في هذه السلسلة من المقالات تقوم “العدسة” بتسليط الضوء على أبرز محطات حياة محمد بن سلمان التي تناولها كتاب “الدم والنفط” للكاتبين “برادلي هوب” و “جوستين شيك” والذي يسرد انتهاكات بن سلمان وجرائمه ضد الإنسانية، كما يتناول الجانب الشخصي من حياته وكيف ساهمت تنشئته كابن مدلل لوالده “المسن” في رسم شخصيته الحالية.
المحطة الرابعة: الأمير القرصان
عام 2014 قرب نهاية عهد الملك عبد الله، تزايد قلق محمد بن سلمان بشأن مستخدمي تويتر المجهولين الذين ينشرون ادعاءات بأن والده -الملك المنتظر- مصاباً بالخرف ولا يصلح لتولي الحكم، وهي الادعاءات التي إذا لقت قبولاً من قبل السعوديين والأجانب، قد يتم تنحية والده جانباً، وبالتالي هو، وتتحطم كافة آماله وطموحاته في تولي السلطة.
هذه المخاوف كانت دافعاً قوياً لابن سلمان لتضييق الخناق على مستخدمي تويتر، لذلك طلب من نائبه بدر العساكر – الرجل الذي يقف وراء شراء اليخوت والقصور ورئيس مؤسسته الخاصة مسك- أن يبدأ جهودًا استمرت لسنوات لكشف هوية النقاد والمعارضين على تويتر، حتى أنه استخدم تقنية تجسس إسرائيلية متطورة لتحقيق مراده، ولكن في البداية، استخدم رجال بن سلمان تقنية أكثر تقليدية في محاولة لترويض هؤلاء المعارضين، وهي٬ الرشوة، حيث أنفق الكثير من الأموال في سبيل ذلك.
بدر العساكر، الرجل اللطيف ذو النظارات المستطيلة الداكنة، لم يكن في الحقيقة مسؤولًا حكوميًا في عام 2014، لكنه كان يعمل لدى محمد شخصياً، لهذا كانت لديه صلاحيات تخول له الوصول إلى جهة يريدها.
في 13 يونيو/حزيران من ذلك العام، سافر العساكر إلى سان فرانسيسكو للقاء رئيس شراكات الشرق الأوسط في تويتر، وهو شخص مصري أمريكي يدعى أحمد أبو عمو، لتجنيده للعمل لحساب محمد بن سلمان -الذي كان أميراً عادياً في ذلك الوقت- للكشف عن هوية بعض مستخدمي تويتر، والذين يثيرون المتاعب لأمير، وبالفعل وافق أبو عمو على الصفقة، التي كان مقدم الاتفاق فيها ساعة ” Hublot” بقيمة 20000 دولار على الأقل، قدمها العساكر لأبو عمو، وتلاها العديد من الدفعات، حيث دفع العساكر في تلك العمليات أكثر من 200 ألف دولار لأبو عمو في حساب مصرفي لبناني كان لأبو عمو يملكه أحد أقاربه.
في إحدى المرات، وبعد دفع “9911 دولاراً” أرسل أبو عمو رسالة يطمئن به العساكر قائلاً له “سنحذف الشر يا أخي”.
أبرز المستخدمين الذين شملتهم القائمة التي سعى ورائها بن سلمان، كان شخصاً يُدعى مجتهد، والذي كان ينتقد بصراحة مطلقة العائلة المالكة وينشر معلومات “حساسة” حول كبار أفرادها والتي غالباً ما كانت لها جذور في الواقع.
لقد كانت فوضى سياسية، لكنها لم تكن إجرامية أو إرهابية بطبيعتها، لذلك لم يكشف تويتر عن هوية هؤلاء المستخدمين لسلطات القانون السعودية، لذلك لجأ النظام إلى طرق ملتوية للحصول على ما يرغب من معلومات.
استمر التعامل بين العساكر وأبو عمو لشهور، خلال ذلك الوقت أصبح سلمان ملكاً، وأصبح محمد ولياً للعهد، ووجد العساكر نفسه يعمل لدى أحد أقوى الرجال في المملكة العربية السعودية.
استخدم أبو عمو كافة سلطاته في تويتر للوصول إلى المعلومات التي طلبها وكيل بن سلمان، لم تكن المهمة سهلة، لكنه حاول، ونجح مرات، وأخفق مرات، إلا أن أبو عمو كان يتمتع بمهارات فنية محدودة، لذلك أراد عساكر جاسوسًا أفضل، ولحسن الحظ، كان يعمل لدى تويتر شاباً سعودياً يدعى علي الزبارة، تلقى تعليمه في الولايات المتحدة بمنحة دراسية سعودية.
في فبراير/شباط 2015، كان لدى العساكر وسيط تواصل مع الزبارة، وتم الاتفاق فيما بعد ليقوم الزبارة بذات المهام التي يقوم بها أبو عمو.
في 18 يونيو/حزيران، تحدث الزبارة عبر الهاتف مع العساكر، وفي اليوم التالي، تمكن من الوصول إلى حساب تويتر لعمر عبد العزيز، سعودي حصل على حق اللجوء في كندا بعد أن قطعت المملكة دراسته انتقاماً من انتقاداته العلنية للحكومة، وهو الرجل الذي سيشكل -فيما بعد- علاقة قوية مع صحفي سعودي وناقد للنظام اسمه جمال خاشقجي.
مع توسع نفوذ بن سلمان، كان يجب أن يتم تطوير وسائل المراقبة للمعارضين، لذلك طور رجال محمد طرقاً أخرى للتجسس تحت رعاية أحد المقربين من محمد، سعود القحطاني، وهو موظف سابق في الديوان الملكي للملك عبد الله، وبعد تولي بن سلمان السلطة أصبح أقرب المقربين له.
في يونيو/حزيران 2015، أرسل القحطاني بريداً إليكترونياً إلى رئيس شركة Hacking Team، وهي شركة إيطالية طورت برمجيات cloak-and-dagger للحكومات لاستخدامها للتجسس على مستخدمي الشبكة العنكبوتية، وجاء في رسالة القحطاني أن مكتب الملك يرغب في تعاون مثمر معكم وأن يطور شراكة طويلة واستراتيجية.
بحسب مجموعة من الوثائق التي تم تسريبها أن الحكومة السعودية دفعت ملايين الدولارات مقابل الحصول على برامج التجسس تلك.
بعد ذلك، أخبر القحطاني بن سلمان أنه يمكن أن يذهب إلى أبعد من ذلك، وأن يكون مجموعات على تويتر من المؤيدين لزيادة شعبيته ومحاربة منتقديه، وكذلك فحص مدى شعبية ولي العهد، وكذلك مدى شعبية منافسيه على العرش كالأمير محمد بن نايف.
اتضح فيما بعد أن مجموعة غامضة ممولة من وزارة التربية والتعليم كانت تعمل بالفعل على مشروع يخدم تلك الأغراض.
واستعان القحطاني في ذلك بمجموعة من المبرمجين بقيادة أمريكي يعمل في شركة لوكهيد تستخدم الذكاء الاصطناعي لفهم كيفية تطور الأفكار والاستراتيجيات على تويتر، وذلك تحت رعاية عالم كمبيوتر سعودي يُدعى ناصر البقمي.
استمرت عمليات المراقبة والتجسس على المعارضين في الداخل والخارج، وقد أسفرت عمليات التجسس تلك عن انتهاكات أخرى تم ارتكابها في حق المعارضين والمنتقدين.
في أواخر 2017، لمع نجم خصم جديد للنظام، وهو الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، كاتب عمود في الواشنطن بوست. سخر القحطاني جيوشاً من الذباب الالكتروني لمهاجمة خاشقجي على الفضاء الاليكتروني، فضلاً عن عمليات اختراق هاتفه.
استخدام القحطاني كذلك برامج التجسس لاختراق هاتف عمر عبد العزيز، صديق خاشقجي، لمعرفة كافة تحركاتهما، ولعل هذه الاختراقات كانت السبب الأكبر وراء ترتيب النظام السعودي عملية اغتيال خاشقجي والتخلص منه.
لأكثر من ثلاث سنوات، كان القحطاني يحاول تحييد المنتقدين من خلال مهاجمتهم بجيش تويتر الخاص به أو اختراق هواتفهم أو خطفهم وإعادتهم إلى المملكة العربية السعودية، وكثيراً ما أعلن على تويتر ولاءه لابن سلمان، كما حاول في أكثر من مرة أن يؤكد على قوة علاقته بالأمير، وهي محاولات أعطت الانطباع بأن سعود كان مسؤولاً عن ضمان تنفيذ رغبات محمد.
على الصعيد الدولي، ارتكب النظام السعودي بقيادة بن سلمان وحاشيته جرائم تجسس واسعة النطاق، على سبيل المثال ما حدث مع رجل الأعمال الأمريكي ومالك “أمازون” جيف بيزوس، والذي أكد أن هاتفه تعرض للاختراق بعد تلقيه رسالة على تطبيق “واتساب” تم إرسالها من قبل الرقم الشخصي لولي العهد السعودي، وقد تم نشر المعلومات والبيانات التي كانت على هاتفه، واستخدامه ضده.
كما تورط النظام في عملية اختراق لوكالة الأنباء القطرية الرسمية، قبل قرار المقاطعة، تحديداً في 23 مايو/أيار 2017، وفبركة تصريحات على لسان أمير قطر- الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وهي التصريحات التي اتُخذت ذريعة لفرض حصار على قطر في الخامس من يونيو/حزيران من العام نفسه.
يتبع..
اقرأ أيضًا: الدم والنفط: محطات كوارث بن سلمان (3)
اضف تعليقا