العدسة – معتز أشرف
في تقرير جديد لمركز كارينجي للدراسات، بالتزامن مع انتهاء الانتخابات الرئاسية في مصر وظهور مؤشرات أولية عن فوز مريح للديكتاتور عبد الفتاح السيسي، برز سؤال صادم للمركز وهو: “هل المصريون نادمون اليوم على أفول عهد حسني مبارك؟”، وجاءت الإجابات صامدة، لتؤكد بحسب محللين بارزين وشباب أن الندم هو سيد الموقف لدى عموم الشعب المصري الذي يهتم بأكل العيش لا حقوق الإنسان والديمقراطية.
أمنيات متكررة !
د.عمرو حمزاوي باحث أول في مركز الديمقراطية والتنمية وسيادة القانون في معهد فريمان سبوغلي للدراسات الدولية في جامعة ستانفورد أكد في تقرير مركز كارينجي للدراسات الذي وصل العدسة، أنه قبل تسلم عبد الفتاح السيسي الحكم في صيف العام 2013، وقف عدد من المواطنين المصريين في وجه حكم الإخوان المسلمين وشكّكوا في الانفتاح الذي أدخلته انتفاضة العام 2011 إلى معترك السياسة المصرية، وضمّت هذه المجموعات المُعارضة في الغالب: أقباطاً، وشريحة كبيرة من الطبقة الوسطى المدنية والطبقة الأكثر ثراء، وبيروقراطيي نخبة الدولة، إضافةً إلى ضباط رفيعي المستوى في السلك الأمني، ومثقفين علمانيين ميّالين إلى الأوتوقراطية، وكلهم تحسّروا على أيام الرئيس السابق حسني مبارك، حيث انتاب هذه المجموعات خوف من فقدان مفهوم النظام العام والاستقرار، وفي نهاية المطاف سقوط الوضع السائد الذي كفل امتيازاتها وكان مبارك يرعاه، لذلك أعربت عن ترحيبها بانتهاء الانفتاح السياسي وبروز نظام حكم أوتوقراطي جديد انطلق منه السيسي للاستيلاء على السلطة. بعدها، لم يعودوا يتحسّرون على مبارك.
وأضاف أنه مع ذلك، باتت مجموعات أخرى، منذ صيف 2013، تتمنّى لو تعود أيام مبارك، والمفارقة أنّها تضمّ بعضًا من أبرز معارضيه في العام 2011. وقد أصبح العديد من الناشطين المناصرين للديمقراطية في المجتمع المدني ومن داخل الحركات الطلابية والعمالية، الذين كانوا في الصفوف الأولى خلال احتجاجات العام 2011 المطالبة بإنهاء حكم مبارك الذي دام 30 عامًا، ويتعطّشون الآن إلى نوع من المجال العام التعدّدي الذي كان يرعاه. هذه التعدّدية الجزئية تبخّرت تحت الحكم الأوتوقراطي للسيسي. فوسائل الإعلام مثلاً باتت إما خاضعة بالكامل إلى سيطرة الجهاز الأمني أو محظورة، ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية إما مروّضة أو عرضة إلى المضايقات، وقادة المعارضة قابعون في السجون، يواجهون إما احتمال البقاء فيها أو النفي!.
الدولة الضائعة !
جورج فهمي الباحث في برنامج اتجاهات الشرق الأوسط في مركز روبرت شومان للدراسات المتقدّمة في معهد الجامعة الأوروبية، فيسولي، يرى أن العديد من المصريين نادمون على أفول عهد الرئيس السابق حسني مبارك، لكن حين يحاول المرء فهم الدوافع الكامنة وراء هذا الإعلان الاستفزازي، يعي أنه يعكس خيبة أمل الناس من طريقة إدارة مرحلة ما بعد مبارك، أكثر مما ينمّ عن رغبةٍ في عودة مبارك إلى سُدة الحكم، موضحا أن مبارك حكم مصر طيلة 30 عاماً، ويُجمع معظم المصريين على أن التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها البلاد راهنًا، ناجمة بشكلٍ مباشر عن سياساته، فهذه السياسات هي ما دفع العديد من المصريين إلى الثورة عليه في يناير 2011، آملين بإرساء نظام ديمقراطي يصون حقوق الإنسان، ونظام اقتصادي يسعى إلى ترقية العدالة الاجتماعية. لكن ذلك لم يحصل، بل ولّدت المرحلة الانتقالية خيبة أمل عميقة في أوساط المصريين، ليس من السياسيين وحسب، بل أيضاً من السياسة نفسها باعتبارها وسيلة لإحداث تغيير. إذن، لا يتحسّر المصريون على مبارك، بل على ضياع فرصة بناء دولة مصرية مختلفة في العام 2011.
نعم مدوية
من جانبه يرى محمود سالم “كاتب ومحلّل” أن الإجابة القصيرة على هذا السؤال الذي طرحه كارينجي في تقريره، هي “نعم” مدوّية، إنما ليس للأسباب التقليدية المتعلّقة بالقمع وانتهاكات حقوق الإنسان، فباستثناء فئة من المجتمع تهتم ببقاء المجتمع المدني وحقوق الإنسان والعملية الديمقراطية، ترى غالبية السكان أن هذه مفاهيم ساذجة ولاعلاقة لها بها إطلاقاً، كما أن الدافع الأول وراء السخط الشعبي ينبع من تردّي الظروف الاقتصادية، وهو ما تتحمّل مسؤوليته الحكومات المتعاقبة في عهد السيسي، فبذريعة فرض إجراءات تقشّف ضرورية، ألغت الحكومة الدعم على العديد من السلع والخدمات، بدءًا من الوقود ومرورًا بالكهرباء ووصولاً إلى الخبز، كما أدّى التأخر في تحرير العملة الوطنية لمدّة سنة ونصف السنة إلى تداعيات عدّة عندما آن أوان تعويم الجنيه الذي خسر أكثر من 60 في المئة من قيمته، وارتفع معدّل التضخّم بشكلٍ كبير، وترافق ذلك مع إغلاق العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة أبوابها، بسبب الضرائب والرسوم الجديدة المفروضة على القطاع الخاص بمختلف أطيافه، كما شهد الاقتصاد الذي يقوده القطاع الخاص في الأعوام السبعة الأخيرة من عهد مبارك، نموًا بنسبة 7 في المئة لسنوات متتالية، وسعرًا أدنى بكثير للدولار مقابل الجنيه، في ظل امتناع نظام مبارك عن تقليص الدعم الحكومي أو زيادة الضرائب وهذه أمور من الصعب ألا نتحسّر عليها.
استياء يتلاشي !
نيرفانا محمود، محلّلة لقضايا الشرق الأوسط، ترى أنه حتى العام 2013، كان يُرجّح أن يكون مثل هذا السؤال مسيئاً للعديد من المصريين الذين ثاروا ضد الرئيس السابق حسني مبارك، لكن اليوم برز عنصر الحنين إلى أيام ما قبل الثورة التي كانت تتّسم بهدوء أكثر قبل العام 2011، وبعد الاضطرابات التي عصفت بالبلاد وسط شتّى أشكال السلطوية، من السهل الانجرار نحو تحريف أحداث الحقبات الماضية، خاصة أن الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي لا يرى نفسه رجل سياسة، بل باني دولة، ويعتبر أن الحكم شبه السلطوي، كالذي تبنّاه مبارك، هو القوّة الكامنة وراء التقهقر التدريجي للدولة المصرية، وأثار أسلوبه المتعنّت بعض التقدير للمرونة السياسية التي كان يُبديها مبارك، لكن على الرغم من هذه المرونة، فشل مبارك في تطبيق أي إصلاحات سياسية واقتصادية ودينية جديّة كان يمكن أن تحول دون اندلاع الاضطرابات اللاحقة، وقد ترك هذا الفشل شعوراً عميقاً بالاستياء، لا يمكن تناسيه حتى مع جرعة كبيرة من الحنين إلى الماضي، ولكن بعد مرور سبع سنوات على رحيله، مازال المصريون غير نادمين على مبارك، لكنهم تعلّموا على الأرجح عدم الاستياء منه كثيرًا.
حنين مسموم!
ووفق مراقبين فإن الأزمات الصعبة التى يعيشها ملايين المصريين خلال الفترات الماضية، أصبحت أكبر من قدرتهم على الاحتمال، لدرجة أنها ألهبت شعورهم بالحنين للرئيس مبارك حتى أصبحت أكثر أحلامهم جموحا هو عودة مستويات المعيشة إلى ما كانت عليه أيام حكمه، رغم فساد نظام حكمه، ومشروع توريث الحكم لابنه جمال، وسيطرة شلة المحاسيب على مقدرات البلاد، وانهيار مؤسسات التعليم والصحة، وانسداد أى أفق للتغييرالسلمى من داخل النظام، وبالقطع فإن السبب فى هذا الحنين يعود فى الأساس إلى أن مستويات المعيشة كانت أفضل بكثير مما هى عليه الآن، وحتى المعارضون لمبارك يكادون يتحسرون على أيامه، فقد كانت أمامهم مجالات للعمل والحركة خاصة خلال الانتخابات، لا يحلمون – رغم هامشها الضيق – بتوافر ولو حتى ربعها فى عهد السيسي.
اضف تعليقا