بشير أبو معلا

الموقف الذي اتخذته جماهير جزائرية تجاه المملكة العربية السعودية بسبب القضية الفلسطينية، تجاوز كرة القدم إلى السياسة، وفي الوقت الذي أظهر فيه تعاطفا جزائرياً قوياً مع الفلسطينيين، أزاح هذا الموقف أيضا الستار عن خلافات متعددة بين البلدين.

الكاتب “أم أيه بمونديل”، كشف- في مقال بصحيفة “ألجيري موند إنفو” الناطقة بالفرنسية- عن ثلاثة حقائق تؤكد العلاقات القائمة بين السعودية وإسرائيل، وموافقتها على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه القدس.

وفيما يلي نص المقال:

منذ قرار الرئيس الأمريكي، المثير للجدل، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، تخف اللهجات، وتتحطم المحرمات، ولَعِب كل طرف مع الآخر بات مكشوفا إلى حد ما.

بعد رد الفعل الكبير من المملكة على “تيفو” البسيط من قبل مشجعي كرة القدم في “عين مليلة” واعتذار الحكومة الجزائرية- إذا سلمنا بما قاله السفير السعودي بالجزائر- يبدو التطرق إلى الموضوع المثار في جميع أنحاء العالم غير مجدٍ وهو: موقف السعودية الأقل غموضا تجاه وضع المدينة المقدسة، على الرغم من الموقف الرسمي، والذي يبدو نصفه حلوًا والآخر حامضًا.

وكان “التيفو” الذي رفعه عدد من أنصار فريق عين مليلة في مباراتهم مع فريق معسكر غالي نهاية الأسبوع الماضي، جمع صورتي الملك سلمان بن عبد العزيز ودونالد ترامب، وإلى جانبهما العلم الفلسطيني، ويتضمن “التيفو” عبارة “وجهان لعملة واحدة”، وبعدها لم تصمت الرياض، وقالت على لسان سفيرها بالجزائر، إنها تواصلت مع الجانب الجزائري، وستقوم بما يلزم بعد دراسة الموضوع.

وقد وصفت السعودية رسميا قرار الرئيس الأمريكي بـ “غير مبرر” و “غير مسؤول”، ولكن الحقائق المؤكدة تقوض صدق هذا الموقف.
أولا، رد الفعل نفسه كان أكثر خجلا من المعتاد في الظروف المماثلة، لاحظ الجميع غياب الملك سلمان عن المؤتمر الاستثنائي لـ “منظمة التعاون الإسلامي” الذي عقد في مدينة إسطنبول التركية، وكرس الاجتماع لموضوع القدس وإدانته للقرار الأمريكي وإعداد رد عليه.

والحقيقة الثانية التي تؤكد الاتهامات الموجهة إلى مملكة العرب، وهي أكثر وضوحا، ترحيب مسؤول سعودي (عبد الحميد حكيم، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والقانونية في الشرق الأوسط بجدة) بقرار دونالد ترامب على “الحرة” القناة التلفزيونية الأمريكية، والذي قال ضمن جملة من الأمور: إن القرار يشكل “صدمة إيجابية” لعملية السلام، قبل أن يبرر مطالب إسرائيل بالقدس.

نفس الشخص، دعا- في مقال كتبه في شهر مارس لمعهد واشنطن للشرق الأدنى- العرب إلى تحرير أنفسهم من “إرث الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر”، وأكد أن السعودية وإسرائيل واجهتا نفس التهديد، على غرار النازيين، قاصدا في هذه الحالة إيران.
هذا التصريحات لم تستنكرها أي سلطة سعودية، على أي مستوى كان، أو استدعاه النظام لسؤاله عنها، غير أن تصريحاته أشعلت الشبكات الاجتماعية في بلاده وجميع البلدان العربية والإسلامية، وكانت إحدى أكثر الكلمات المدهشة أن “العرب الصهاينة أكثر خطورة من الصهاينة أنفسهم”.
أما الدليل الثالث فهي الاتصالات السرية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، والتي كُشف عنها أخيرا من قبل وزير البنية التحتية الوطنية للطاقة والموارد المائية الإسرائيلي “يوفال شتاينتز”، ولهذا يجب أن نشير كذلك إلى موقع “إيلاف” السعودي، الذي نشر عدة مقابلات مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال “غادي أيزنكوت”.

هذه الأحداث الثلاثة وحدها فقط تؤيد-إلى حد كبير- الأطروحة المنتشرة على نطاق واسع، أن السعودية قد أدارت ظهرها للقضية الفلسطينية، هذا جيد للمملكة بالنسبة لها، ومن حقها قبل كل شيء، لكن بدلا من ذلك عليها إظهار مواقفها صراحة، بدلا من الازدواجية التي لم تعد تخدع الكثيرين.