الكثيرون من الأصدقاء العرب، المهتمون بالقضية المصرية، سألوني غير مرة عن معنى ودلالة كلمة “بلحة” التي يستخدمها المصريون على مواقع التواصل، لوصف عبد الفتاح السيسي، ولم يفهموا لماذا يتم ربط الكلمة دائما بتصريحات السيسي العبثية وكلامه الفارغ الذي لا ينتهي، عن ثلاجته التي ليس فيها غير الماء منذ عشر سنوات، وانجازاته التي لن يخبر عنها أحدا خوفا من عيون أهل الشر، وغيرها من التصريحات والتصرفات، والسيساويات المسجلة باسم الرئيس المصري المسخرة!
بلحة شخصية كوميدية هزلية قام بتمثيلها العملاق الراحل محمود عبد العزيز في فيلم “الدنيا على جناح يمامة”، وهي ليست الشخصية الأساسية التي يلعبها “عبد العزيز” في الفيلم، إنما هي شخصية هامشية ظهرت لدقيقة واحدة في أحد مشاهد الفيلم واختفت، ولم تعد للظهور أو التأثير في الوجدان الشعبي إلا مع وجود عبد الفتاح السيسي في قصر الاتحادية، بعد ٣ يوليو!
“بلحة”، في الفيلم، مجنون، نزيل مستشفى الأمراض النفسية والعصبية، أحداث الفيلم تدفع محمود عبد العزيز (الأسطى رضا) إلى توصيل زبونته إلى مستشفى المجانين، ليفاجأ بأن حارس المستشفى يشتبه فيه، وينادي على واحد من طاقم الممرضين الذي يمسك به باعتباره “بلحة” الهارب من المستشفى، يحاول الأسطى رضا أن يشرح لهم أنه ليس “بلحة” لكنهم يصرون، ويذهبوا به إلى الدكتور الذي يشاركهم الرأي بأنه بلحة بالفعل، يصرخ محمود عبد العزيز ويحاول تفهيمهم أنه ليس الشخص المقصود دون جدوى، فيطالبهم بالتأكد من وجود “بلحة” الحقيقي في غرفته، فإن كان هناك، فبها ونعمت، وإن لم يكن فهو بلحة وأمره إلى الله، يذهب الممرض ليجد بلحة الحقيقي في غرفته بالفعل، ويلعب مع أحد المرضى “شطرنج”، يطالبه الممرض بمرافقته إلى المدير فيرفض في غرور وعنجهية يليقان ب “رئيس عربي” ويقول لممرضه: “إذا كان المدير عايز يلعب معايا دور شطرنج خليه ييجي هنا عشان أفرج عليه الخلق دي كلها وأضربه بالجزمة”!
ينتهي دور “بلحة” بمواجهته مع “الأسطى رضا”، شبيهه، ولا يظهر ثانية على مسرح الأحداث إلا في قصر الاتحادية، بعد انقلاب عسكري دموي على “ثورة يناير”، هكذا يخبرنا المغردون المصريون على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين تصوروا أن وجه الشبه بين جنون “بلحة” السينيمائي، و”عبفتاح” الترسو، يسمح لنا بهذا التشبيه المجحف، والحقيقة أن الربط بين “بلحة” وبين “السيسي” فيه كثير من التجني في حق الأول لصالح الثاني، فالمجنون الذي ظهر في فيلم كوميدي لم يكن أكثر من مريض “بارانويا” يدفعه جنونه إلى احتقار الناس وشتمهم بألفاظ مثل “حمار” وتهديدهم بأن يفضحهم أمام الناس في “الشطرنج” وبأن يضربهم ب “الجزمة”، فأين هذا المجنون الطيب المسالم من “ابن المجنونة” الذي نشبهه به؟
الحقيقية أن السينما المصرية ليس فيها ما يشبه “بلحة” المؤسسة العسكرية إلا مشهد “الطور الهايج” في فيلم “بوحة” للكوميديان محمد سعد، يصرخ أحدهم: “فيه طور هائج في عنبر ٧”، يجري الناس هربا من الثور فيما يجري بطل الفيلم، ربما لجنونه، عكس الاتجاه، باتجاه العنبر، ويواجه الثور الذي يمسح به بلاط المجزر، إلا أن المواجهة بالأخير تنتهي بذبح “الطور الهايج” يخرج سعد أو بوحة الجزار بطل الفيلم وهو يحمل رأس الثور لتستقبله فرحة الناس، تهليل الرجال وزغاريد النساء، يحملونه على الأكتاف، ويصير بطلهم، الفارق بين الفيلم الكوميدي وواقعنا البائس أننا ما زلنا في مرحلة الصراخ: “فيه طور هايج في عنبر ٧”، ولم يظهر “بوحة” بعد، فالبعض يتصور أن “الثور الهائج” يمكن أن يهدأ بالتفاهم، ولذلك كلما هم أحدهم بالتحاور مع “الطور” عاد جثة أو شبه جثة!
لا يملك المصريون الآن غير الصراخ: الحقونا، فيه طور هايج في البلد بحالها، السيسي جاء بانقلاب عسكري دموي حاول شرعنته عبر انتخابات، لم ينزل أحد، لم يشارك أحد، ولولا موافقة “حمدين صباحي” على الترشح أمامه ما ترشح أحد، حكم مصر ٤ سنوات اقترف فيها من الجرائم ما يجل من الظلم البين تشبيهه ب “الثور”، فالثيران أكثر ألفة بكثير، انتهت مدته أو أوشكت، “فكر” البعض، مجرد التفكير، في المشاركة في الانتخابات بهدف إزاحته، خاصة مع تحول “شعبية السيسي” التي كانت واقعا في ٣يوليو ٢٠١٣ إلى “كراهية” و”نفور” و”احتقار” و”خيبة أمل” عند غالبية الشعب المصري، بشرائحه الاجتماعية المختلفة، والتي أيدت السيسي في بادئ الأمر!
الفريق أحمد شفيق، واحد من رجال مبارك السابقين، ابن الدولة المصرية، ابن المؤسسة العسكرية عضو المجلس العسكري السابق، وزير الطيران السابق، رئيس وزراء مصر السابق، مرشح الرئاسة السابق، ووصيف محمد مرسي في أول انتخابات رئاسية حقيقية في تاريخ مصر، ما يقرب من نصف المصريين انتخبوا شفيق بعد ثورة شعبية أطاحت برأس النظام الذي كان شفيق أحد أهم وأخلص رجاله، حاول شفيق الترشح، أعلن عن مغادرته لمنفاه الاختياري في الإمارات ورجوعه إلى مصر لخوض انتخابات الرئاسة، رفض الإماراتيون، حلفاء السيسي وحجزوا الرجل لديهم واتهموه بنكران الجميل وظل الأمر معلقا إلى أن استعدت القاهرة لاستقبال شفيق، لم يسمحوا له في الإمارات، بل “رحلوه”، دخل مصر، واختفى “قسريا” في ظروف غامضة، بعدها قالوا لنا أن شفيق نزيل أحد الفنادق لأن شقته “وسخة”، وغير صالحة لاستقباله، وبعد أيام خرج “شفيق” في مداخلة مع الإعلامي وائل الإبراشي ليعلن أن مصر تستحق من هو أفضل منه!
العقيد أحمد قنصوة، ضابط مهندس بالجيش المصري، فعل مثلما فعل السيسي بالضبط، وهو التقدم باستقالته من الخدمة العسكرية، وإعلان ترشحه لانتخابات رئاسة الجمهورية ٢٠١٨، تم رفض استقالته، وبمجرد إعلانه عن “نيته” الترشح، تم تحوله إلى المحكمة العسكرية وصدر حكم فوري وسريع بالسجن ٦ سنوات، واختفى “قنصوة” الذي يحمل من الشهادات والمؤهلات عشرة أضعاف ما يملك السيسي وكل أعضاء المجلس العسكري قاطبة، وغيبته ظلمات السجون
المحامي والحقوقي خالد علي، محامي كبير وحقوقي له تاريخ محترم ومشرف، ومرشح رئاسي سابق، وواحد ممن تصدوا لبيع جزيرتي تيران وصنافير، أعلن عن ترشحه للرئاسة، وبدأ في جمع التوكيلات، ٢٥ ألف توكيل، حجم الانتهاكات التي تعرضت لها حملة خالد علي تحتاج إلى مقال من عشر صفحات، القبض على مواطنين ققروا توكيله، تهديد مواطنين، خداع مواطنين بتوكيلات غير قانونية، رزالة بعض السفارات المصرية مع بعض المواطنين الذين أرادوا توكيل خالد علي ل “تطفيشهم”، مهاجمته والخوض في عرضه السياسي، والسخرية منه، وعدم السماح له بالظهور على أكثر من قناة، كل هذا ونحن نتحدث عن مرشح مدني، لا يحيى بتأييد المؤسسة العسكرية، ولا أي مؤسسة أخرى من مؤسسات الدولة، وليس له حظوظ مع الإسلاميين، ولم يترشح ليفوز أصلا وإنما لانتزاع الحق السياسي بالترشح والانتخابات وبناء تيار سياسي حقيقي خارج أسوار أجهزة الأمن، مجرد الحلم بخوض التجربة واجه كل هذه الصعوبات وفي الأخير انسحب خالد!
الفريق سامي عنان، رئيس أركان الجيش المصري السابق، أعلن عن ترشحه، وأعلن عن نائبين له حال نجاحه هما المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، القاضي السابق، الضابط السابق، واحد من أبناء الدولة المصرية ومؤسساتها الرقابية والتنفيذية والقضائية، مر بكل اختبارات “انتقاء” الرجل، وتحريات أجهزة الأمن، “صاغ سليم” كما يقول المصريون، والنائب الآخر هو الدكتور حازم حسني أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة المشهود له من الجميع بالسيرة الطيبة والمسيرة العلمية والأكاديمية المشرفة
الفريق عنان تم اختطافه من سيارته وإخفائه قسريا ولا يعلم المصريون عنه أي شيء حتى كتابة هذه السطور، ونائبه الأول المستشار هشام جنينة تم الاعتداء عليه بواسطة بلطجية مسلحون، بالمطاوي والسنج، وهو الآن طريح الفراش بإصابات دامية في الرأس والركبة، وأجزاء من الجسم، ولم يفت “مشرف” العملية أن يذهب بالبلطجة منفذ العملية إلى قسم الشرطة ليحرر محضرا يتهمون فيه المستشار هشام جنينة بالاعتداء على البلطجي!!!
“الحقونا”، ليس مجرد عنوان لمقال، إنما هو نصيب الغريق من الصراخ، وهو كل ما للمصريين الآن مع هذا المجنون المعتوه، المحتل لمصر، بكل ما تحمله الكلمة من دلالات وحمولات سياسية وتاريخية، “الحقونا”، عنوان لحملة سأطلقها وقت نشر هذا المقال على مواقع التواصل بالعربية والإنجليزية، حتى يكتب المصريون عن تجاربهم مع “الطور الهايج في عنبر ٧” ورجاله في مؤسسات الدولة طوال ٤ سنوات عجاف، “الحقونا” محاولة جديدة لتوثيق تاريخ سياسي وشعبي يزورونه أمام أعيننا ونحن لا نملك سوى مزيد من المقاومة والصراخ: #الحقونااااااااااااااااااااااااااااا
اضف تعليقا