العدسة _ باسم الشجاعي

لم يعد يخفى على أحد أن دولة الإمارات والسعودية، هما من قاد الثورات المضادة في الوطن العربي، ويعملان سويًّا للقضاء على جماعة الإخوان المسلمين.

على غرار الطريقة المصرية التي أطاحت بالرئيس الأسبق “محمد مرسي”، بدعم أحزاب وقوى معارضة، مهدت لانقلاب عسكري في الثالث من يوليو 2013، تسعى أبوظبي والرياض، لإقصاء حركة النهضة التونسية الامتداد الفكري لجماعة الإخوان المسلمين من البلاد.

وفي هذا الصدد، كشف داعية تونسي معروف مؤخرًا، عن “مخطط” سعودي جديد لتشكيل حزب “سلفي”، سيتم الإعلان عنه قريبًا، لضرب حركة “النهضة” الإسلامية.

وقال “ابن حسن” في منشور له على حسابه الشخصي بموقع “فيسبوك”: “السعودية تسعى إلى تكوين “حزب نور تونسي” كما في مصر لضرب “النهضة” والتصدي لما يسمونه بالإسلام السياسي، ترقّبوا قريبًا الإعلان عنه وستفاجأون بمن سيترأسه!” (دون أن يكشف عن مزيد من التفاصيل).

موقع (العدسة)، حاول التواصل مع الداعية التونسي، عبر الرسائل الإلكترونية من خلال حسابه على موقع “فيسبوك”، لمعرفة مزيد من التفاصيل، إلا أننا لم نتلق ردًّا حتى كتابة تلك السطور.

تدوينة “ابن حسن”، أثارت جدلًا كبيرًا؛ حيث هاجمه البعض، لافتين إلى إمكانية ترؤسه للحزب المذكور، وهو ما نفاه؛ حيث عاد وكتب “إلى إخواني في حركة النهضة الرجاء ترك المزايدات عليّ في النضال، أنا رجل وابن رجل مناضل سجنه “بورقيبة” عام التعاضدية، وفي عهد بن علي كنت في فرنسا، كما هو الشأن اليوم، واستدعيت لأمن الدولة مرات!”.

وعادة ما يهاجم “بشير بن حسن” السعودية؛ حيث سبق أن دعا قبل مدة إلى إلغاء الحج إلى مكة على اعتبار أن عوائده تذهب إلى أمريكا، كما طالب أخيرًا بـ”تحرير” مكة المكرمة ممن سمّاهم “صهاينة العرب”.

لماذا هذا العداء؟

تمثل علاقة حركة النهضة التونسية بتنظيم جماعة الإخوان المسلمين حجر أساس في العداء الظاهر لها من دولة الإمارات والسعودية؛ فولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، يرى أن جماعة الإخوان المسلمين هي (الخطر الأعظم) في العالم، بحسب ما ذكر في حوار له مع صحيفة “تايم” الأمريكية، وأضاف “بن سلمان” أن هدف “الإخوان” الرئيسي يتمثل في جعل المجتمعات الإسلامية في أوروبا متطرفة؛ حيث يأملون بأن تصبح أوروبا قارة إخوانية بعد 30 عامًا، وفق تعبيره.

عدو الحرية

وعلى مايبدو، أن وزير الداخلية التونسي “لطفي براهم” –الملقب بعدو الحرية- سيكون القائم على تنفيذ مخطط السعودية؛ حيث تدور التكهنات حوله, وأنه يجري تحركات تهدف إلى قطع الطريق على حزب حركة النهضة ومنعها من الفوز في الانتخابات البلدية القادمة.

ولعل ذلك هو السبب الرئيسي وراء الزيارة التي قام بها “براهم”، الشهر الماضي، إلي الرياض، والتقى خلالها الملك “سلمان”، والتي لم يعلن عنها من قبل السلطات التونسية، وجاء الإعلان من الجانب السعودي.

وحول كواليس وأهداف اللقاء، قال المدون السعودي المثير للجدل “مجتهد”، في سلسلسة من التغريدات عبر حسابه على موقع “تويتر”، إن لقاء وزير الداخلية التونسي “لطفي براهم” -لمَّح إلى أنه رجل الإمارات والسعودية في تونس- يأتي للتغطية والتمويه على الهدف الرئيسي غير المعلن منها وهو لقاء الرئيس المخلوع المقيم في السعودية منذ سبع سنوات “زين العابدين بن علي”، ومطامع السعودية ومن وراءها حليفتها الإمارات في عودته مجددًا إلى الحكم في تونس، ودحر الإسلاميين الممثلين في حركة النهضة، خصمهم اللدود.

وأسهب مجتهد في الحديث عن شخصية وتاريخ وزير الداخلية التونسي لطفي براهم، الذي قال عنه إنه “كان قبل أن يعين وزيرًا للداخلية آمرًا للحرس الوطني، وهو القوة المكلفة بملف ما يسمى “الإرهاب”، وتمت ترقيته لوزارة الداخلية بعد “أن أثبت كفاءته”.

وكانت تونس منذ الثمانينيات تدعي أنها الرائدة في محاربة التطرف الإسلامي، ويكرر قادتها أنها هي التي علَّمت السعودية “تجفيف المنابع”.

وشدد على أن السعودية كانت حريصة على تأمين لقاء بين الرئيس المخلوع “بن علي”، ووزير الداخلية التونسي، بهدف إطلاعه على تفاصيل أدق للوضع في تونس، ولضمان حسن سير التوجيهات التي وضعتها السعودية ضمن خطتها لعودة “بن علي” للحكم حتى وإن كانت بصورة غير مباشرة.

هل ستكون المحليات بداية النهاية؟

تستعد تونس لتنظيم انتخابات بلدية في 6 مايو 2018، وهي أول انتخابات محلية ديمقراطية بعد سقوط نظام “بن علي”، وتكتسب هذه الانتخابات أهمية كبرى؛ نظرًا لأنها ستكون الاختبار المصيري لشعبية الأحزاب السياسية، الحاكمة منها والمعارضة.

ومن هنا، سيكون المدخل الجديد للإمارات والسعودية لوضع الخطط للإطاحة بحركة النهضة؛ وهذا ما أكده موقع “موند أفريك” الفرنسي.

وقال الموقع في تقرير حمل عنوان “المال الإماراتي يشوش على الحراك السياسي في تونس”، للكاتب الفرنسي “نيكولا بو”، إن حكام الإمارات مستعدون لفعل كل شيء للإطاحة بحركة النهضة، بوصفها ممثلا للتيار الإسلامي في تونس.

وأشار إلى أن الأمين العام لحركة مشروع تونس “محسن مرزوق” المنشق عن حزب نداء تونس، هو الرجل الأكثر وفاء للإمارات والسعودية في تونس، وله علاقات واسعة في أوروبا والدول الخليجية.

وبحسب مصادر أمنية جزائرية فإن الإمارات تدفع بحلفائها في تونس إلی تشكيل تحالفات سياسية للإطاحة بالأغلبية الحاكمة؛ حيث فتحت أبوظبي محادثات مع رئيس الحكومة الأسبق “المهدي جمعة” لتوسيع دائرة نفوذها في تونس ضد التحالف القائم بين نداء تونس وحركة النهضة.

وبيّن أن الإمارات حاولت من خلال مركز استشارات بلجيكي دعم حلفائها في تونس وتمويلهم بطرق مشبوهة للإطاحة بـ”الغنوشي” وحركة النهضة.

هل ستنجح التجربة المصرية في تونس؟

على المدى القريب، فإن خبراء سياسيين استبعدوا نجاح التجربة المصرية التي أطاحت بالرئيس الأسبق “محمد مرسي” عبر انقلاب عسكري في 3يوليو 2013، وذلك لسببين؛ الأول، أن “فكرة التوافق” التي اختارها قائد حركة النهضة التونسية، والباجي قائد السبسي، نجحت –حتى الآن- وحقق الأخير رغباته التاريخية، وكان من نتاج ذلك خلاف بينه وبين الإمارات، ويبدو أن الخلاف متواصل.

والثاني، فإن أحد الأطرف –وهي دولة الإمارات التي كانت تراهن على “الباجي”- خسر لعبته الخطيرة، في ضرب حزب “نداء تونس”، بسبب وجود نجل الرئيس، السبسي الابن، ومقاومة حركة النهضة من أجل عدم فك هذا الارتباط.