لم يكن الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في صفقات التبادل الأخيرة سوى محطة جديدة في مسلسل الخذلان العربي، إذ اصطدم الأسرى المبعدون بواقع مرير من الرفض والمماطلة من الدول العربية، في وقت كان يُفترض أن يكون استقبالهم واجبًا وطنيًا وإنسانيًا.
اللافت أن الأردن، الذي يحمل بعض الأسرى الفلسطينيين جنسيته، لم يبدِ أي موافقة على استقبالهم، في موقف يعكس تراجع الالتزام الرسمي تجاه القضية الفلسطينية، رغم العلاقات الوثيقة التي تربط عمّان بالضفة الغربية.
على الجانب الآخر، لم يكن موقف مصر مختلفًا كثيرًا، حيث اكتفت بـ”كلمة” بالموافقة على استقبال الأسرى المحررين المنتمين لحركة فتح، فيما يبدو محاولة للحفاظ على التوازنات السياسية دون تقديم التزام حقيقي تجاه بقية الأسرى، لا سيما أولئك المرتبطين بفصائل أخرى مثل حماس والجهاد الإسلامي.
تركيا وباكستان تستجيبان.. والجزائر وتونس تماطلان
في ظل التخاذل العربي، جاءت تركيا في مقدمة الدول التي أبدت استعدادها لاستقبال الأسرى، حيث وافقت على استقبال 11 أسيرًا مقدسيًا، مع إمكانية استقبال 19 آخرين لاحقًا.
أما الجزائر وتونس، ورغم تاريخهما الطويل في دعم القضية الفلسطينية، فقد فضّلتا التلكؤ والمماطلة، حيث لم تقدّما ردًا واضحًا حول إمكانية استقبال الأسرى المبعدين، رغم القنوات الدبلوماسية المفتوحة رسميًا مع الفلسطينيين.
في المقابل، برز موقف باكستان بموافقة مبدئية على استقبال مجموعة من الأسرى، ما يعكس تناقضًا صارخًا بين مواقف بعض الدول الإسلامية التي أبدت استعدادًا حقيقيًا لدعم الأسرى، وبين المواقف العربية التي تميزت بالتردد والتخلي.
معاناة الأسرى المبعدين
إلى جانب معضلة الإبعاد والرفض، واجه الأسرى الفلسطينيون المحررون تحديات مالية صعبة، حيث اضطرت السلطة الفلسطينية إلى تخصيص مبلغ 1500 دولار لكل أسير، دُفع من الصندوق القومي الفلسطيني، ووُصف في بيان رسمي بأنه “مكرمة” من الرئيس محمود عباس، وكأن الأسرى بحاجة إلى “مكرمة” بدلًا من حقوقهم المستحقة.
أما حركة حماس فقد قدمت دعمًا ماليًا بلغ 1000 دولار لكل أسير بغض النظر عن انتمائه الفصائلي، في خطوة تهدف إلى سد جزء من الفجوة المالية التي تركتها السلطة. في الوقت ذاته، رفضت مصر تحمل تكاليف إقامة الأسرى المحررين المبعدين على أراضيها، بينما تدخلت قطر لتغطية تلك التكاليف، حيث تم إيواء الأسرى في فندق “سانت ريجيس” بالعاصمة الإدارية.
هذه المفارقات تكشف حجم التقاعس العربي عن تقديم الدعم الحقيقي للأسرى، وتعيد إلى الأذهان ممارسات سابقة، مثل إبعاد الأردن للأسيرة الفلسطينية أحلام التميمي، التي بقيت في المنفى بعد رفض عمّان السماح لها بالبقاء رغم حملها للجنسية الأردنية.
ختامًا: بين الاستهداف الإسرائيلي والتخلي العربي
يواجه الأسرى الفلسطينيون مرحلة صعبة بعد الإفراج عنهم، حيث لا تقتصر معاناتهم على الاحتلال الإسرائيلي فحسب، بل تمتد لتشمل تخلي الدول العربية عنهم، وتركهم لمصير مجهول في ظل قرارات الإبعاد التعسفية.
بينما تتحدث بعض العواصم العربية عن دعم القضية الفلسطينية، تبدو هذه المواقف مجرد شعارات فارغة، لا تعكس أي التزام حقيقي تجاه الأسرى الذين ضحّوا بسنوات عمرهم في سجون الاحتلال.
في المقابل، تبرز تركيا وباكستان كنموذجين لدول خارج الإطار العربي قدّمت خطوات ملموسة، ما يطرح تساؤلًا كبيرًا حول مستقبل العلاقة بين القضية الفلسطينية والمحيط العربي، وما إذا كان هذا التخلي سيتحول إلى نهج دائم، يدفع الفلسطينيين للبحث عن حلفاء جدد خارج البيت العربي.
اضف تعليقا