بدأت المملكة العربية السعودية في تطبيق “خطة استراتيجية” لمواجهة الحكومة التركية بعد أن قرر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بأن صبره قد نفد تجاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي.

وقال موقع “ميدل إيست آي” البريطاني الذي كشف تفاصيل الخطة، في تقرير ترجمته “عربي21” إن الخطة تأتي ضمن تقرير سري أعدته الأجهزة الاستخباراتية في دولة الإمارات، الحليف المقرب من المملكة.

وهذا التقرير الاستخباري هو واحد من سلسلة تقارير شهرية يعدها مركز الإمارات للسياسات، وهو مركز أبحاث وتفكير مقرب من الحكومة الإماراتية وأجهزتها الأمنية.

والتقرير الذي يقتصر تداوله على عدد محدود من كبار القيادات في دولة الإمارات صدر تحت عنوان “التقرير الشهري حول السعودية، العدد 24، مايو 2019”. ولا يظهر هذا التقرير في الموقع الإلكتروني لمركز الأبحاث والتفكير، ولكن تمكنت “ميدل إيست آي” من الحصول على نسخة منه.

ويكشف التقرير عن أن أوامر صدرت في الرياض في شهر مايو / أيار بتطبيق خطة استراتيجية لمواجهة الحكومة التركية.

تهدف الخطة إلى استخدام “جميع الأدوات الممكنة للضغط على حكومة أردوغان لإضعافه وإشغاله باستمرار بالقضايا المحلية على أمل أن يؤدي ذلك إلى إسقاطه من قبل المعارضة، أو يبقيه مشغولاً بمواجهة الأزمات الواحدة تلو الأخرى، ويدفعه إلى الانزلاق وارتكاب الأخطاء والتي من المؤكد أن وسائل الإعلام ستستغلها”.

وقال الموقع البريطاني إنه حاول التواصل مع مركز الإمارات للسياسات، للتعليق على الموضوع ولكن لم يحصل على جواب حتى نشر هذا التقرير.

تقييد النفوذ

وتهدف الرياض وفقا لبنود الخطة السرية، إلى تقييد نفوذ أردوغان وتركيا في المنطقة.

ومما جاء في التقرير:

“سوف تبدأ المملكة في استهداف الاقتصاد التركي وتضغط باتجاه تقليص الاستثمارات السعودية في تركيا بالتدريج إلى أن تنتهي تماماً، وكذلك خفض عدد السواح السعوديين الذين يزورون تركيا بالتدريج بينما يتم إيجاد وجهات بديلة لهم، وكذلك تقليص مستوردات السعودية من البضائع التركية، والأهم من ذلك كله تهميش الدور الإقليمي لتركيا بشأن القضايا الإسلامية”.

وبحسب ما ورد في التقرير فلقد اتخذ محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، القرار بمواجهة تركيا بعد اغتيال خاشقجي، على يد فريق من العملاء السعوديين داخل قنصلية بلادهم في إسطنبول.

وكان اغتيال الصحفي السعودي، قد أثار موجة سخط عالمية، وبشكل أساسي بسبب إصرار تركيا على أن تحاسب الرياض مرتكبي الجريمة وأن يكون ذلك بشفافية تامة.

ويقول التقرير: “لقد ذهب بعيداً الرئيس أردوغان في حملته لتشويه صورة المملكة، وبشكل خاص في حملته ضد شخص ولي العهد، مستغلاً بأبشع الأشكال قضية خاشقجي”.

ويزعم مركز الإمارات للسياسات في الوثيقة بأن تركيا لم تقدم معلومات “محددة ونزيهة”، لمساعدة السعوديين في التحقيق في عملية القتل، وإنما سربت “معلومات مضللة” إلى وسائل الإعلام “وكل ذلك بهدف تشويه صورة المملكة ومحاولة الإضرار بسمعة ولي العهد”.

ويقول التقرير إن الرياض خلصت إلى أن أردوغان، فشل في محاولته تسييس وتدويل القضية، وأنه حان الوقت لشن حرب مضادة عليه.

من الجدير بالذكر أن المخابرات الأمريكية وعدداً من الشخصيات البارزة في الكونغرس الأمريكي، قبلوا بنتائج التحقيق التركي بشأن جريمة قتل خاشقجي.

كما استنتجت المخابرات الأمريكية، أنه من شبه المؤكد أن محمد بن سلمان، أجاز العملية، وهي استنتاج خلصت إليه بناء على معلومات حصلت عليها بنفسها.

وكانت صحيفة “واشنطن بوست” قد نقلت عن مسؤول أمريكي على اطلاع بما وصلت إليه المخابرات الأمريكية من استنتاجات قوله: “خلاصة الموقف أنه لا يمكن بحال أن يقع ذلك دون علمه أو مشاركته”.

منذ ذلك الحين صدر تقرير عن محققة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أغنيس كالامارد شرحت فيه المصاعب التي واجهتها السلطات التركية أثناء التحقيق في الجريمة بما في ذلك الدخول إلى مبنى القنصلية ومقر إقامة القنصل العام.

وقد خلصت كالامارد بشكل مستقل إلى أن ولي العهد هو الذي أمر بقتل خاشقجي.

بدأت الضغوط

وظهرت في الأسبوع الماضي أولى مؤشرات الحملة التي ورد تفصيلها في الوثيقة الإماراتية.

فقد منعت السلطات السعودية ثمانين شاحنة تركية محملة بالملابس والمواد الكيميائية المصنعة، في تركيا من دخول المملكة عبر ميناء ضبا.

كما تم حجز ثلاثمائة حاوية محملة بالفواكه والخضار القادمة من تركيا، في ميناء جدة، وذلك بحسب ما صرح به لصحيفة ميدل إيست آي مسؤول تركي طلب عدم البوح بهويته.

في هذه الأثناء تفيد الأرقام التي نشرتها وزارة السياحة التركية بأن عدد السواح السعوديين الذين زاروا تركيا انخفض بما نسبته 15 بالمائة (من 276 ألفاً إلى 234 ألفاً) خلال الشهور الستة الأولى من عام 2019.

يوجد لدى المملكة العربية السعودية ما قيمته 2 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة في تركيا، وذلك بحسب البيانات الصادرة عن وزارة الخارجية التركية في عام 2018.

في نفس تلك السنة، قدرت الصادرات التركية إلى المملكة العربية السعودية بما قيمته 2.64 مليار دولار، بينما كانت قيمة الواردات من المملكة 2.32 مليار دولار.

ولقد تلقت أنقرة عدداً من المؤشرات الأخرى من وراء الكواليس.

يقول التقرير الإماراتي “في إشارة إلى أن القيادة السعودية قطعت علاقتها مع إردوغان وبدأت تعامله كعدو” أقر الملك سلمان “بدون تردد” توصية من اللجنة الاستشارية بعدم توجيه دعوة رسمية للمشاركة في قمة منظمة التعاون الإسلامي في مكة.

وتمت إضافة اسم الرئيس التركي إلى قائمة أولئك المستثنين من القمة، إلى جانب كل من الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الإيراني حسن روحاني وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

في نهاية المطاف قرر الملك سلمان السماح لأمير قطر بحضور المؤتمر في مكة، ولكن من غير المتوقع أن توجه الدعوة إلى أردوغان.

تدرك الحكومة التركية ما يقوم به ولي العهد السعودي من مساع لقطع العلاقات، ولذلك فهي تحاول مواجهة ذلك من خلال التواصل المباشر مع والده، الملك سلمان.

ولقد صرح مسؤول تركي رفيع المستوى آثر إبقاء هويته طي الكتمان، بأن وجود استراتيجية سعودية لمعاقبة تركيا بسبب موقفها من قضية خاشقجي ليس مفاجئاً.

وقال المسؤول التركي: “نحن على دراية بما يقومون به. فالأمر يكاد يكون علانية، لدرجة أن بإمكانك أن ترى نشاطاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي المدعومة سعودياً، وفي وسائل إعلام الدولة السعودية.” وأشار في هذا الصدد إلى أنهم سبق وأن دعوا علانية إلى مقاطعة تركيا.

وأضاف المسؤول التركي: “بدأ عدد السواح القادمين يتضاءل، ولدينا في نفس الوقت مشاكل فيما يتعلق بالصادرات التركية. فنحن نتابع الوضع عن كثب”.

إلا أن المسؤول التركي استدرك قائلاً: إن أنقرة لا تعتقد أن المواطنين السعوديين يغيرون موقفهم من تركيا، وذلك على الرغم مما تبذله الرياض من جهود لحملهم على ذلك.

وقال: “هذه إسطنبول على سبيل المثال تعج بالسياح السعوديين، ولربما يجدر بالمسؤولين السعوديين إلقاء نظرة على استطلاع الرأي الذي أجرته البي بي سي حول شعبية أردوغان في الشرق الأوسط، وسيدركون حينها أنهم يفشلون”.

وكان أردوغان قد هاتف الملك يوم الخميس، وأثار معه مشكلة الصادرات التركية المحتجزة في الموانئ السعودية.

وفي هذا الصدد، قال مسؤول تركي آخر، اشترط أيضاً عدم البوح بهويته، إن مكالمة أردوغان الهاتفية مع الملك السعودي كانت ودية وركزت على التطورات الإقليمية مثل سوريا والقضية الفلسطينية.

وقال المسؤول التركي الذي أحيط علماً بالمكالمة الهاتفية إن الملك كان طلقاً  في حديثه ومؤيداً للمواقف التركية فيما يتعلق بسوريا.

وخلال نفس المكالمة، دعا أردوغان الملك سلمان وعائلته، بما في ذلك ولي العهد، إلى زيارة تركيا.