كتب – أحمد عبدالعزيز

انتبهت مواقع التواصل الاجتماعي في الوطن العربي خلال الساعات الماضية، على انتشار صور لتغريدات، قيل إنّها حُذِفت، من حسابات موقعي العربية وسكاي نيوز، تنبّأت بأنَّ ملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز سيتنازل عن العرش لابنه محمد بن سلمان خلال ساعات معدودة.

وبالرغم من أنَّ التغريدات في الغالب مفبركة، إلا أنَّ ذلك لم يمنع من انتشارها بشكل واسعٍ، خاصة وأنَّ ذلك ما يتوقعه الشارع السعودي فعليًّا هذه الأيام، بعد الأحداث الدرامية التي شهدتها أسرة آل سعود مؤخرًا.

التغريدات كتب عليها توقيت موحَّد، وهو العاشرة من صباح السابع من نوفمبر الجاري، أي بعد يومين تقريبًا على حملة الإقالات والاعتقالات التي شملت أمراء ووزراء ومسؤولين كبار في المملكة، بدعوى التحقيق في جرائم فساد.

دلائل الفبركة

إلا أنَّ ما يثبت فبركتها، هي أنها نُسِبت إلى العربية وسكاي نيوز تحديدًا؛ فالأولى لن تجرؤ على اتخاذ خطوة مثل تلك إلا إذا كانت بتوجيه من الديوان الملكي السعودي، خاصة وأنَّ مالك مجموعة قنوات MBC والعربية، وليد الإبراهيم، موقوف حاليًا بتهمة التورط في عمليات فساد ورشاوى واختلاس، ولن تقدم قناته على خطوة قد تزيد خطورة وضعه الذي بدا متأزمًا بالفعل.

بالإضافة إلى أنَّ شبكة “سكاي نيوز” الإماراتية، لا تغرّد أبدًا خارج سِرب سياسة أبو ظبي، التي تعتبر الداعم الأول والرئيسي لمحمد بن سلمان في تحركاته داخل أسرة آل سعود، وسعيه للوصول إلى العرش، مهما كلّفه ذلك من مغامرات.

تويتات مفبركة

تويتات مفبركة

من “فبركها”

والسؤال هنا، إذا كانت مفبركة بالفعل، فمن الذي سيقوم بمثل هذه الخطوة؟

إجابة هذا السؤال قد يكون لها أكثر من وجه..

فقد يكون مَن فبرك هذه الأخبار، شخص قريب من الديوان الملكي، كي يوحِي للمتربصين في الخفاء، الرافضين لوصول محمد بن سلمان للعرش، أنَّ الخطوة أوشكت على التنفيذ، وهو ما قد يدفعهم للخروج من جحورهم لمنعها، وحينها يتم اصطيادهم للقضاء عليهم مبكرًا، قبل اتخاذ الخطوة فعليًا، حتى لا يكون هناك أي خطر قد يعترض عملية نقل السلطة.

وهذا ليس مستبعدًا، فقد قام الديوان الملكي بخطوة شبيه، ولكن عن طريق وكالة “رويترز”، حيث تعمد أحد المصادر في الديوان قبل عدة أشهر، بتسريب معلومة لرويترز، وسمح لها بنشرها، ملخصها، أن الملك سلمان قد قام بتسجيل مقطع فيديو، يعلن فيه تنازله عن العرش لابنه محمد، وأعطى التسجيل لنجله لإذاعته في الوقت المناسب، ورجّحت رويترز حينها حسب المصدر المجهول، أن عملية الإعلان عن تنازل الملك ستكون في منتصف شهر سبتمبر الماضي.

وحينها، تقرب الجميع هذه الخطوة منذ الساعات الأولى لليوم الأول في شهر سبتمبر، ويبدو أنَّ هذه المعلومة كانت مجرد “سنارة” لاصطياد المعارضين لعملية انتقال السلطة؛ حيث تحركت بعض الأفرع داخل الأسرة الحاكمة في السعودية لمنع هذه الخطوة، وهو ما كشف وجودها محمد بن سلمان، الذي استطاع أن يجهز عليها لاحقًا، عندما قام بالقبض على مجموعة من الأمراء بينهم الوليد بن طلال ومتعب بن عبدالله- أحد أكبر منافسيه- وآخرين، بتهم الفساد والرشوة والاختلاس، وقبلهم كان قد أطاح بابن عمه عبدالعزيز بن فهد، وحبسه في مكان غير معلوم، مشيعًا عنه أنه “مجنون” يعاني من مرض عقلي.

ويرى محللون، أنَّ خبر رويترز حينها كان مجرد فبركة مقصودة، لذا ليس من المستعبد أن تكون هذه التغريدات لها نفس الهدف، وصادرة عن نفس المصدر.

محمد بن سلمان

محمد بن سلمان

والمعارضون في القفص

على الجانب الآخر، يمكن أن تكون هذه التغريدات صادرة من المعارضين لمحمد بن سلمان أنفسهم، والهدف منها هو حشد مزيدٍ من الرافضين لابن سلمان داخل الأسرة، ودفعهم للتأهب والتحفز لمواجهته، بالادعاء أن عملية نقل السلطة باتت وشيكة، وستتم في حياة الملك سلمان وتحت عينه، حتى يضمن انتقالها فعليًا إلى نجله المفضل، وعليهم التحرك الآن لمنعها قبل فوات الأوان.

وبغضّ النظر عن مصدر هذه التغريدات ومدى صحتها، فإنَّ كثيرًا من المحللين يرون أنَّ خطوة انتقال السلطة في السعودية، باتت وشيكة جدًا، وقد تتم فعليًا بين ليلة وضحاها، خاصةً بعدما قضَى بن سلمان تقريبًا على كل خصومه في العائلة، وأرهب الباقيين بمصير مجهول حال اعتراضهم.

الوليد بن طلال

الوليد بن طلال

التأجيل محتمل

إلا أنَّ هناك وجهة نظر معتبرة، ترى أنَّ الغضب الذي ولدته تحركات بن سلمان الأخيرة، وتعدّيه على الأمراء بهذا الشكل المهين، واتهامه لهم بالفساد والرشوة وتشويه صورتهم أمام الرأي العام السعودي، سيتسبب في تأجيل خطوة انتقال السلطة عدة أشهر قادمة.

ويرجع أصحاب هذا الرأي وجهة نظرهم إلى أن القوة الرئيسية التي يستمدها ولي العهد حاليًا، تأتي من الملك الذي مازال كبير العائلة السعودية، واحترامه واجب مقدس على الجميع، ووجوده يمنع باقي الأسرة من التكتل ضدّ ولي العهد بشكل منظم للقضاء عليه، حفاظًا على تماسك الأسرة ككل، فأزمتهم ليست مع الملك بل مع ولي العهد، وإذا ما ابتعد الملك عن المشهد، باتت المواجهة حتمية ومباشرة بين الطرفين دون أي اعتبارات أخرى، وهو ما قد يتسبب في اهتزاز مركز بن سلمان ويعوق استمراره في السلطة حتى لو وصل للعرش لبعض الوقت.

كما أن الرافضين لمحمد بن سلمان، لا يرغبون في نقل المعركة إلى الملك، حيث يرون أنه قد يكون الحل الأخير في هذه الأزمة، حفاظًا على بقاء أسرة آل سعود على سدة الحكم في بلاد الحرمين، والحل في هذه الحالة، قد يأتي عن طريق موافقة الملك على إزاحة نجله من ولاية العهد، مع استمراره هو في الحكم، واستبدال الشاب الطائش بشخص آخر يكون حوله توافق، وإعادة الأمور إلى مجاريها، وتحقن الدماء بين الأطراف المتصارعة، ويبقى الملك سلمان على العرش حتى وفاته.

الملك سلمان

الملك سلمان

إلا أنَّ هذا الحل، قد يكون بعيد المنال، في ظل سيطرة محمد بن سلمان على والده سيطرة كاملة، حيث بات الملك- الذي يعاني من أمراض كثيرة بحكم السن بينها الخرف- موجهًا من قبل نجله، وقد لا يكون واعيًا لكثير من الخطوات والإجراءات التي يقدم عليها هذا الشاب، أو أن يكون مضللًا بحكم انفصاله عن الواقع، ما يعني أنَّ الوصول إليه وإقناعه بهذا الحل دون المرور على نجله، سيكون أمرًا شبه مستحيل.

في كل الأحوال.. السعودية تعيش الآن، مرحلة فاصلة في تاريخها ومستقبلها..

وقد تشهد الأيام القليلة القادمة، تطورات أكثر درامية، وأشد غرابة من كل التي شهدتها الأيام الماضية، وهو ما يعني أن السعودية التي نعرفها لن تكون كما هي بعد عام من الآن.