كشفت تقارير مسربة عن انخراط وزارة الخارجية البريطانية في مفاوضات سرية مع قوات الدعم السريع التي تنفذ حملة تطهير عرقي وإبادة جماعية منذ أشهر ضد المدنيين في السودان، وبالرغم من كل الجرائم التي ترتكبها هذه الميليشيات، كشفت التقارير عن تورط مسؤولين في وزارة الخارجية البريطانية في عقد اجتماعات ولقاءات دون أي اعتبار لحقوق الإنسان والقيم البريطانية.

قوبلت هذه التقارير بموجة غضب عارمة خاصة بين صفوف المجموعات الحقوقية التي اعتبرت أن هذه المفاوضات إضفاء شرعية على جرائم الحرب والانتهاكات التي ترتكبها هذه الميليشيات، فضلًا عن أن هذه المحادثات تقوض مصداقية بريطانيا الأخلاقية في المنطقة.

ووصفت إحدى جماعات حقوق الإنسان فكرة دخول المملكة المتحدة في مفاوضات مع قوات الدعم السريع بأنه أمر “صادم وغير أخلاقي” خاصة مع توفر أدلة على ارتكاب هذه الميشيليات فظاعات لا تحتمل، كما نشرت الولايات المتحدة تقارير في ديسمبر/كانون الأول، اتهمت خلالها الميليشيات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية من خلال المذابح وعمليات اغتصاب واسعة النطاق بحق النساء، كثيرون منهم من جماعة المساليت العرقية الأفريقية.

تأتي هذه التقارير الصادمة حول مفاوضات الحكومة البريطانية وقوات حميدتي مع دخول الحرب الأهلية السودانية بين الجيش السوداني والدعم السريع عامها الأول، ومنذ ذلك الحين قُتل آلاف المدنيين السودانيين، بينما أُجبر أكثر من 8 ملايين على الفرار من منازلهم، ويعاني 18 مليون شخص من مستويات أزمة انعدام الأمن الغذائي.

ومن بين الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، عمليات العنف في دارفور الذي ذكر تقرير للأمم المتحدة أنها خلفت ما يصل إلى 15 ألف قتيل في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، وقد اعتبر الكثيرون هذه المجزرة مشابهة لمجازر الإبادة الجماعية التي شهدتها المنطقة قبل عقدين من الزمن.

وقد أدت مثل هذه الفظائع، بالإضافة إلى التقارير التي تفيد بارتكاب مقاتلي قوات الدعم السريع عمليات قتل خارج نطاق القضاء، ونهب المساعدات، واغتصاب النساء والأطفال على نطاق واسع، إلى إضعاف شرعية الجماعة بشكل كبير بين الشعب السوداني.

وبالرغم من كل هذه الجرائم والتحذيرات، كشفت منظمة استجابة حرية المعلومات (FoI) أن كبار مسؤولي وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية (FCDO) حرصوا على إجراء محادثات مع قوات الدعم السريع، وكان آخر اجتماع بين المملكة المتحدة والميليشات الشهر الماضي.

جاء في تقرير “حرية المعلومات” ما يلي: “لقد حاولت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الاتصال بممثلين من قوات الدعم السريع ونجحت في ذلك… وكان آخر اتصال ناجح يوم الأربعاء 6 مارس/آذار عندما التقى مسؤولون من وزارة الدفاع والأمن مع ممثلين عن قوات الدعم السريع”.

وأضاف مسؤولون بريطانيون أنهم، حتى الآن، لم يلتقوا بقائد قوات الدعم السريع الدموي، محمد حمدان دقلو، المعروف على نطاق واسع باسم حميدتي. حميدتي (49 عامًا) هو قائد سابق لميليشيات الجنجويد – سلف قوات الدعم السريع، التي اتُهمت بارتكاب أعمال عنف إبادة جماعية في دارفور في عام 2003 – وقد تحالف مؤخرًا مع روسيا ومرتزقة فاغنر التابعين لها.

وفي يناير/كانون الثاني، أطلق حميدتي جولة دبلوماسية في دول أفريقية فيما قال مراقبون إنها محاولة لتصوير نفسه كزعيم شرعي، وزار جيبوتي وإثيوبيا وكينيا ورواندا وأوغندا وغانا وجنوب أفريقيا بعد أسابيع من قيام رئيس الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، بجولة مماثلة حيث حاول الجنرالان حشد اللاعبين الإقليميين إلى جانبهم من الصراع.

وقال الدكتور شاراث سرينيفاسان، المدير المشارك لمركز الحوكمة وحقوق الإنسان بجامعة كامبريدج، إنه على الرغم من أنه يتفهم أن المملكة المتحدة ربما لديها أسبابها للتحدث إلى قوات الدعم السريع، إلا أن هذا النهج لم يؤد إلا إلى تأجيج العنف في السودان.

وأضاف: “التفاوض مع الرجال الذين يحملون الأسلحة كان جزءاً من استمرار العنف والاستبداد في السودان على مدى العقدين أو الثلاثة عقود الماضية… البراغماتية لم توصلنا إلى أي مكان.”

وأضاف سرينيفاسان، الخبير في إخفاقات صنع السلام في السودان: “علاوة على ذلك، عندما ترتكب قوات الدعم السريع جرائم لا حصر لها ضد الإنسانية تستهدف المجموعات العرقية، والنساء والأطفال، ثم تتفاوض معها، فأنت تضع الكثير من المصداقية الأخلاقية واللياقة على المحك”.

من جانبها قالت مادي كروثر، المديرة المشاركة للمنظمة الحقوقية Waging Peace  “لقد صُدمت… يبدو الأمر وكأنه طعنة بالنسبة للسودانيين”.

وتابعت أن المغتربين السودانيين في جميع أنحاء العالم سيستقبلون الأخبار التي تفيد بأن المملكة المتحدة تتحدث سراً مع قوات الدعم السريع باعتبارها “إساءة كاملة للثقة التي وضعها الناس في المملكة المتحدة والقوى الأخرى للتفاوض أو الدفاع نيابة عنهم”. 

وقالت كروثر: “ستكون هناك صدمة مطلقة، وشعور حقيقي بالخذلان التام من قبل حكومة المملكة المتحدة”.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا