العدسة : محمد العربي

تتجه الأنظار إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه مصر في محاولات إعادة سوريا للمشهد العربي الرسمي ، في ظل حراك يتواصل على عدة جبهات يرسم دورا سريا وآخر معلنا في مواجهة النفوذ التركي المتصاعد في الملف السوري ، وهو دور مصري بات له بحسب المراقبين عين في واشنطن وأخرى بموسكو!

البحث عن الدور !

ما بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية يوزع النظام المصري عبارات التنسيق المشترك لتعزيز دوره في الفترة المقبلة في الملف السوري وهو ما لاحظه الاتحاد الأوروبي وحذر منه.

وزير خارجية النظام المصري سامح شكري في هذا الإطار ناقش خلال الساعات الأخيرة خلال اتصال هاتفي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، مستجدات الأوضاع في المنطقة، وعلى رأسها الأزمة السورية، وتطرق الحديث إلى الدور المصري وسبل الدفع بالحل السياسي لكسر الجمود الحالي للأزمة بما يضمن الحفاظ على وحدة وسيادة الدولة السورية، لينتهي النقاش الهاتفي بالتأكيد اللافت على أهمية مواصلة الدفع قدما بالتعاون القائم بين البلدين في كافة الأصعدة خلال المرحلة المقبلة.

نفس قوة عبارات ممثل النظام المصري المرسلة هاتفيا إلى روسيا ، قيلت في 10 يناير الجاري من  وزير خارجية النظام المصري إلى نظيره الأمريكى مايك بومبيو، والذي أوضح أن المباحثات بين الجانبين تطرقت لمختلف أوجه تدعيم العلاقات الثنائية وتنويع وتطوير أطر التعاون في مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك وخاصة في 3 دول من بينهم سوريا مع مناقشة “سبل منع تدخلات بعض الدول فى الشئون الداخلية للعرب” في إشارة لأصحاب النفوذ في الملف السوري.

 وبين روسيا وأمريكا ، كان لافتا تنظيم النظام المصري لقاء غير معلن جمع رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، واللواء علي المملوك رئيس مكتب الأمن الوطني بالنظام السوري بدعوة من الأول بعد أيام من زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى سوريا، ومقابلة رئيس النظام السوري بشار الأسد، كأول رئيس عربي يزور سوريا، منذ انتفاضة العام  2011، حيث ناقشا وفق المعلن كافة “القضايا الأمنية والسياسية ومكافحة الإرهاب”.

الاتحاد الأوروبي قرأ مبكرا ما بين السطور ، وتقدم بطلب إلى مصر، بشأن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، حذر فيه وفق بيان رسمي مصر من أن هذا ليس الوقت المناسب لإعادة سوريا إلى المنظمات الدولية، موضحا أن لمصر دورا وصفه بالنشط في جامعة الدول العربية في هذا الإطار رغم أن الوقت الحالي ليس مناسبا لتطبيع العلاقات مع سوريا، ولا إعادة دمج سوريا في المنظمات الدولية”.  

بين مرسي والسيسي !

ولكن وفق مراقبين فإن النظام المصري الحالي منذ وصوله لسدة القرار بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي في 2013 ، كان الأقرب إلى الأسد دون إعلان ذلك، ما دمر الدور المصري الاستراتيجي المساند للحقوق ، ومسار مصر المتسق مع الربيع العربي وثورة 25 يناير.

كان النظام المصري وقت تقلد د. محمد مرسي منصب رئيس الجمهورية واضح الانحياز إلى ثورات الربيع العربي وإحياء الدور المصري المساند لتحرر الشعوب ، حيث شن “مرسي” هجوما واضحا على نظام بشار الأسد، وأكد دعمه للمعارضة، وقبيل الإطاحة به ، وبالتحديد في منتصف يونيو 2013، أعلن أول رئيس مصري مدني منتخب قطع جميع العلاقات مع سوريا، ومن ضمن ذلك إغلاق مقر السفارة السورية في القاهرة، وسحب القائم بأعمال السفارة المصرية في دمشق، كما أعلن رفضه التدخل الأجنبي، مطالباً حزب الله بوقف تدخله.

وفي المقابل ، عند وصول وزير الدفاع في عهد مرسي، الجنرال عبد الفتاح السيسي للقصر الرئاسي ، عادت العلاقات بين النظامين السوري والمصري، تحت شعارات ملف “الإرهاب” في المنطقة وتجاهلت مباديء ثورة 25 يناير ودعم تحرر الشعب السوري ، حتى أقر رئيس النظام، بشار الأسد، في حوار مع صحيفة “الوطن” السورية، في 8 ديسمبر 2016، أن العلاقة بين مصر وسوريا “في طور التحسّن”، لكنها “لم تصل للمستوى المطلوب؛ لأنها محصورة بالإطار الأمني فقط”، واصفا مصر بأنها دولة مهمة لسوريا.

الاعتراف السوري الرسمي بالانحياز والتنسيق المخابراتي والعسكري المصري معه أسقط بحسب البعض الحديث عن دور محايد في سوريا ، وهو ما برز خلال تقديم النظام المصري دعما دبلوماسيا كبيرا في المحافل الدولية أغضب حتى الدول الداعمة له كالسعودية، وهو ما ظهر في انتقاد السعودية (حليفة السيسي) تصويت مصر في مجلس الأمن الدولي لصالح مشروع القرار الروسي حول الوضع في سوريا.

شكل الدور المرسوم

الكاتب المقرب من النظام المصري والمحبوس حاليا عبد الحليم قنديل رسم ملامح للدور المصري في سوريا في مقال له في العام 2018 عن الأزمة السورية ، مؤكدا أن الدور المصري المطلوب في سوريا ليس دورا عسكريا بالضرورة، فالسياسة المصرية الحالية بالغة الحذر، حيث ستحتفظ مصر بعلاقات أفضل مع روسيا، وشبكة تواصل لا بأس بها مع النظام السوري وجماعات من المعارضة السياسية في الوقت نفسه، من أجل التأهل لدور متزايد التأثير في صمت، دواعيه الظاهرة معلنة في ثلاثة خطوط، أولها: الحفاظ على ما تبقى من هياكل الدولة الوطنية في سوريا، وثانيها: التوصل إلى تسوية سورية داخلية، تبني حكما مع بشار أو بدونه، وثالثها: منح الأولوية لوحدة سوريا وهويتها العربية دون تسامح مع الإخوان او الجماعات السلفية في سوريا ، بجانب التركيز على تقوية الجيش السوري بالذات، وجعله عمادا لإعادة بناء الدولة.

رسميا “الوسيط المحايد” هو الشعار الذي ترفعه المراكز البحثية المقربة من الأجهزة المخابراتية في مصر ، وفي مقدمتهم “مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية ، حيث يرى في تقدير موقف حديث أن الدور المصري في سوريا ملتزم بالوساطة والحياد.

ويستند التقدير إلى قيام النظام المصري بتوقيع اتفاقات للمصالحة في مناطق الساحل السوري بين عدد من الفصائل المعارضة وبين النظام، بنهاية شهر يوليو (2018)، بضمانة روسيا ووساطة رئيس تيار الغد السوري المعارض أحمد الجربا، وتوقيع اتفاقات جديدة مماثلة في مناطق الشمال والشرق مع مطلع شهر أغسطس (2018)، وكذلك توقيع هدنة في أجزاء من الغوطة الشرقية (يوليو 2017)، ثم هدنة مماثلة في ريف حمص الشمالي (أغسطس 2017). كما توصلت القاهرة لاتفاق وقف إطلاق النار في منطقة جنوب العاصمة دمشق وتحديدا في حي القدم (أكتوبر 2017) بعد أن كان سكانه مهددين بالتهجير القسري من قبل النظام، وهو ما يراه مراقبون موالون ملامح لدور متصاعد.

لكن خبراء يرون أن الدور المرسوم قد يكون للبحث عن الزعامة المفقودة ومواجهة تركيا ، وقالوا بحسب موقع دويتشه فيليه الألماني البارز :” يبدو أن نشاط مصر والتحالف الثلاثي الخليجي – السعودية والإمارات والبحرين – قد امتد ليصل نفوذه إلى سوريا، وإلى الجهات التي تدعمها قطر وتركيا في الداخل السوري.

ويبرر خبراء ذلك برغبة الحكومة الروسية في عدم اتساع نفوذ تركيا وإيران في سوريا ولذلك تسعى لإدخال أطراف أخرى في المشهد، كما أنها تخشى من نوايا تركيا في الملف السوري، ونظراً لحالة التوتر بين مصر وتركيا فمن مصلحة روسيا إدخال مصر إلى المشهد – ومن خلفها دول الحلف الخليجية الثلاثة.

ويضيف د.مصطفى كامل أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة إلى ذلك أن مصر لم تعد تخشى من تأثر علاقاتها القوية مع السعودية  إذا ما دخلت في تسوية المشكلة السورية بعد أن اتجهت السعودية لتعديل موقفها من بشار الأسد فضلا عن التوتر المستمر مع تركيا والذي تفضل مصر استمراره ما يجعلها مرشحة للدخول بقوة في بعض الترتيبات.