العدسة – معتز أشرف:

هكذا هي السعودية، في زمن الفتي الطائش محمد بن سلمان.. بقرة حلوب، يبتزها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقتما شاء دون أدنى مواربة، وعلى الهواء مباشرة، ساوم السعودية بالتزامن مع انعقاد قمة أنقرة على الاستمرار في سوريا مقابل الدفع مقدمًا، في ظل غياب السعودية وأمريكا عن القمة التي صفعت الاثنين وقررت عقد الاجتماع المقبل في طهران، في إطار حرصها على حل الأزمة السورية، وليس استثمارها ماليًا كما يريد ترامب أو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

ابتزاز صارخ

بابتزاز السعودية أو “البقرة الحلوب”، كما يصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اقترح أن تدفع المملكة فاتورة القوات الأمريكية الموجودة في سوريا، موضحًا في هذا السياق أن الرياض “مهتمة جدا بقرارنا. وقلت، حسنا، كما تعلمون فإذا كنتم تريدوننا أن نبقى فربما يتعين عليكم أن تدفعوا”، مؤكدا أنه حان الوقت لعودة قواته إلى الوطن، كاشفا أنه يفكر في هذا الأمر بجدية كبيرة.

وقال ترامب : “مهمتنا الأساسية هي التخلص من داعش. لقد أوشكنا على إنهاء هذه المهمة وسنتخذ قرارا سريعا بالتنسيق مع الآخرين.. أريد الخروج (من سوريا).. أريد أن أعيد قواتنا إلى الوطن، وأضاف أنه سيعلن قريبًا عن قراره بخصوص مصير القوات الأمريكية في سوريا، معتبرًا أن التدخل الأمريكي في سوريا مكلف لواشنطن، في الوقت الذي يعود بالمنفعة على دول أخرى، دون أن يحددها.

وفي المقابل كان بريت مكغورك المبعوث الأمريكي الخاص للتحالف الدولي، صرح خلال منتدى في واشنطن في وقت سابق من اليوم قائلا: “نحن في سوريا لمحاربة داعش، هذه مهمتنا ومهمتنا لم تنته وسنكمل تلك المهمة”، كما قال قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جوزيف فوتيل في نفس السياق: تم إحراز الكثير من التقدم العسكري الجيد على مدار العامين الماضيين، ولكن أعتقد أن الجزء الأصعب ما زال أمامنا وهو تثبيت الاستقرار في هذه المناطق وتوحيد مكاسبنا وإعادة الناس إلى منازلهم والتعامل مع الأمور البعيدة الأمد مثل إعادة الإعمار، وهناك بالطبع دور عسكري في ذلك”.

فيما وجهت مجلة The American Conservative انتقادات لاذعة لترامب، وقالت: “يبدو أن حماية حياة الجنود الأمريكيين والمصالح الأمريكية لا تهم ترامب طالما أنّ هناك من يعرض دفع الثمن، وهذا يعني أنّ ترامب يعتقد أن خدمات الجيش الأمريكي متاحة للاستئجار من قبل زبائننا المستبدين متى ما يقدمون قدرًا كافيًا من المال.. لا يكترث ترامب إلى ما إذا كان البقاء في سوريا يجعل أمريكا أكثر أمنًا، لكنه يركز فقط على ما إذا كان هناك طرف آخر يرغب في دفع الفاتورة”.

وشددت المجلة على أنه “إذا كان البقاء في سوريا مهمًا لأمن الولايات المتحدة إلى درجة تبرر المخاطرة بحياة الجنود الأمريكيين، فلا ينبغي أن نكترث لما إذا كان السعوديون سيدفعون مقابل ذلك أم لا، فيما اعتبرت المجلة أن الوجود في سوريا ليس مهمًا لأمريكا إلى هذه الدرجة، محذرة من تحول القوات الأمريكية إلى “جيش مرتزقة” لخدمة السعوديين، وعبرت عن المخاوف من أن ترامب سيتخذ قراره حول هذا الموضوع انطلاقًا من “اعتبارات هي أكثر خبثًا”.

سفه بن سلمان!

التعامل الرئاسي الأمريكي حتي الآن مع السعودية معتمد فيما يبدو على ابتزاز محمد بن سلمان حتي آخر دولار في جيبه كما يقول كثيرون، ومنذ اللقطة الأولى لزيارة ابن سلمان لواشنطن تحدث ترامب بوضوح عن ثراء السعودية، وقال: “السعودية دولة ثرية جدًا.. وستعطينا جزءًا من هذه الثروة في شكل وظائف أو شراء معدات عسكرية، كما نأمل”، وضمت أجندة المليارات التي دفعها بن سلمان 400 مليار دولار لشراء معدات عسكرية، و 35 مليار دولار لإيجاد  120 ألف وظيفة جديدة في أمريكا، و20 مليار دولار ستدفعها السعودية في استثمارات في البنية التحتية الأمريكية، كما تضم أجندة المليارات وفقًا لواشنطن بوست، “أكبر صفقة لشركة “لوكهيد مارتن” العسكرية الأمريكية سيتم إبرامها مع السعودية ستكون بقيمة 28 مليار دولار، و15 مليار دولار أمريكي مقابل شراء النظام الصاروخي المضاد للصواريخ الباليستية المعروف باسم منظومة “ثاد”، و15 مليار لصالح استثمارات مع شركة “جنرال إلكتريك” الأمريكية.

ولكن هل يدفع الأمير الطائش لترامب؟ والإجابة بحسب مراقبين، أن الدفع سيتم في ظل حرص ولي العهد السعودي الذي يحاصره الفشل محمد بن سلمانعلى تواجد الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا لفترة أطول، وهو ما صرَّح به خلال لقاء صحفي مع مجلة “التايم” الأمريكية؛ حيث دعا الولايات المتحدة الأمريكية خلال زيارته إلى واشنطن إلى ضرورة البقاء في سوريا، وقال: “نعتقد أنَّ القوات الأمريكية يجب أن تبقى لفترة متوسطة على الأقل إن لم يكن على المدى الطويل، فإنَّ وجود القوات الأمريكية داخل سوريا هو آخر جهد يوقف إيران عن مواصلة توسيع نفوذها مع الحلفاء الإقليميين، كما أنَّ وجود القوات الأمريكية داخل سوريا يسمح أيضًا لواشنطن بأن يكون لها رأي في مستقبل سوريا”.

مؤشر ثانٍ يؤكد موافقة السعودية علي الدفع؛ حيث كشف مصدر في الإدارة الأمريكية بحسب وكالة الأناضول عن أن الرئيس دونالد ترامب وافق على بقاء تلك القوات لفترة أطول، وهو ذات طلب بن سلمان، إلا أنَّ الارتباك مازال سيد الموقف، حيث قال البيت الأبيض، الأربعاء: “إن مهمة القوات الأمريكية للقضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا “تقترب من نهايتها السريعة”، دون تحديد حول مصير القوات، حسب وكالة “أسوشيتيد برس” الأمريكية للأنباء.

 إعلان هزيمة!

وفق صحيفةواشنطن بوستالأمريكية فإنَّ ترامب أمر قادة الجيش بالبدء في وضع خطة للانسحاب من سوريا (دون تحديد تاريخ للانسحاب)، وهو القرار الذي يعتبر هزيمة مبكرة بحسب مراقبين خاصة أن لقاء (ترامب -بن سلمان ) أطلق تصريحات عنترية قبيل المقابلة، نقلها مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأمريكية؛ حيث قال إنّ الرئيس دونالد ترامب، سيبحث حينها مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كيفية “إجبار روسيا على دفع ثمن” إجراءاتها في سوريا ودعمها لإيران، وهو ما رد عليه الكرملين بقوة قائلة علي لسان المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيكسوف: “سددنا ونسدد دائمًا حساباتنا ولن نسدد حسابات الآخرين”.

المناقشات تناولت بحسب المسئول الأمريكي، إجراءات إيران المزعزعة للاستقرار في سوريا، ودور روسيا في دعم الأعمال الوحشية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا، ومناقشة كيفية مواجهة محاولات روسيا لحماية إيران من تصرفات الولايات المتحدة، التي تدعو لتقديم إيران إلى العدالة على خلفية هجومهما بالصواريخ الباليستية على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، لكن تصريحات ترامب التي اقترح فيه التمويل السعودي لبقائه في سوريا تعني أن جدول المناقشات لم يحسم شيئًا غير الحديث عن توقيعات محمد بن سلمان على دفاتر الشيكات السعودية، بحسب البعض.

وبطريقة المفلس المنهزم، قرر ترامب في وقت سابق تجميد أكثر من 200 مليون دولار مخصصة لإعادة إعمار سوريا، وفق ما أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال»، التي قالت: “إن ترامب أمر وزارة الخارجية بتجميد هذه الأموال بعدما علم من مقال صحافي قرأه أن الولايات المتحدة تعهدت بدفع أموال للمساهمة في إعادة إعمار سوريا”، مشيرة إلى حديث ترامب أمام عمال صناعيين في أوهايو، حين أعرب عن أسفه لما اعتبره تبديد واشنطن سبعة تريليونات دولار في حروب الشرق الأوسط.

تشويش على أنقرة!

يمكن قراءة تصريحات ترامب في ظل الارتباك بين البيت الأبيض وتصريحاته ومصادر محسوبة عليه وعدم حسم القرار رسميًا، في اتجاه التشويش علي القمة الثلاثية التي انعقدت في أنقرة  الأربعاء بمشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيريه الإيراني حسن روحاني والروسي فلاديمير بوتين، حيث يتواجد خصما ترامب: روسيا وإيران، ولكن يبدو أن الثلاثي المنعقد وضع تصريحات ترامب خارج المشهد الفاعل في سوريا، وقرروا عقد القمة الثلاثية المقبلة بخصوص سوريا، في العاصمة الإيرانية طهران، ولا عزاء للسعودية أو أمريكا وفق ما يرى مراقبون.

أردوغان سدد ضرباته للمنتفعين في سوريا، وقال في خطاب القمة: “الشعب السوري، الطرف الخاسر من الأزمة، في ظل استمرار الاشتباكات الدائرة في بلاده، وأما الطرف الرابح فمعروف من قِبل الجميع، والهدف من القمة الثلاثية، إعادة إنشاء وإحياء سوريا يسودها السلام في أقرب وقت” فيما دعا أردوغان، المجتمع الدولي لدعم الجهود الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة في سوريا، فيما جدد أردوغان، تأكيده على أنّ “مسار أستانة ليس بديلًا لمحادثات جنيف، إنما هو متمم لها”.