تصاعد الخلاف بين السعودية والإمارات بشكل غير مسبوق خلال الأيام الأخيرة، وقد ظهر ذلك في كثير من الأشكال. حيث أفادت صحيفة “البيان” الإماراتية بأن شركة “طيران الإمارات”، قررت تعليق جميع رحلات الركاب من وإلى السعودية حتى إشعار آخر. 

وبحسب ما نقلت “البيان” عن الشركة، فإن “قرار التعليق الذي سيسري اعتبارًا من الأحد، 4 يوليو 2021، في تمام الساعة 23:00 بالتوقيت المحلي، جاء وفقًا لتعليمات الهيئة العامة للطيران المدني السعودية”، لافتة إلى أنه “لن يتم قبول المسافرين الذين يصلون إلى السعودية كوجهتهم النهائية في أو بعد 5 يوليو 2021، للسفر في نقطة انطلاقهم الأصلية”.

كما تبع هذا القرار قرار آخر “بتشغيل رحلات إضافية من وإلى جدة والرياض والدمام يوم 4 يوليو، لنقل العملاء الراغبين بالعودة إلى المملكة العربية السعودية، وإعادة المواطنين والمقيمين من المملكة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة”. وهو القرار الذي بدا فيه الأمر وكأنه هناك طرد لمواطنين كل طرف إلى الطرف الآخر، ولو بشكل مؤقت.

إلغاء الإعفاء الجمركي بين السعودية والإمارات

ولم تكن هذه هي الإشارة الوحيدة على الشقاق المتنامي بين نظامي أبو ظبي والرياض، حيث أفادت تقارير إعلامية أنه تم إلغاء الإعفاء الجمركي بين السعودية والإمارات. ورغم أنه لم تعلن أي جهات رسمية في السعودية عن تفاصيل إلغاء الإعفاءات الجمركية على كل ما هو وارد من الإمارات، إلا أن العديد من التجار أكدوا أن تكدس شاحنات عديدة على الحدود السعودية الإماراتية وفرض رسوم جمركية على جميع الواردات إلى السعودية، وهو الأمر الذي يؤكد إلغاء الإعفاء الجمركي بين السعودية والإمارات.

حيث تعتمد السعودية بشكل كبير على الواردات من الإمارات من منطقة جبل علي إلى السعودية مباشرة، وهناك الكثير من السلع والمنتجات والمواد الخام والأجهزة التي تستوردها الإمارات وتوردها إلى السعودية. لذلك فإن إلغاء الإعفاء الجمركي يدل على أن السعودية تتجه إلى استيراد وتوريد المنتجات المختلفة بنفسها دون الحاجة إلى الإمارات كمورد لها للكثير من السلع والمنتجات والمواد وغيرها. وبالتأكيد فإن هذا الأمر سوف يؤثر على الأسعار في المملكة وعلى اقتصاد الإمارات كذلك.

توترات بسبب إنتاج النفط

أما المظهر الأوضح حتى الآن للخلافات المتنامية بين أبو ظبي والرياض هو الخلاف حول إنتاج النفط، رفضت الإمارات خطة يجري التفاوض حولها بين أعضاء تحالف “أوبك بلاس” حول تمديد استراتيجية خفض إنتاج النفط الحالية. واقترحت الإمارات فصل تمديد اتفاق خفض الإنتاج بين الدول المصدّرة عن مسألة مناقشة مستويات الإنتاج نفسها، ما أدى إلى خروج اجتماع تحالف الدول المنتجة للنفط عن مساره الأسبوع الماضي والفشل في التوصل إلى اتفاق. 

وتقع نقطة الخلاف بين السعودية والإمارات في هذا الشأن في أن الإمارات ترغب في فتح نقاش حول زيادة في مستويات الإنتاج قبل الموافقة على تمديد الاتفاق إلى ما بعد نيسان/أبريل، تاريخ انتهاء الاتفاق الحالي، بينما تؤيّد السعودية وروسيا اللتان تقودان تحالف “أوبك بلاس” تمديد الاتفاق كما هو حتى كانون الأول/ديسمبر 2022.

ولذلك، فإن وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان صرح أن جميع أعضاء التحالف قبلوا المبادرة السعودية-الروسية باستثناء “دولة واحدة”، في إشارة إلى رفض الإمارات. وشن الوزير السعودي هجومًا على الإمارات منتقدًا سكوتها في السابق، رغم أن لديها تحفظات على الاتفاق. ويدل تصريح وزير الطاقة السعودي على أنه قد فاض الكيل لدى المملكة من أفعال نظام عيال زايد، الذين يسعون لتقزيم السعودية.

خلافات عديدة مسكوت عنها..

هذه المظاهر السابقة للخلاف ترجع جذورها إلى اختلاف بيّن في سياسات السعودية والإمارات، حيث تعمل الأخيرة على تقويض مصالح السعودية في المنطقة، وتقزيم دور المملكة في سبيل الإعلاء من شأن الإمارات الإقليمي. على سبيل المثال، تعمل الإمارات ضد مصالح السعودية في حرب اليمن. ففي حين تحاول السعودية الحفاظ على حدودها والتصدي لجماعة الحوثي، خرقت الإمارات مبادئ التحالف العربي لدعم الشرعية الذي تقوده السعودية، وتحالفت مع انفصاليي الجنوب الذين يحاربون الحكومة الشرعية المدعومة من السعودية.

هذا التصرف الإماراتي الأحادي أضعف التحالف المناهض لجماعة الحوثي وكلف السعودية كثيرًا في الحرب. كما أرهقها في جولات تفاوض ماراثونية لكبح جماح النزاع المسلح بين مكونات التحالف الوطني لدعم الشرعية. كذلك فإنه عندما وصل الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى رئاسة الولايات المتحدة، انسحبت الإمارات من التحالف الوطني وتركت السعودية وحدها لتستقبل الانتقادات الأمريكية بشأن الحرب الكارثية في اليمن.

بالإضافة إلى ذلك استخدمت الإمارات السعودية لحصار قطر، وحين محادثات المصالحة، اعترضت الإمارات عليها، في حين كانت السعودية أكثر الأطراف رغبة لإنهاء الخلاف الخليجي، لأنها كانت من أكثر المتضررين منه. وليس التطبيع ببعيد عن أسباب الخلاف أيضًا، حيث ارتمت الإمارات في أحضان دولة الاحتلال الإسرائيلي، وحاولت جر السعودية لهذا المستنقع. الأمر الكفيل بتدمير وضع المملكة الروحي في العالم العربي الإسلامي، وسلب السعودية أحد أهم أوراق ثقلها عبر تاريخها.

وكانت الدولتان تحاولان كتم هذه الخلافات وحجبها عن الإعلام بحيث لا تهتز صورة التحالف بينهما، لكن من الواضح أن كثرة الخلافات وتعدد مجالاتها – من الاقتصاد إلى السياسة إلى الأمن القومي- أجبرت الطرفين على التحدث وعدم كتم الخلافات. وليس من المعروف إلى أي مدى يمكن أن يصل الخلاف بين الجارتين الخليجيتين، حيث إن لديهما تضارب في بعض المصالح، لكن لهما مصالح أخرى مشتركة، منها الحفاظ على نظامي الدولتين وقمع المعارضين وعلمنة المجتمع. ولذلك من الممكن أن يحاول الطرفان الجلوس والتحاور حول سبل حل هذه المشكلات. لكن من المؤكد أن هذه العملية لن تكون يسيرة لتعدد وعمق الخلافات.