جلال إدريس

“تحالف الشر الجديد بين أمريكا وإسرائيل والسعودية يسعى لتغيير خريطة الشرق الأوسط”.. هذا ما حذَّر منه رئيس تحرير مجلة “جون آفريك” الدولية الناطقة باللغة الفرنسية، والذي أكد أن اللعنة حطت مرة أخرى على منطقة الشرق الأوسط ذات الدول الهشَّة، وأنها تنزلق مرة أخرى إلى حرب جديدة، قال إنها “مبرمجة”.

وقال الكاتب التونسي- الفرنسي بشير بن يحمد: “إن تحالفًا خطيرًا تشكل العام الماضي لتغيير خريطة الشرق الأوسط بالقوة، وفرض إرادة ثلاث دول غنية وقوية؛ هي: أمريكا دونالد ترامب، وإسرائيل بنيامين نتنياهو، وسعودية محمد بن سلمان”.

غير أنَّ الكاتب اعتبر أنّ هذا التحالف بمثابة إعلان حرب جديدة في المنطقة، مؤكدًا أن القذائف المدفعية الثلاث الأولى لتلك الحرب قد أطلقت بالفعل، في إشارة إلى غارات إسرائيل على منشآت إيرانية في سوريا، واعتراف أمريكا بالقدس عاصمة لإسرائيل، وانسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من اتفاق النووي مع إيران.

فما هو أهداف هذا التحالف وإلى ماذا يرمي؟ وكيف تحالفت السعودية الدولة المسلمة السنية مع إسرائيل الدولة الصهيونية التي تحتل مقدسات المسلمين؟

أجندة التحالف الجديد

وفقًا لتقرير مجلة (جون آفريك) الذي ترجمه موقع (القدس العربي) فإنَّ التحالف الجديد بين “أمريكا وإسرائيل والسعودية” له أجندة واضحة، ويمكن اكتشاف تلك الأجندة من خلال أفعالهم، وتلخيصها في ثلاث نقاط:

أولها طرد إيران من مناطق نفوذها وإعادتها إلى حدودها مستكينة منزوعة السلاح، لكن طهران لن تستسلم وليس ثمة أدنى فرصة لتحقيق ذلك، حسب رأي بن يحمد.

والنقطة الثانية هي تصميم وتطوير وتنفيذ خطة لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وهي المهمة التي أوكلها ترامب لصهره جاريد كوشنر، وأكد هنا أن هذه الخطة المعروفة بــ”خطة كوشنير” لم تكن تحتاج لتصميم ولا تطوير؛ إذ إنها موجودة أصلًا، فهي بكل بساطة خطة نتنياهو التي انضم له في تنفيذها بن سلمان.

ويرى بن يحمد أن تنفيذ هذه الخطة بدأ بالفعل، وذلك بتحويل السفارة الأمريكية إلى القدس، ثم التخطيط لعزل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس واستبداله بشخص أكثر انصياعًا، ثم إنشاء “دولة فلسطينية مصغرة” ذات سيادة محدودة.

وذهب إلى القول إنّ بن سلمان سيقوم بتنفيذ ما تبقى  بجعل الدول العربية “تبتلع هذا القرص”، ويوحد العرب السنة ويتحالف مع إسرائيل لشن “حرب مقدسة” ضد شيعة فارس″.

أما النقطة الثالثة، حسب “الصحيفة”، فتتمثل في بذل بن سلمان ونتنياهو جهودهما لإبعاد روسيا عن إيران والحصول على تعهدها بوقف مساعدة النظام بطهران، مقابل التغاضي عن نمو نفوذها في دول شرق أوسطية.

أوهام محور الشر

لكن الكاتب اعتبر أنّ كل هذا ليس سوى خيال سارح في أذهان هؤلاء الرجال الثلاثة، ولا مجال لتنفيذه على أرض الواقع؛ حيث أكد أنه برغم أن لهذا الثلاثي القوة لإشعال النار في الشرق الأوسط، لكنهم يفتقدون للوسائل الضرورية لحل مشاكله، ناهيك عن إعادة رسم خريطته.

وهذا ما دفع الكاتب إلى التساؤل “هل يدرك هؤلاء أنهم لا يهينون العرب المنقسمين والمهزومين فحسب، بل أيضًا الأوروبيين وروسيا والصين؟ ألا يرون أنهم يحولون العالم إلى غابة وينشرون الفوضى في أرجائه، ألا يرون أنهم يعزلون أنفسهم أكثر فأكثر عن بقية الناس على هذا الكوكب؟

 

واعتبر أن ترامب يسعى لإعادة انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة مهما كان الثمن، حتى لو تطلب ذلك أن يشن حربًا، وأنه يجب توحيد الجهود لمنع ترامب من الذهاب أبعد مما يقوم به.

مزبلة التاريخ

وأكدت المجلة أنّ حلف واشنطن والسعودية و«إسرائيل» لن يكون أفضل حالًا، وسيلحق ضررًا بالغًا بالمنطقة قبل أن يضمحل بدوره ويُرمَى في مزبلة التاريخ.

وأشارت المجلة إلى أن تنفيذ هذه الخطة بدأ بالفعل، وذلك بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة ثم التخطيط لعزل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس واستبداله بشخص أكثر انصياعًا ثم إنشاء دولة فلسطينية مصغرة ذات سيادة محدودة.

مفاجأة مصر والإمارات

لكن المفاجئ والمثير للجدل أن المجلة اعتبرت أن وراء هذا المحور الثلاثي دولًا مثل مصر والإمارات العربية المتحدة و”كومبارسات” أخرى أقل شأنًا، على حد تعبيره.

وأشار أن المنطقة شهدت خلال القرن العشرين أحلافًا مماثلة انتهت جميعها بشكل سيئ، مؤكدًا أن حلف ترامب- نتنياهو- بن سلمان لن يكون أفضل حالًا، “وسيلحق ضررًا بالغًا بالمنطقة قبل أن يضمحل بدوره ويرمى في “مزبلة التاريخ”.

ويعد وصف الإمارات ومصر بالكومبارس في هذا التحالف، مخالفًا لآراء محللين ومراقبين؛ حيث يؤكد الكثيرون أن الإمارت بقيادتها “محمد بن زايد ومحمد بن راشد” هما الداعمان الأساسيان لخطة محمد بن سلمان في التطببيع السعودي الإسرائيلي، بل إن كثيرًا من المراقبين ذهب إلى أن “بن زايد” هو من نصح بن سلمان بالتقارب مع إسرائيل إن كان يرغب في اعتلاء عرش المملكة.

السعودية بين طهران وتل أبيب

ووفقًا لمراقبين فإنّ العلاقات الإسرائيلية السعودية ظلت حتى وقت قريب في نطاق ضيق من المسئولين الأمنيين والاستخباراتيين، وحتى وقت قريب لم يجتمع الطرفان في أي لقاءات علنية أو رسمية. ولكن مع بوادر توقيع الاتفاق النووي ضرب عدة مسئولين سعوديين بذلك التقليد عرض الحائط، حيث التقى أنور عشقي، وهو لواء سابق في المخابرات السعودية، بـ «دور غولد» وهو المدير العام لوزارة الشئون الخارجية الإسرائيلية، وتضمّن اللقاء أيضًا الحديث عن الخطر الإيراني، تلا ذلك زيارة بعثة سعودية لإسرائيل في سابقة غير معهودة، شملت أنور عشقي وأكاديميين ورجال أعمال سعوديين التقوا خلالها أعضاءً في الكونجرس الإسرائيلي.

كما نشرت صحيفة الأمريكان هيرالد تريبوين مذكرة تفاهم بين الجانب السعودي والإسرائيلي، كشفت عن وجود تعاون عسكري بين البلدين، كما كشفت الوثائق عن أسماء قادة في الجيش السعودي شاركوا في تدريبات سرية مع إسرائيل، لإدارة قوات عسكرية مشتركة في البحر الأحمر، والذي من المفترض أن يكون مقرها الإداري في جزيرة تيران.

ويمكننا إذن قراءة العقل الإستراتيجي للسعودية، فهي خائفة من التخلي الأمريكي عنها وخائفة من تمدُّد نفوذ إيران وأذرعها في المنطقة والتي تشكل بالفعل حصارًا من الشمال والجنوب للمملكة، وفي سعيها للبحث عن حلفاء فقد استثمرت السعودية في إزاحة الإخوان المسلمين من السلطة في مصر بغرض تحقيق وجود مصري موالٍ لها، ولكن الحقيقة أن مصر رغم قوتها العسكرية الكبيرة إلا أنها تعاني تعثرًا كبيرًا في المجال الاقتصادي، ومؤخرًا يبدو أنها تحاول التحليق بعيدًا عن السرب السعودي بحثًا عن مصالحها الخاصة، والتي لا تتضمن بالضرورة الحرب مع إيران. إذن لم يبق للسعودية من حليف تجمعه مصالح مشتركة في سياق التخلص من الخطر الإيراني سوى إسرائيل.