ربى الطاهر

رُوِّج في السنوات الأخيرة لفكرة تدخين السجائر الإلكترونية على أنها قد تكون أكثر أمانا من تدخين السجائر العادية التى طالما قيل إنها تحتوى على العديد من المواد الكيمائية التى تسبب أثناء احتراقها خروج السموم والمواد المسرطنة.. في حين يمكن تجنب هذه الأضرار بالتخلي عن تلك المواد والتركيز على النيكوتين فقط في السجائر الإلكترونية ولم يتطرق في هذا الطرح للآثار الناتجة عن ذلك المنتج البديل.

وقيل في ذلك الحين إن أي مدخن يلجأ إلى السجائر الإلكترونية  فهو قد تجنب الكثير من الأضرار التى ينتج عنها مرض السرطان فهو منتج أقل ضرارا وعلى الأشخاص المدمنين للتدخين اللجوء لهذا المنتج للحد من هذا الأدمان.

حتى إن أحد المتخصصين في أمراض السرطان وهو يوته مونس، رئيس قسم الوقاية في مركز أبحاث السرطان بمدينة هايدلبرج بألمانيا قد قال: “لا يمكن التعامل معها على افتراض أنها تتماثل والسجائر العادية”، برغم تلك التصريحات التى قد تبدو مطمئنة إلى استهلاكها إلا أن  احتواءها على النيكوتين والمنكهات الأخرى لم يخدع كثيرين الذين أدركوا أنها غير آمنة إلى حد بعيد حتى إنها تثير الجدال العلمي بين الباحثين.

ولم يحدد الباحثون- حتى الذين اختلفوا في الرأي مع الفريق الذى رأها آمنة- مدى الخطورة أو الآثار التى تترتب على طول استخدامها، خاصة وأن هناك أنواعا متعددة من الإضافات والنكهات المختلفة المطروحة بالأسواق.

حتى إن تصريحات العلماء كانت دائما غير حاسمة فكانت الآراء تأتي بعدم تحديد نسبة الأمان أو الضررالأقل، ولكن التركيز دائما كان على عدم حرق تلك المواد السامة والمسرطنة كما هو الحال في السجائر العادية.

وظهرت ثم انتشرت العديد من أنواع السجائر الإلكترونية التى أخذ منتجوها يطورونها  لتحقيق نسب أعلى تسويقيا  فقد جاءت أحد الأنواع مزودة ببطارية يمكن إعادة شحنها تخرج بخار الماء المصحوب بالنيكوتين حيث إنها مزودة بحاوية صغيرة يوضع فيها التبغ السائل وكذلك جهاز يجعل هذا التبغ ساخنًا وينفث البخار وفوق كل ذلك مميزا بطعم القهوة وعندما يستنشقه المدخن يشعر وكأنها سيجارة عادية .

نكهات مختلفة

ثم تعددت النكهات التى تتميز بها السيجارة الإلكترونية وكذلك التبغ وللمدخن اختيار ما يريد إذا أراد تدخين تبغ خالٍ من النيكوتين أو بدرجة منخفضة منه أو حتى تبغا بالفواكهه بخلاف السابق “بطعم القهوة”.

ولم يتم الاكتفاء بوع واحد حتى يكون من السهل رصد سلبياته أسرع، ولكن تعددت الأنواع فهناك السيجارة التى يمكن استعمالها مرات عديدة بتغيير البطارية ومنها ما يستخدم لمرة واحده فقط بالإضافة لوجود نوع آخر يسمى الغليون الإلكتروني.

وتختلف آلية استخدامها عن السيجارة العادية في أن الأولى ما يتم استنشاقها منها هو بخار التبغ السائل أما الثانية فما يتم استنشاقه هو دخان التبغ المحروق والذي يصل إلى الرئة مما دعا مؤيدي استخدام السيجارة الإلكترونية الاعتقاد في أن هذا النوع من السجائر أضراره أقل من السجائر العادية ومن ثم فإن اللجوء إلى تدخينه آمن.

إلا أن منظمة الصحة العالمية أعربت عن مخاوفها من الهرع إلى السجائر الإلكترونية على أنها ملاذ آمن من تأثيرات السجائر الأخرى حيث لم يتم إلى الآن الكشف عن طبيعة تلك المواد المستخدمة فيها بشكل كامل، كما أن بلدا مثل ألمانيا مثلما حظرت من التدخين في الأماكن العامة حظرت كذلك التدخين الإلكتروني فيها.

ولم يركن المتخصصون إلى الاستسلام لفكرة عدم حرق المواد السامة والمسرطنة واعتبار أن ذلك كافٍ كحدٍّ أدنى للأمان فقد كشفت دراسة جديدة  أنها لا تقل خطورة عن سجائر التبغ وأكدت أنها ليست البديل الآمن كما يروّج لها البعض.

تدمر الحمض النووي

فقد أوضح باحثون من كلية الطب بجامعة نيويورك أن هذه السجائر الإلكترونية تتسبب في تشويه بل وتدمير الحمض النووي، إضافة إلى أنها لا تقي من السرطان كما يروج لها، إلا أنهم يبنوا أنه لازال هناك بعض الوقت أمام هذه الدراسة لاختبار تطبيقاتها على الإنسان حيث إن ما تم التجربة عليه إلى الآن هم الفئران فقط.

وقد أصيبت تلك الفئران التى تعرضت لدخان السجائر الإلكترونية لفترات زمنية طويلة بتشويه وتدمير للحمض النووي  DNA” ” كما أنها اصيبت كذلك بسرطان الرئة بل والمثانه كذلك وهذا يعنى أن بتطبيق تلك الدراسة على الإنسان قد يصيبه كذلك بتدمير الحمض النووي كما يعرضه للإصابة بسرطان الرئة والمثانة، إلى جانب أمراض القلب.

وفي نفس الوقت أكدت تلك الدراسة التى نشرت في وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة أن الخطر يكمن في حرق المواد المكونة لسجائر التبغ وهو السبب الرئيسى وراء الإصابة بالسرطان بعد استنشاقها، ورغم تجنب ذلك في السجائر الإلكترونية بتقديم النيكوتين بدون حرق التبغ، ولكن الأمر يتخطى حدود الأمان ليس من ذلك السائل الموجود في السجائر الإلكترونية في حد ذاته فهو لا يسبب تلف الحمض النووي، ولكن خطورته الحقيقية تتمثل عند امتزاجه بالنيكوتين وهو ما بينه مون شونج  تانج، أستاذ الطب البيئي في الجامعة.

كما أضاف الدكتور روي هيربست، رئيس قسم الأورام  التابع للجمعية الأمريكية للسرطان بقوله: ” إنها المرة الأولى التى يكشف البحث فيها عن أن النيكوتين قد يكون مسرطنا في حد ذاته، بل وإن الطريقة التى يستقبل الجسم فيها النيكوتين تتسبب في تخليق السرطان من خلال تدمير الحمض النووي”.

ومثلما أثيرت الشكوك في ارتفاع نسبة الأمان بتدخين السجائر الإلكترونية في الولايات المتحدة مما دفع العلماء للبحث وراء آثارها السلبية، فقد اهتم كذلك نواب البرلمان في بريطانيا باجراء تحقيق حول الآثار الصحية للسجائر الإلكترونية لسد الثغرات في الأبحاث الخاصة بها، خاصة وأن الكلية الملكية للأطباء في المملكة المتحدة  كانت قد أصدرت في عام 2016 تقريرا ينص موجبه على تشجيع مدخني سجائر التبغ لاستبدالها بمنتج آخر بخلاف النيكوتين.

محتويات مجهولة

وقد لفت العلماء إلى أن هذا التبغ السائل محتوياته تثير الشكوك، خاصة وأن مادة مثل بروبيلين غليكول السائلة المستخدمة في نكهات التبغ السائل، وهى عديمة اللون قد تستخدم كذلك في تصنيع الضباب، وكذلك في بعض المعطرات وأيضا في مستحضرات التجميل، ولم يكشف إلى الآن عن  أضرارها الحقيقية.

وبهذه الدراسة يتضح أن التأكيدات السابقة من قبل العلماء على أن السجائر الإلكترنية هى الأكثر أمانا من سجائر التبغ قد يرجع إلى عدم وجود أبحاث طويلة الأمد حول تلك السجائر الإلكترونية  ولكن المتفق عليه هو أن ترك التدخين بكافة أنواعه هو الملاذ الآمن الاأيد لتجنب تلك الأمراض الخطيرة.

انتشار بين المراهقين

وربما ما جاءت به التقارير عن ارتفاع نسبة الإقبال على تدخين السجائر الإلكترونية في الولايات المتحدة الأمريكية  خاصة في صفوف الشباب هو ما دفع الجهات المختصة بمكافحة التدخين للتحذير من أن مخاطرها الصحية لا تقل بأي حال من الأحوال عن مخاطر سجائر التبغ.

وأوضحت دراسة جديدة أجرتها الحكومة الأمريكية أن نسب انتشار السجائر الإلكترونية فيها وصل إلى سبعة من بين كل عشرة من طلبة المدارس الإعدادية والثانوية.

وأرجعت السبب في ذلك إلى تلك الإعلانات التي تروج للسجائر الإلكترونية ، حيث اشارت إحصائيات المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، إلى أن العام 2014 قد شهد إقبالا غير مسبوق من طلبة المدارس الإعدادية والثانوية على تلك السجائر الإلكترونية، إذ زادت النسبة عن تدخين سجائر التبغ بـ 68.9%  بين هذه الشريحة العمرية  إذا تمت المقارنة بالخمس سنوات الأخيرة حيث انتشرت في هذا العام تحديدا إعلانات السجائر الإلكترونية في أكثر من وسيلة من وسائل الإعلام.

كما قد زادت نسبة الإنفاق على تلك الإعلانات في ذلك العام حتى وصلت إلى ما يقدر بنحو 115 مليون دولار في مقابل 6.4 مليون دولار بالعام 2011.

كما قد أعلنت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية بصيغة تحذيرية من ان الخطط التسويقية للسجائر الإلكترونية،  قد قضت على ذلك التقدم الذى تم إحرازه خلال 10 سنوات في إقناع الشباب بالتخلى عن هذه العادة، وطالبت بوضع المزيد من التعقيدات لبيع السجائر حتى لا يتمكن الشباب في هذا السن من الحصول عليها بسهولة.

وطرحت السجائر الإلكترونية منذ نحو عشر سنوات في الأسواق، من خلال تعهدٍ من مُصنِّعيها وموزعيها بالحفاظ على الصحة العامة وتقديم النيكوتين بطريقة بديلة عن التدخين الضار، ومن ثم فاتجهت لوسيلة مختلفة حيث يتم تسخين سائل مختلط بالنيكوتين مما ينتج عنه بخار يتوفر به  مادة الفورمالدهيد وكيماويات أخرى يستنشقها المدخن بدلًا من حرق التبغ.

وكانت شركات كبرى مثل مجموعة التريا وفيليب موريس انترناشونال ورينولدز أمريكان، بعد نشاطها في صناعة التبغ، قد دخلت سوق السجائر الإلكترونية، واستطاعت تحقيق مبيعاتها وصلت إلى نحو سبعة مليارات دولار بالعام 2015.