تشهد ثلاث دول عربية محاولات من السلطات لامتصاص غضب شعبي، بينها إعادة دعم حكومي وحديث عن إصلاح سياسي وإعلامي في مصر، واعتذار ووعد بتحقيق في الأردن، فضلًا عن حزمة قرارات ووعد بمحاسبة “حيتان الفساد” في العراق.

وقال سعيد صادق، أكاديمي مصري متخصص بعلم الاجتماع السياسي، للأناضول، إن “الدول العربية بينها متشابهات كثيرة، لاسيما في مواجهة احتجاجات تطالب بتحسين مستوى المعيشة، لذا تجد لدى الحكومات والمحتجين عادة نماذج مكررة في المطالب وأساليب الغضب والاحتواء الرسمي”.

ورأى أن “كل الأنظمة العربية غير مستقرة، وتواجه التحديات والمشاكل نفسها، وهذا ليس في مصر والعراق والأردن فقط، بل أيضًا في لبنان، وكان سببًا فيما حدث بالسودان والجزائر”.

وأطاح الجيش السوداني، في 11 أبريل/ نيسان الماضي، بعمر البشير من الرئاسة (1989: 2019)؛ تحت وطأة احتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الاقتصادي.

فيما اضطر عبد العزيز بوتفليقة، في 2 أبريل/ نيسان الماضي، إلى الاستقالة من الرئاسة (1999: 2019)؛ جراء احتجاجات شعبية لا تزال مستمرة.

وتوقع صادق أن لا تتحول مظاهر الاحتجاج إلى “غضب شامل”، في ظل “ما تتخذه كل حكومة مع كل احتجاج من إجراءات تكتيكية وتنازلات تجميلية ومسكنات لامتصاص أي غضب”.

وشدد على ضرورة أن تُفعّل الحكومات أدوار مؤسسات البلاد، حتى لا تجعل الحل الوحيد أمام الشعب هو النزول للشوارع، متوقعًا أن تتكرر الاحتجاجات.

وترصد الأناضول احتجاجات شهدتها ثلاث دول عربية، وخطوات اتخذتها السلطات على أمل التهدئة:

 

مصر.. خطوات غير معتادة

شهدت مصر إجراءات عديدة، مؤخرًا، بالتزامن مع زخم شعبي معارض للرئيس عبد الفتاح السيسي، عُرف بـ”احتجاجات 20 سبتمبر (أيلول الماضي)”.

وشهد ذلك اليوم، وفق بيان للنيابة المصرية، خروج مظاهرات مناهضة للنظام في خمس مدن، وتوقيف نحو ألف شخص، رغم نفي رسمي متكرر للبيان السابق.

وتبع الاحتجاج المحدود، في الأسبوع التالي، فعالية ضخمة لمؤيدين للسيسي شرقي القاهرة، وتجمعات أخرى مؤيدة بمحافظات أخرى، في مقابل احتجاجات مناهضة محدودة ونادرة في صعيد مصر.

وأثناء الاحتجاجات، علت أصوات مؤيدة للسيسي بالحديث عن حتمية الإصلاح السياسي.

وقبل أيام قال رئيس البرلمان، علي عبد العال، إن النظام سيُقدم على إصلاحات في الملفين السياسي والإعلامي.

هذا التوجه النادر نحو هذين الملفين، اللذين عادة ما يتردد أن النظام يفرض قيودًا كبيرة بشأنهما رغم نفي رسمي، تزامن معه وبعده إفراجات عن عشرات المحتجين، بينهم أجانب.

كما تم اتخاذ إجراءات دعم حكومي ببعض القطاعات، تشمل عودة مليون و800 ألف شخص لصرف حصصهم التموينية، بعد قبول تظلماتهم، إضافة إلى خفض ضئيل، هو الأول في أسعار الوقود منذ سنوات، الخميس الماضي.

وكذلك حديث لنقابة الصحفيين المصرية، السبت، عن “رؤية” لها لدعم حرية الصحافة، تتضمن عدم المساس بحقوق دستورية وتمثيل كل الأصوات، وبحث أوضاع الصحفيين المحبوسين في قضايا النشر والعلانية.

 

الأردن.. اعتذر وتحقيق واتفاق

قدم رئيس الوزراء الأردني، عمر الرزاز، السبت، اعتذارًا للمعلمين المضربين عن العمل، للمطالبة بصرف علاوة مالية “مستحقة”، عن “أي انتقاص من كرامتهم”.

وشدد الرزاز على التزام حكومته باستكمال التحقيق في انتهاكات يقولون إنهم تعرضوا لها على أيدي أجهزة الأمن خلال احتجاج بالعاصمة عمان، في 5 سبتمبر الماضي، مع الأخذ بنتائج التحقيق.

وأضاف: “لا نقبل الإساءة للمعلم، والتقليل من احترامه بأي شكل من الأشكال”، وسط وعود ببحث مطلب العلاوة.

وبرسالة الرزاز، يكون أحد مطالب المعلمين الأردنيين قد تحقق، وهو الاعتذار عما تعرضوا له من انتهاكات خلال احتجاجاتهم.

وطالبت نقابة المعلمين، وهي تضم نحو 140 ألف معلم، بعلاوة 50 بالمئة من الراتب الأساسي، وتقول إنها توصلت إلى اتفاق بشأنها مع الحكومة عام 2014، فيما تقول الحكومة الحالية إن تلك النسبة مرتبطة بتطوير الأداء.

وبعد إضراب دام شهرًا، وهو الأطول في تاريخ المملكة، أعلنت الحكومة ونقابة المعلمين، صباح الأحد، إنهاء الإضراب واستئناف الدراسة، بعد اعتذار الرزاز، والتوصل إلى اتفاق بين الجانبين بشأن نسب الزيادة في الراتب.

 

العراق.. أول حزمة من “قرارات مهمة”

منذ الثلاثاء الماضي، يشهد العراق احتجاجات عنيفة، بدأت من العاصمة بغداد؛ للمطالبة بتحسين الخدمات العامة، وتوفير فرص عمل، ومحاربة الفساد، قبل أن تمتد إلى محافظات في الجنوب ذات أكثرية شيعية.

ورفع المتظاهرون سقف مطالبهم، وباتوا يدعون إلى استقالة رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي؛ إثر لجوء قوات الأمن للعنف لاحتواء الاحتجاجات؛ ما أسقط أكثر من 110 قتلى، بينهم ثمانية من عناصر الأمن، وما يزيد عن 6 آلاف جريح، بحسب وزارة الداخلية ومصادر طبية.

وإثر جلسة حكومية استثنائية، أعلنت الحكومة، مساء الأحد، ما أسمتها الحزمة الأولى من “القرارات المهمة”، بحسب الوكالة العراقية الرسمية للأنباء.

ومن تلك القرارات: فتح باب التقديم على الأراضي السكنية المخصصة لذوي الدخل المحدود والفئات الأخرى في المحافظات كافة، واستكمال توزيع 17 ألف قطعة سكنية على المستحقين بمحافظة البصرة (جنوب) خلال فترة زمنية لا تتجاوز أربعة أسابيع.

وبناء 100 ألف وحدة سكنية موزعة على المحافظات، ومنح الأولوية للمحافظات والمناطق الأكثر فقرًا، على أن يتولى المحافظون تشكيل لجان لفرز أسماء العائلات الأكثر حاجة للسكن في محافظاتهم، ورفع الأسماء إلى مجلس الوزراء، خلال أسبوعين.

وكذلك أن تتولى وزارة المالية تعزيز رصيد صندوق الإسكان لزيادة عدد المقترضين، وتمكينهم من بناء الوحدات السكنية على قطع الأراضي التي ستوزع على المواطنين، وتضمين ذلك في موازنة 2020، على أن تكون القروض معفاة من الفوائد.

إضافة إلى منح 150 ألفًا من العاطلين، ممن لا يملكون القدرة على العمل، منحة شهرية قدرها 175 ألف دينار (147 دولارًا) لكل شخص، ولمدة ثلاثة أشهر.

وشملت القرارات إنشاء مجمعات تسويقية حديثة (أكشاك) في مناطق تجارية ببغداد والمحافظات تتوزع على هؤلاء العاطلين الـ150 ألفًا، خلال ثلاثة أشهر.

وإعداد برنامج لتدريب وتأهيل 150 ألفًا من الشباب الخريجين وغير الخريجين، مع صرف منحة مالية خلال فترة التدريب البالغة ثلاثة أشهر تبلغ 175 ألف دينارًا لكل شخص، وتشغيل من يجتاز منهم الدورات التدريبية في شركات استثمارية، أو منحهم قروضًا لتأسيس مشاريع متوسطة أو صغيرة.

وتتضمن القرارات أيضا أن تتولى وزارة الدفاع فتح باب التطوع للشباب، وقيام وزارتي الدفاع والداخلية بإعادة الأشخاص المفسوخة عقودهم في المحافظات كافة إلى العمل، وأن تتعاقد وزارة التربية مع المحاضرين المتطوعين، وتعفي وزارة الزراعة الفلاحين من مبالغ استئجار الأراضي الزراعية المترتبة بذمتهم سابقًا ولغاية نهاية العام الجاري.

فيما طالب رئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، السبت، الحكومة بتحديد أسماء من أسماهم “حيتان الفساد” لمحاسبتهم.

وأضاف الحلبوسي، في مؤتمر صحفي: “لدينا 50 ألف معمل (مصنع) متوقف عن العمل سيتم التنسيق مع البنك المركزي لمنح قروض ميسرة لأصحابها للعودة إلى العمل”.

وتابع: “البرلمان سيصوت قريبًا على تشكيل مجلس الخدمة الاتحادي (معني بتنظيم الوظائف الحكومية) وإبعاد هذا المفصل المهم عن أي تدخل سياسي”.

وتعهد الحلبوسي بإطلاق التخصيصات المالية اللازمة لعودة النازحين (1.5 مليون) إلى منازلهم في المناطق التي جرى تحريرها من تنظيم “داعش” الإرهابي، وتعويض جميع المتضررين.

ويحتج العراقيون، منذ سنوات، على سوء الخدمات العامة الأساسية، وهي الكهرباء والصحة والمياه، فضلًا عن البطالة والفساد، في بلد يعد من بين أكثر دول العالم فسادًا، بموجب مؤشر منظمة الشفافية الدولية على مدى السنوات الماضية.