العدسة – بسام الظاهر
الصراعات في المنطقة وتحديدا بين السعودية وإيران تتصاعد بشكل كبير خلال الفترة الماضية، ولكن الأخطر أن هناك احتمالات كبيرة لتصل إلى مرحلة من الصدام.
ولكن هذا الصدام ربما لن يكون بشكل مباشر ولكن عبر “وكلاء” للطرفين في عدة دول تمارس فيها إيران نفوذها، وهو ما يقلق السعودية بشكل كبير.
ودفع تغلغل النفوذ الإيراني في المنطقة، السعودية إلى التفكير في تقويض هذا التوسع من قبل طهران والسعي للسيطرة على صناعة القرار وتحديدا في اليمن عبر جماعة “أنصار الله” –الحوثيين-.
وبدأت المملكة بعد تحكم محمد بن سلمان في القيادة في التفكير في مواجهة نفوذ طهران، بالتنسق مع الجانب الأمريكي بعد الهجوم على إيران من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
فما هى طبيعة التحركات الإيرانية في المنطقة؟، وكيف تواجه السعودية هذا النفوذ؟، وهل المنطقة مقبلة على حرب كبيرة خلال الفترة المقبلة؟.
خلافات المشروع
وقبل التطرق إلى النفوذ الإيراني في عدة دول والتحركات السعودية في المقابل، يجب أولا وضع الصراع بين طهران والرياض في سياقه الطبيعي.
السعودية تصدر دائما نفسها على أنها حامية الإسلام السني في المنطقة من التمدد والتوغل الشيعي الذي تقوده إيران بالتأكيد في عدة دول.
ولكن في حقيقة الأمر ومع العودة إلى دفاتر التاريخ، فإن الصراع بين الطرفين والتوتر الكبير في العلاقات لم يكن بصورته الحالية قديما، ويعد عام 1979 نقطة تحول فارقة في العلاقة بينهما، ولم يكن أساسه طائفي ومذهبي.
في هذا العام تمكن الإيرانيون من الإطاحة بالشاه وإعلان الجمهورية الإسلامية، لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع بين الطرفين، خاصة وأن طهران بدأت في محاولة تصدير الثورة إلى دول الخليج.
ولكن قبل هذا التاريخ كانت العلاقة جيدة إلى حد بعيد على الرغم من الاختلاف في المذهب، خاصة وأن إيران كانت منحازة إلى صف الولايات المتحدة الأمريكية، هذا على الرغم من احتلال طهران الجزر الإماراتية، ولكن مقضيات الصراع بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا قوض من مسألة الصراعات بين الطرفين.
وانحازت السعودية إلى صف العراق في حربها مع إيران والتي تعرف باسم “حرب الثماني سنوات”.
ولم تعرف العلاقات السعودية الإيرانية السير على النمط الواحد، ولكنها تتحسن قليلا ثم تعود للتوتر، فبعد وصول الإصلاحي محمد خاتمي إلى كرسي الرئاسة في تسعينيات القرن المنصرم، عاد التبادل الدبلوماسي بينهما.
وكان المحرك الرئيسي لتحسن العلاقات والتوتر، هو طبيعة الصراعات والأزمات في المنطقة، وتحركات إيران المستمرة على توسيع نفوذها في المنطقة، وبلغت ذروة الخلافات بين الرياض وطهران مع وصول الرئيس أحمدي نجاد للحكم.
إيران حاولت تكوين ما يسمى بالهلال الشيعي والذي يضم حزب الله في لبنان وسوريا والتوسع في العراق عقب الغزو الأمريكي عام 2003.
السعودية كانت تحاول مواجهة هذا النفوذ الإيراني والذي كان يرتكن بالأساس على الدعم العسكري لبعض حلفائها في المنطقة، من خلال الاحتماء في أمريكا.
ولكن مع تحكم محمد بن سلمان في الحكم بالسعودية، بدأ يفكر في مواجهة هذا النفوذ عسكريا في اليمن الدولة الجار في الجنوب، فضلا عن صناعة أذرع وتشكيل أوراق ضغط وإيجاد نوع من التوازن في الدول التي يتواجد فيها النفوذ الإيراني.
وثمة صراعات كبيرة بين السعودية وإيران في عدة دول حاليا بـ “الوكالة”، فما هى طبيعة التحركات بها؟.
” شاه إيران “
” الثورة الإسلامية الإيرانية “
صراع الحدود
الصدمة الكبيرة التي تلقتها السعودية خلال الأعوام القليلة الماضية، هو الانقلاب الحوثي من قبل جماعة “أنصار الله” –المدعومة من إيران-، على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، في سبتمبر 2014.
الصدمة تتعلق بالأساس أن إيران بدأت نقل المعركة والصراع بصورة كبيرة على حدود السعودية الجنوبية في اليمن، وهو ما يمثل تهديدا لأمن المملكة، ولكن كما كان في السابق مجرد تهديدات من الحوثيين للسعودية.
وهذه هى المحاولة الثانية لإنشاء بؤر توتر إيراني على حدود السعودية ومحاولة الوصول للسلطة، وكانت المحاولة الأولى في البحرين –التي تعرف بأنها إمارة سعودية- عام 2011.
ودخلت القوات السعودية – درع الجزيرة- إلى البحرين لإخماد انتفاضة شيعية –كما تم تصدير الأمر حينها-، لإنقاذ النظام الملكي هناك لسببين، الأول مرتبط بإخماد أي تحركات في إطار ثورات الربيع العربي يمكن أن تنتقل إلى دول الخليج كافة وتحديدا في الجارة السعودية.
أما السبب الثاني يتعلق بمنع سيطرة إيران على البحرين بما يهدد السعودية نفسها، بوجود نظام معادٍ لها على حدودها.
السعودية أسست لتحالف عربي لدعم الشرعية في اليمن، واستضافت الرئيس اليمني وحكومته في الرياض، وشنت غارات جوية بالتعاون من دول الخليج عبر إنزال قوات إلى هناك، ودعم القوات الداعمة لمنصور.
وأنفقت السعودية في اليمن مليارات الدولار بشكل مباشر، فضلا عن مليارات أخرى لزيادة الترسانة العسكرية للمملكة، وسط توقعات بوصول الإنفاق لنحو ترليون ونصف دولار.
في المقابل، أقدمت إيران على تقديم دعم عسكري كبير للحوثيين، وقال المتحدث باسم التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، العقيد الركن تركي المالكي، إن إطلاق صاروخ باليستي على الرياض عمل همجي من الجماعة الحوثية ومن ورائها.
وأضاف المالكي: “لولا دعم النظام الإيراني للحوثيين لما تم استهداف الرياض، لأن صواريخ الحوثيين لم تكن في ترسانة الجيش اليمني”، ولفت إلى أن خبراء إيرانيين قاموا بإيصال القدرات الباليستية إلى صعدة.
وعمدت السعودية بشتى الطرق لمنع وصول إيران إلى حدودها فتسعى لإخماد أي تحركات في البحرين، أما في اليمن فإن الجبهة مشتعلة تماما هناك حتى الآن.
ومع الخسائر السعودية في اليمن، لجأت إلى محاولة تفكيك تخالف الحوثيين مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، خاصة وأنها أنقذته من الموت أخيرا وعلاجه، لإضعاف جبهة الحوثيين.
وهنا فإن هناك لقاءات ترعاها الإمارات بين نجل صالح ومسؤوليين سعوديين، لتفكيك هذا التحالف مع الحوثيين، مقابل تصعيده للحكم، وهو ما يعني الإطاحة بهادي.
ولا يمكن في هذا المقام تجاهل الأخبار التي تحدثت عن الإقامة الجبرية لهادي في السعودية، والتي لا يمكن أن تنفيها لقاء الرئيس اليمني مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أخيرا للرد على هذه الأنباء.
الأزمة اليمنية ووجود مخططات لبن سلمان في توسيع نفوذ السعودية إقليميا ومواجهة إيران، ينذر بتصاعد الأزمة كثيرا خلال الفترة المقبل، خاصة مع التصعيد الكلامي بين الطرفين أخيرا، وتبادل الاتهامات.
” مظاهرة بحرينية “
“الحوثيين” على الحدود السعودية
سوريا
على المستوى السوري، فإن الدعم الإيراني لنظام بشار الأسد جليا لا يحتاج إلى أدلة، خاصة مع إرسال مقاتلين وقادة من الحرس الثوري الإيراني إلى هناك منعا لسقوط أحد أذرع طهران في المنطقة.
الدعم الإيراني ليس خفيا، إذ قال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني في 2015، إن التطورات في سوريا خلال الأيام القليلة القادمة ستُفاجِئ العالم، وذلك خلال تواجده في ريف اللاذقية آنذاك.
وأضاف: “سيفاجئ العالم ما نعد له نحن والقادة العسكريون السوريون حاليا، خلال الأيام القليلة القادمة”، وهو اعتراف واضح وصريح على التدخل في الشأن السوري.
السعودية كانت تعول كثيرا على أمريكا ودعم المعارضة المسلحة لإسقاط الأسد، وتقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرر وقف دعم المعارضة.
ووجدت المملكة ضالتها مع الرئيس الجديد، خاصة وأن سلفه باراك أوباما لم يكن داعما بشكل كبير لمواجهة النفوذ الإيراني بعد توقيع الاتفاق النووي في 2014.
بعد تقويض سيطرة المجموعات المسلحة المعارضة في سوريا، وحصارها في إدلب وبعض المناطق بحماة، فإن النفوذ الإيراني تصاعد كثيرا هناك بشكل ملحوظ، ولذلك لجأت السعودية إلى إيجاد موطئ قدم لها في سوريا من خلال الأكراد في الرقة.
وزار الوزير السعودي ثامر السبهان الرقة بعد طرد عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” منها بدعم أمريكي وتوفير غطاء جوي، تحت شعار إعادة الإعمار، تحت مظلة أمريكية لمواجهة النفوذ الإيراني.
وما كان من إيران إلا التحرك هى الأخرى في سوريا لمواجهة النفوذ السعودي، وأعلن علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني، أن إيران مستعدة للمشاركة في إعادة إعمار سوريا، متوعدا بـتطهير المناطق الشرقية في سوريا ثم إدلب غربي البلاد قريبا.
وألقى ولايتي كلمة أمام مليشيات إيرانية في سوريا، وقال: إن “الأعداء ظنوا مخطئين أنهم يستطيعون دخول سوريا خلال 7 أيام وها قد مضت سبع سنوات وكشفت مؤامراتهم”، من دون أن يحدد من يقصد بالأعداء.
وبدا من زيارة وتصريحات ولايتي، وجود مخطط إيراني حيال سوريا، يقضي بمحاصرة المعارضة في الشمال السوري فقط، مع إمكانية توجيه ضربة عسكرية له هناك خلال الفترة المقبلة.
زيارة “قاسم سليماني” لسوريا
زيارة “ثامر السبهان” للرقة
العراق
الهيمنة الإيرانية على العراق راسخة منذ سنوات طويلة، ولا تحتاج إلى التطرق إلى تفاصيلها، ولكن يكفي الإشارة إلى الدعم الكبير لميليشيات الحشد الشعبي التي تواجه تنظيم “الدولة الإسلامية”، والمدعومة من الحرس الثوري وتحديدا قاسم سليماني.
السعودية حاولت التنازع مع إيران على النفوذ هناك ورأت أن تقوية العلاقات واستخدام المال أفضل وسيلة لإيجاد موطئ قدم لها هناك وليس الصدام مع الأطراف القريبة من طهران بالأساس.
وأقدمت المملكة أخيرا إلى تدشين مرحلة جديدة من التحركات على الساحة العراقية تعتمد على رافدين، أولا استمالة بعض الأطراف هناك وبناء تحالفات والتأثير على صناعة القرار، وهنا فإن هناك خطوط اتصالات تم فتحها مع مقتدى الصدر.
وزار الصدر السعودية في أغسطس الماضي، والتقى ولي العهد، وتعتبر زيارة نادرة للمملكة.
وأصدر مكتب الصدر بيانا، وقال إن هناك توافقا بين آراء الصدر ومحمد بن سلمان حول عدد من القضايا التي تهم العراق.
وأخيرا، فإن السعودية أقدمت على إغراء الحكومة العراقية بالمال لكي يكون لها نفوذ في دوائر صناعة القرار، من خلال تدشين مجلس التنسيق العراقي السعودي.
وقال الملك سلمان بن عبدالعزيز، إن ما يربط السعودية بالعراق ليس مجرد الجوار والمصالح المشتركة وإنما أواصر الأخوة والدم والتاريخ والمصير الواحد.
زيارة “مقتدى الصدر” للسعودية
“الملك سلمان” و “حيدر العبادي”
لبنان
وفي أحدث بؤر التوتر بين السعودية وإيران، فإن لبنان تشهد أزمة شديدة في أعقاب استقالة سعد الحريري من منصب رئاسة الوزراء.
الأزمة ليست في استقالة الحريري، ولكن أيضا أنه أعلن عن قراره من السعودية التي يقيم فيها حاليا، وسط ما تردد عن تعرضه لمحاولة اغتيال في لبنان.
رئيس الوزراء المستقيل كان يقيم في السعودية قبل توليه هذا المنصب، ولديه علاقات قوية للغاية مع النظام السعودي، وبالتالي فإن أحد أذرع المملكة في لبنان، للحفاظ على دوائر النفوذ هناك.
ولكن يبدو أن الحريري لم يتمكن من إخضاع حزب الله الذي يتمتع بنفوذ كبير للغاية هناك تحت قوة السلاح، ولذلك فكان الاستقالة ربما مزيد من التحريض السعودي ضد إيران وذراعها هناك حزب الله.
وشن الحريري، هجوما حادا على إيران وميليشيات حزب الله بسبب تدخلهم في الشؤون الداخلية لبلاده، معربا عن خشيته من تعرضه للاغتيال.
هذه الاستقالة والتصريحات لا تنفصل عن لقاء جمعه مع ولايتي الذي يقوم بزيارة في المنطقة وتحديدا في الدول التي يتواجد فيها نفوذ طهران، خاصة بعد التصعيد الدولي والإقليمي تجاه إيران برعاية أمريكية وسعودية.
” سعد الحريري “
وبدا أن ولايتي الذي صرح بعد اللقاء بأن إيران تحافظ وتحمي استقرار لبنان، تحدث بشكل فج عن التدخل الإيراني في لبنان من خلال حزب الله.
وقال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، إن الأزمة التي يمر بها لبنان حاليا، ليست حصيلة اليوم وإنما بدأت منذ زمن، مبديا عدم دهشته من استقالة الحريري.
وأضاف جعجع: “البعض ينظر إلى استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وكأنها بدأت الآن، وإنما هي نتيجة تراكم طويل عريض لمخالفات قام بها فريق 8 آذار وحزب الله.. كنت أشعر أن ذلك سيحصل لكني كنت أتساءل عن التوقيت”.
وعلى الرغم من نشر وسائل إعلامية إيرانية أن استقالة الحريري كانت بإجبار من السعودية، وأنه تحت الإقامة الجبرية، إلا أن هناك نفيا لهذا الأمر.
وقال عضو كتلة المستقبل النائب نبيل دو فريج، إن الحريري لا يخضع للإقامة الجبرية في السعودية، وعودته يقررها الأمن الخاص به.
اضف تعليقا