بعد أن أعلنت حركة طالبان حكومتها الجديدة برئاسة، محمد حسن آخند، توالت التصريحات الدولية حول هذه الحكومة الأولى منذ طرد الاحتلال الأجنبي من أفغانستان. وكنا قد ذكرنا في التقرير السابق، موقف كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وتركيا، القوتان الأكبر في حلف شمال الأطلسي (الناتو). غير أن هناك تصريحات جديدة صدرت عن الولايات المتحدة مؤخرًا على لسان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن.
حيث صرح الوزير الأمريكي أن على طالبان أن “تكتسب” شرعيتها من المجتمع الدولي، وأوضح أن تعامل الإدارة الأميركية وكل المجتمع الدولي مع الحكومة الأفغانية الجديدة سيعتمد على أفعالها. ورأى أن حكومة تصريف الأعمال الأفغانية “لا تفي بمتطلبات الحكومة الشاملة وتضم أشخاصًا يشكلون تحديًا”. وهو هنا يشير إلى ذات الأمر الذي قصده المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، حين قال “نشعر بقلق من انتماءات وسجلات بعض أفراد الحكومة الجديدة التي أعلنتها طالبان.. نحن نقيّم الحكومة المكونة من أفراد ينتمون للحركة ومقربين منها وتخلو من نساء”.
وعودًا إلى تصريحات بلينكن فقد أضاف: “بحثنا مع شركائنا سبل دفع طالبان للالتزام بتعهداتها”. وقال “قلقون من انتماءات عدد من أعضاء الحكومة التي أعلنتها طالبان أخيرًا”. وتابع: “نجري الآن تقييمًا لإعلان طالبان حكومة تصريف أعمال في أفغانستان. ولكن بلينكن لفت إلى أن واشنطن ستجد “سبلًا للتعامل مع طالبان بطريقة تتسق مع قوانينا”.
ألمانيا بحاجة للتواصل مع طالبان
وفيما يخص الموقف الألماني من الحكومة على وجه الخصوص، فقد كان شبيهًا بالموقف الأمريكي، حيث قال وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس: “إن الأخبار التي وردت من أفغانستان أمس بشأن الحكومة الانتقالية لا تبعث على التفاؤل، وأضاف أنه “يجب أن تكون الحكومة الأفغانية جامعة لكل أطياف الشعب الأفغاني”.
لكن أبدت ألمانيا في العموم حاجتها وحاجة الدول الأوروبية للتواصل مع طالبان، حيث أوضح “ماس” أن حكومته بحاجة إلى التواصل مع طالبان من أجل إيصال المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان، مؤكدًا على أنه ليس من مصلحة أحد أن تنهار الأوضاع في أفغانستان، والعزلة الدولية لن تكون في مصلحة الحكومة والشعب في أفغانستان”.
الاتحاد الأوروبي ينتقد الحكومة
من جانبه، انتقد الاتحاد الأوروبي الأربعاء الحكومة المؤقتة التي شكلتها الحركة في أفغانستان، معتبرًا أنها غير “جامعة” ولا ذات صفة “تمثيلية” للتنوع الإثني والديني في البلاد.
وأفاد ناطق باسم الاتحاد الأوروبي في بيان أنه “بعد تحليل أولي للأسماء المعلنة، لا يبدو أن التشكيلة الحكومية جامعة وذات صفة تمثيلية للتنوع الإثني والديني الغني في أفغانستان الذي كنا نأمل بأن نشهده ووعدت به طالبان خلال الأسابيع الأخيرة”.
وأشار المتحدث إلى أن ذلك كان “أحد الشروط الخمسة الموضوعة” لإقامة علاقات بين التكتل الأوروبي والسلطة الأفغانية الجديدة، حيث كانت دول الاتحاد الأوروبي قد شددت الأسبوع الماضي في اجتماع لوزراء خارجية التكتل على ضرورة إرساء “حكومة جامعة وذات صفة تمثيلية” في كابل.
موقف روسي-صيني أكثر انفتاحًا
وبالتأكيد، فإنه لا يمكن إغفال الموقف الروسي والموقف الصيني من الحكومة الأفغانية الجديدة، حيث إن العامل الجغرافي يجعل هاتين الدولتين من الأهمية بمكان بالنسبة لحركة طالبان. وعلى هذا، جاء الموقف الصيني على لسان المتحدث باسم الخارجية الصينية وانغ ون بين، خلال المؤتمر الصحفي اليومي للوزارة.
حيث قال المسؤول الصيني إن بكين مستعدة لمواصلة الاتصالات مع الحكومة الجديدة في أفغانستان. وذلك ردًا على سؤال عما إذا كانت بكين ستعترف بالحكومة الأفغانية الجديدة، مشددًا على أن الصين تحترم سيادة أفغانستان واستقلالها ووحدة أراضيها.
وكما جاء الموقف الصيني منفتحًا، فقد كان الموقف الروسي مشابهًا له، حيث نقلت وكالة الإعلام الروسية عن رئيسة المجلس الأعلى في البرلمان (مجلس الاتحاد) فالنتينا ماتفينكو قولها إن روسيا سيمثلها مسؤولون على مستوى سفراء في مراسم تنصيب الحكومة الأفغانية الجديدة. وأكد ذلك المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، الذي قال إن بلاده ستتواصل حاليًا مع الحكومة الأفغانية الجديدة عبر السفارة الروسية لدى كابل فقط. لكنه عاد وأكد أن موسكو، كأغلبية الدول، ستراقب بتمعن الخطوات التي ستتخذها الحكومة الأفغانية الجديدة.
وفي السياق الإيجابي ذاته، رحبت أوزباكستان بتشكيل حكومة مؤقتة في أفغانستان، مبدية استعداها للتعاون معها.
براغماتية طالبان
بدورها، تحدثت قطر عن أن حركة طالبان أظهرت قدرا كبيرا من البراغماتية، وإنه يجب الحكم على الحركة بناء على تصرفاتها. جاء ذلك على لسان مساعدة وزير الخارجية القطري، لولوة الخاطر، في مقابلة لها مع وكالة الصحافة الفرنسية، حيث أكدت أن الاعتراف القطري بحركة طالبان لن يأتي على الفور، مشيرة إلى أن قطر تسلك الطريق الوسط.
أما إيران، فقد قال أمين مجلس الأمن القومي فيها، علي شمخاني، في تغريدة له على تويتر إن الأولوية في أفغانستان هي تحقيق الأمن والاستقرار، مضيفًا أن ما يثير قلق أصدقاء الشعب الأفغاني هو تجاهل ضرورة تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان ومنع التدخل الأجنبي والاحتكام إلى السلاح بدلًا من الحوار.
وبناء على ما سبق ذكره من مواقف دولية، يبدو أن روسيا والصين أكثر انفتاحًا من الغرب على التعاون مع طالبان، إلا أن هناك نبرة عامة في حديث الجميع توحي بأن الجميع ينتظر ما سيصدر عن طالبان من سياسيات خلال الفترة القادمة. وربما يكون الأمر في حقيقته هو عدم انتظار سياسات طالبان، بقدر ما هو ورقة ضغط على الحركة للقبول بشروط كل طرف للاعتراف بها.
حيث من الممكن أن تكون هناك مفاوضات سرية بين الحركة وبين هذه الدول، تحاول فيها الأخيرة فرض بعض الشروط على الحركة للقبول بها كعضو له شرعيته داخل المجتمع الدولي، وتأتي التصريحات من قبيل “انتظار أفعال طالبان” في هذا السياق التفاوضي.
اضف تعليقا