العدسة – باسم الشجاعي
فِي محاولة لتعزيز موقفها في الصراع الواقع في اليمن عبر أدوات ومعارك اقتصادية، وقعت السعودية اتفاقية تسليم مبلغ ملياري دولار أمريكي كوديعة في حساب البنك المركزي اليمني؛ ليصبح مجموع ما تم تقديمه كوديعة ثلاث مليارات دولار أمريكي.
وزير المالية السعودي، قال في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية، أمس “الخميس” 15 مارس: إنَّ هذه “الاتفاقية تأتي امتدادًا لدعم المملكة للشعب اليمني الشقيق، ومساعدته لمواجهة الأعباء الاقتصادية جراء معاناته من جرائم وانتهاكات المليشيات الحوثية الإيرانية، التي تقوم بنهب مقدرات الدولة والاستيلاء على إيرادات المؤسسات الحكومية بما في ذلك بيع المشتقات النفطية وتحصيل المبالغ بالريال اليمني والتلاعب في سعر صرف العملات، واستغلال ذلك لتحقيق مصالحهم الشخصية من دون وازع من دين أو ضمير، ما أدَّى إلى تدهور سعر صرف الريال اليمني وتحميل المواطنين اليمنيين تبعات ذلك”.
ذرّ الرماد في العين
الغريب فِي الأمر أن بيان السعودية حول الوديعة، الذي يثير السخرية حول أسباب دعم البنك المركزي بالمال في حين أنها تتكبد أرقامًا كبيرة يوما جراء الحرب التي تقودها منذ مارس 2015 في اليمن, وتدور الحرب بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، مدعومة بتحالف عربي تقوده الرياض، من جهة، ومسلحي جماعة “أنصار الله” (الحوثيين).
وتزامن ذلك، مع تحذير الدكتور “عبد القوي الشميري”، الأمين العام المساعد لاتحاد الأطباء العرب (منطمة غير حكومي)، من “كارثة صحية” قد يواجهها اليمن، بحلول الصيف المقبل، عبر انتشار أمراض عديدة، في ظل نقص الأدوية وانهيار البنية التحتية؛ بسبب الحرب المتواصلة منذ نحو ثلاث سنوات.
وأدَّت الحرب إلى نتائج كارثية في القطاع الصحي؛ إذ يفتقد 16 مليون شخص (من أصل أكثر من 27 مليون نسمة) للرعاية الصحية، ويعاني 1.5 مليون طفل من سوء التغذية، فيما يعاني 17 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، وبات 50% من المرافق الصحية مغلقة جزئيًا أو كليًا، بحسب ما كشف “الشميري”.
الأمر لم يقف عند هذا الحد وحسب؛ حيث كانت أعلنت منظمة الصحة العالمية، في 28 فبراير الماضي، ارتفاع الوفيات في اليمن جراء الدفتيريا إلى 72 حالة، في 20 محافظة من أصل 23، منذ أغسطس الماضي.
ويتزامن انتشار هذا المرض مع تفشي وباء الكوليرا، منذ أبريل 2017، الذي أسفر عن وفاة أكثر من ألفين و200 حالة، فيما تجاوزت الحالات المشتبه بإصابتها المليون حالة، وفق المنظمة.
رقم ضئيل
مقارنة الرقم الذي أعلنت السعودية إيداعه في البنك المركزي اليمني، بالمبالغ الطائلة التي أنفقتها على حرب صنعاء منذ صيف مارس 2015، يعتبر رقمًا ضئيلًا جدًا، ولا يلبي احتياجات البلاد.
وفي ظل عدم الشفافية التي يعشها الوطني العربي، فلا يوجد تقديرات الرسمية لحجم التكلفة الحقيقية للحرب، إلاَّ أنَّ العديد من التقارير المحلية والدولية الصحفية كشفت جزءًا منها.
فبحسب تقرير تلفزيوني بثته قناة “العربية” السعودية، في 2 أبريل 2015، أي بعد 8 أيام فقط على انطلاق عملية “عاصفة الحزم”، فإنَّ التقديرات أشارت إلى أن المملكة قد تنفق نحو 175 مليون دولار شهريًا على الضربات الجوية.
وفي أرقام بعيدة عن تقديرات القناة، قالت مجلة “فوربس” الأمريكية، بعد 6 أشهر من اندلاع الحرب، إنَّ تكلفة الأشهر الستة بلغت نحو 725 مليار دولار، أي إن التكلفة الشهرية تصل لـ120 مليار دولار.
تقدير آخر جاء في دراسة نشرتها مؤخرا جامعة “هارفارد” الأمريكية، أشارت فيها إلى أن تكلفة الحرب تصل إلى 200 مليون دولار في اليوم الواحد.
ماذا تحتاج اليمن؟
واليمن الفقير لا يحتاج فقط لـ3 مليار دولار؛ حيث إن فاتورة إعادة الإعمار تصل إلى 100 مليار دولار، بحسب ما توقع وزير التخطيط اليمني، “محمد الميتمي”، في فبراير 2016، بعيد عن احتساب عام 2017، الذي من المؤكد أن أثقلها.
لماذا البنك المركزي؟
البنك المركزي اليمني يعتبر لها أهمية قصوى لدى أطراف الصراع في البلاد؛ حيث إنه هو المؤسسة الحكومية الوحيدة– بالإضافة إلى وزارة الصحة– التي واصلت العمل بشكل فعَّال على مستوى الجمهورية خلال سنوات الاضطرابات السياسية والنزاعات المسلحة طيلة الخمسة الأعوام الماضية.
ليس هذا وفقط، فمنذ لجوء الرئيس “عبدربه منصور هادي”، إلى الرياض في المملكة العربية السعودية في مارس 2015، أصبح البنك المركزي هو المسؤول عن تحديد سياسات الاقتصاد الكلي، ومع تضاؤل إيرادات الدولة بسبب الحرب، لعبت الرياض لتوجيه المال للبنك، في محاولة منها لتعزيز موقفها في الصراع الواقع في البلاد عبر أدوات ومعارك اقتصادية.
فالسعودية مع حكومة “هادي”، تلعب على أزمة صرف رواتب موظفي الدولة، المتوقفة منذ سبتمبر من عام 2016، مقابل الاعتراف بشرعيتها والاعتراف بقرار نقل البنك من عدن الى صنعاء وتسليم ميناء الحديدة.
وبطبيعة الحال فإن إقحام البنك المركزي في الصراع السياسي، عزّز هواجس قطاع الأعمال والقطاع المصرفي، وضاعف المخاوف من انهيار وشيك للاقتصاد الذي يعيش أوضاعًا صعبة، وأدى إلى تدهور حاد في سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وأسفر بدوره إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في السوق.
ساحة خلفية للصراع
البنك المركزي اليمني أيضًا كان ساحة صراع خلفية بين الإمارات والسعودية؛ إذ يسعى الطرفان للسيطرة عليه؛ فالإماراتيون سعوا، منذ وقت مبكر، إلى التحكم في البنك وسياسته المالية أيضًا، وذلك من خلال تدريب كادر فني مكوّن من 25 فردًا في أبو ظبي منتصف أبريل 2016 لإدارة البنك.
وكذلك سهّلت السلطات الإماراتية عملية سحب نظام “السويفت” الخاص بالبنك المركزي في صنعاء من الشركة المستضيفة في دبي، إلا أنَّ تلك المساعي اصطدمت بواقع مغاير.
فالبنك المنقول لا يمتلك أي بنى مؤسّسية ولا قدرات فنية، على الرغم من أنه تمّ ترميم مبنى فرع البنك في عدن بـ50 مليون دولار، إلا أنَّ خزنته الرئيسة لم تكن تستوعب إلا بضعة مليارات، كما أن قدراته الوظيفية والفنية ظلت دون تغيير.
وفي ظل الحرب الباردة التي أعلنتها أبو ظبي على حكومة “هادي” المدعوم من السعودية، استغلت قوات موالية للإمارات حادثة السطو على فرع البنك الأهلي في مديرية المنصورة في عدن منتصف نيسان 2017، لفرض سيطرتها الأمنية على “المركزي”، تحت مبرر حماية البنك من أي هجمات إرهابية.
إلا أنَّ تلك الخطوة أثارت استياء “الشرعية” ومحافظ البنك (حينذاك)، “القعيطي”، الذي اتهم، في بيان صادر عن مجلس إدارة البنك، ضمنيًا، أبو ظبي، بإعاقة نشاط “المركزي”.
لا قيمة لها
وديعة السعودية من المؤكد أنها ليس لها قيمة كبيرة تذكر، إذ إن العملة اليمنية منهارة من الأساس وتحتاج مبالغ ضخمة لإعادتها لوضعها الطبيعي، فضلًا عن أن الفجوة كبيرة بين أسعار صرف الريال اليمني في السوق السوداء والبنك المركزي، خاصة وأنَّ العملة اليمنية تراجعت في أقل من نحو عام ونيف بنحو 50%.
فالأسباب التي ساهمت في تدهور الاقتصادي و”صفرية” البنك المركزي اليمني من الاحتياطيات الأجنبية كثيرة فمنها: “سيطرة الحوثي على احتياطيات المركزي اليمني (5 مليارات دولار)، توقف الصادرات النفطية، خصوصًا وأن الاقتصاد اليمني يعتمد بأكثر من 70% على الإيرادات النفطية، إضافة إلي التدفقات النقدية التي تعتبر معدومة، خاصة مع استمرار”.
وبناءً على ما سبق، فإن اليمن الجريح يحتاج الى خطة عاجلة لوقف نزيف الحرب، ولا يحتاج مسكنات لا تتناسب مع حجم المشكلة التي أنتجتها الحرب.
اضف تعليقا