العدسة – جلال إدريس

“وعود ثم إخلاف”، هكذا دأبت المملكة العربية السعودية على اتباع تلك السياسة مع اليمنيين في السنوات الأخيرة؛ حيث شهدت السنوات الثلاث الماضية كثيرًا من الوعود السعودية لليمنيين، التي سرعان ما تتراجع عنها وتذهب تلك الوعود في مهب الريح.

“تقنين أوضاع العمالة اليمنية في السعودية، إعطاء تصاريح عمل لمن ليس لديهم تصاريح، تصحيح أوضاع جميع العاملين حتى من دخلوا بطريقة غير شرعية، إتاحة فرص عمل لليمنيين في جميع قطاعات المملكة وإتاحة تعليم اليمنيين في مدارس المملكة”.

جميع ما سبق هو تصريحات ووعود وأوامر ملكية سعودية صدرت على مدار أعوام ماضية، ليأتي الواقع العملي مخالفًا لذلك تمامًا، حيث تشن السلطات السعودية أكبر عملية ترحيل للعمالة اليمنية في المملكة، بصورة ستسفر عن نتائج وأوضاع كارثية على جميع اليمنيين.

وبالإضافة لذلك، فإن إخلاف السعودية وعودها مع العمالة اليمنية، وترحيلها الآلاف منهم إلى اليمن في ظل الأوضاع المتردية في البلاد بسبب الحرب، فإنها تدفع الكثير منهم للقتال إلى جانب الحوثيين مقابل الحصول على أموال تعينهم على معايشهم حتى لو كان الموت مصيرهم.

إخلاف كامل للوعود

قبل الحديث عن إخلاف “السعودية” وعودها مع اليمنيين، نعود قليلا إلى عام 2015، حين احتفت الصحف السعودية بثلاثة قرارات للملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز، واعتبرت أن القرارات الثلاثة دليل على أصالة مواقف المملكة تجاه اليمنيين، ومساعٍ من الملك سلمان لتخفيف آلام اليمنيين من الأضرار التي لحقت بالبلاد جراء سيطرة الحوثيين عليها، وبالتالي شن السعودية ما يعرف بـ”عاصفة الحزم”.

وكان أول القرارات التي اتخذت وقتها، تخصيص مبلغ 274 مليون دولار، لأعمال الإغاثة الإنسانية في اليمن من خلال الأمم المتحدة، وذلك قبل أن يتولى مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية مهام الإغاثة هناك، وهو القرار الذي عبر وقتها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي عن اعتزازه الشديد به، وبعث حينها برقية شكر للملك سلمان.

أما ثاني القرارات، فكان إعلان الملك سلمان توجيهه الجهات المختصة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح أوضاع المقيمين من أبناء اليمن في المملكة بطريقة غير نظامية قبل تاريخ 20 / 6 / 1436هـ، وذلك بمنحهم تأشيرات زيارة لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد بعد حصولهم على وثائق سفر من حكومة بلادهم الشرعية، والسماح لهم بالعمل وفق ما لدى الجهات المختصة من ضوابط.

وكان القرار الثالث، دعوة وزارة التعليم، مديري المدارس في المراحل الثلاث قبول الطلاب اليمنيين القادمين للمملكة العربية السعودية، ومعاملتهم بمختلف مستوياتهم ومراحلهم التعليمية معاملة السعوديين، بحيث لا تنطبق عليهم النسبة المحددة لقبول غير السعوديين.

المثير في الأمر أن الوعود الثلاثة ذهبت في مهب الريح، حيث لم يرَ اليمنيون أية فوائد حقيقية لها، كما لم يتلمسوا آثارها الإيجابية، فالإغاثات للشعب اليمني تحتجزها السعودية نفسها في كثير من الأوقات عبر التضييق على المعابر والموانئ اليمنية، بحجة الخوف من تسريب إيران أسلحة للحوثيين، كما أن العمال تم ترحيلهم بالآلاف، والطلاب اليمنيون يضيق عليهم في المدارس.

بدء ترحيل الآلاف من العمالة اليمنية

لم تخلف السعودية وعودها فيما يتعلق بالإغاثات الإنسانية فحسب، لكنها أيضا أكلت وعودها المتعلقة بتقنين أوضاع العمالة اليمنية، حيث تشير إحصائيات وزارة الداخلية السعودية إلى أن 65% من الذين تم ترحيلهم مؤخرًا هم من اليمنيين؛ ما يعني أنه تم ترحيل 100 ألف يمني إلى ديارهم، في حين ما زال مصير 130 ألفًا آخرين غير محسوم.

فيما ذكر مصدر يمني مسؤول أن المملكة العربية السعودية رحّلت عشرات الآلاف من المغتربين اليمنيين، الذين كانوا يعملون في الأراضي السعودية، منذ بدء تطبيق قوانين العمل الجديدة في السعودية.

وذكر مسؤول حكومي يمني أن أكثر من 40000 مغترب يمني غادروا المملكة العربية السعودية خلال أقل من ثلاثة أشهر، وعادوا إلى اليمن، نتيجة تطبيق قوانين العمل الجديدة في السعودية، والتي كان العمال اليمنيون من أكثر الجنسيات تضررا من تطبيقها.

ونسب موقع (المصدر أونلاين)، الإخباري المستقل، إلى المسؤول الحكومي قوله: «إن عدد المغتربين اليمنيين الذين تم ترحيلهم أو سجلوا خروجًا نهائيًّا عبر منفذ الوديعة وحده بلغ 36 ألف مغترب خلال الفترة من بداية ديسمبر إلى 20 فبراير الماضي».

وأوضح أن هذه الإحصائية لا تشمل عدد المغتربين العاديين الذين يغادرون عبر المطارات السعودية إلى مطار عدن، أو ممن ينتقلون إلى بلدان أخرى بحثاً عن فرص عمل واغتراب جديدة.

وأضاف المسؤول اليمني، الذي فضّل عدم الإفصاح عن اسمه، خشية تعرضه للإقالة أو المضايقة من قبل دول التحالف العربي، كما حصل للعديد من الوزراء في الحكومة اليمنية، أنه تم تسجيل نحو 32 ألف يمني ممن تم ترحيلهم من المغتربين اليمنيين عبر منفذ الوديعة البري بين السعودية واليمن، على أساس أنهم من (مجهولي الهوية)، ورُحّلوا من قبل السلطات السعودية بتلك الذرائع، بينما سجل أكثر من 4 ألف آخرين خروجًا نهائيًّا من السعودية، بسبب القوانين الجديدة التي تم تطبيقها هناك، وتضمنت سعودة وتأنيث عدد من الأنشطة والمهن التي كان بالأساس يعمل بها اليمنيون.

احتقار ومعاملة عنصرية

وإلى جانب ترحيل العمالة اليمنية من السعودية، فإن العمال اليمنيين يعيشون حالة من الارتياب في السعودية بسبب القوانين الجديدة، كما أن كثيرا منهم يعامَلون كأشخاص من الدرجة الثانية.

احتقار اليمنيين ومعاملتهم كأشخاص من الدرجة الثانية، وصل إلى مطالبة عضو مجلس شورى سعودي سابق بقطع آذان المغتربين اليمنيين الذين يتم ترحيلهم من السعودية قبل مغادرتهم المملكة.

وفي عنصرية مثيرة تعكس نظرة الاستعلاء التي ينظر بها المسؤول السعودي لليمنيين، متناسيا ما قدمته العمالة اليمنية من مساهمات ساعدت في رفعة وتقدم المملكة على جميع المستويات، طالب عبدالوهاب آل مجثل، عضو مجلس الشورى السعودي في مداخلة تليفزيونية، السلطات السعودية بمعاقبة المغتربين اليمنيين قبل ترحيلهم وقطع أذن كل يمني كما تفعل الإمارات،  زاعمًا أن سلطنة عمان فعلت ذلك أيضا.

وقال عبدالوهاب آل مجثل، عضو مجلس الشورى السعودي في مداخلة تليفزيونية على قناة “فور شباب” التي كانت تناقش أزمة العمالة اليمنية، أن على السلطات السعودية معاقبة المغتربين اليمنيين قبل ترحيلهم وقطع أذن كل يمني كما تفعل الإمارات،  زاعمًا أن سلطنة عمان فعلت ذلك أيضًا.

وفي سياق العنصرية التي يتعامل بها السعوديون مع اليمنيين، انتشرت مقاطع فيديو لمغتربين يمنيين في سجون السعودية، حيث يتم تجميعهم وسجنهم بالمئات وتكديس بعضهم فوق بعض، بالإضافة إلى ذلك يتم سجن عوائلهم بما فيهم الأطفال الرضّع، حيث انتشر مقطع فيديو لرضيعين سجنتهم السعودية في سجن الشميسي بالرياض، لعدم قدرة والدهما على دفع رسوم إقامتهم معه في السعودية.

ارتماء في أحضان الحوثيين

ما عادت السعودية فُرصة للعمل! هي نصيحة يُدلي بها المغتربون اليمنيون، لمقدمين للحصول على (فيزا)، ويعتبرونها مخاطرة؛ حيث تصل الـ(فيزا) أحيانا إلى 20 ألف ريال سعودي، وهو مبلغ كبير مع انهيار العملية اليمنية، يكلف اليمني بيع كُل ما يملك، في لعبة يا نصيب غير مضمونة!.

فقرارات سعودة الأعمال وتوطينها جاءت على معظم الأعمال التي يزاولها المغترب اليمني، فأصبح اليمني عاطلاً في بلد الغربة يضطر إلى نقل كفالته إلى كفيل آخر يكلفه مبالغ إضافية، وتنتظره قرارات الضرائب التصاعدية الجديدة، وكثيرة هي القصص التي وقعت، حيث يبيع المواطن كل ما يملك ليشتري (فيزا)، ويجد نفسه في سجون الترحيل يتجمد بردًا، ويتضور جوعًا، ليعود إلى أهله خالي الوفاض! فخير للمواطن اليمني من شراء (فيزا) استثمار هذه الأموال في الوطن، وتحريك العجلة الاقتصادية ولو جزئيًّا كلٌ من جانبه.

وبسبب التضييق على العمالة “اليمنية” في السعودية، أبرزت صحيفة «الإندبندنت» مقالا كتبه رئيس حكومة الحوثيين «محمد على الحوثي»، في صحيفة الثورة اليمنية، بعنوان «مرحبا بك في بيتك»، دعا خلاله العمال العائدين إلى اليمن من السعودية «للدفاع عن الأمة في قواعدنا العسكرية»، قائلا، إن الحملة التي شنتها السعودية ضد العمالة اليمنية وأدت إلى طرد الآلاف منهم، أدت بالفعل إلى زيادة أعداد مقاتلي جماعة أنصار الله (الحوثيين) ضد المملكة.

وأشار المقال إلى أن السعودية شرعت في ترحيل آلاف اليمنيين، بدعوى مخالفتهم لأنظمة العمل والإقامة، وامتهانهم وظائف مقصورة على السعوديين، ضمن الحملة التي عرفت بـ«وطن بلا مخالف».

وتابعت «الإندبندنت»: «الآن وبعد عودة الآلاف من اليمنيين القادمين من السعودية، وفي ظل الأوضاع الإنسانية السيئة التي يعيشها اليمن جراء الحرب، فإنه يُخشى من أن يتم ضمّهم إلى الجماعات المسلّحة في البلاد، وعلى رأسها جماعة الحوثي، بالإضافة إلى تنظيم القاعدة»، بحسب التقرير الذي ترجمته «الخليج أونلاين».

ويُعتقد أن هناك مليون يمني يعيشون حالياً في السعودية، وأن التحويلات المالية التي يرسلونها إلى الخارج هي بمنزلة شريان الحياة لأسرهم، خاصة أن هناك قرابة 22 مليون يمني باتوا اليوم يعيشون على المساعدات الإنسانية، في حين يعيش أكثر من 8 ملايين آخرين على حافة المجاعة، في أسوأ كارثة إنسانية في العالم.

ونقلت «الإندبندنت»، عن إحدى اليمنيات اللاتي غادرن السعودية مع أزواجهن وذويهن، وتدعى «فايزة السليماني»، قولها: «أعرف خمسة شبان كانوا طلاباً في السعودية وبلدان أخرى، وتم ترحيلهم وانضمّوا إلى الحوثيين والميليشيات الأخرى؛ مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، إنه أمر محبط للغاية».

ويتقاضى المقاتلون الحوثيون 100 دولار شهريًا للقتال ضد تحالف قوات الشرعية، في حين أن تنظيمات أخرى مثل القاعدة تدفع مكافآت مماثلة.

ومؤخرًا هاجمت الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام «توكل كرمان»، عبر صفحتها بموقع «فيسبوك»، السعودية، معتبرة أنها بإصرارها على إعادة اليمنيين العاملين بالمملكة، تنفذ إستراتيجية تجويع شاملة لليمنيين، بعد أن قصفتهم بالطائرات، واحتلت مدنهم ومحافظاتهم، واعتقلت قيادتهم الشرعية، على حد قولها، في إشارة لبقاء الرئيس اليمني «عبدربه منصور هادي» بالرياض.