًا إماراتيًّا توزع ما بين اليمن والقرن الإفريقي ومصر على استحياء.

وذلك بعيدًا عن مناطق نفوذ السعودية التي تركت لها الإمارات “قيادة” الخليج والعالم الإسلامي، لتخلق لنفسها دورًا أشد أهمية وتأثيرًا خارج محيطها الإقليمي الخليجي المليء بالنزاعات ومحاولات السيطرة.