في خطوة تؤكد تراجع نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، أعادت المملكة العربية السعودية وإيران العلاقات بمساعدة الصين واتفقا على إعادة فتح السفارات في عواصم كل منهما.

لطالما كانت السعودية وإيران خصومًا سياسيين على مدار العقود الماضية جمعهما خلافات عديدة في المنطقة، أبرزها حرب اليمن الدموية التي وقف كل طرف فيهما ضد الآخر مخلفين أسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث، ومع إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الحكومتين السعودية والإيرانية فإن حدة التوتر في المنطقة تقل بينما تزداد الآمال بأن حربهما بالوكالة في اليمن ستنتهي.

في الوقت نفسه، ترقى هذه الصفقة إلى صفعة على الوجه لإدارة بايدن، إنها علامة على أن الحكومة السعودية، في عهد محمد بن سلمان، مستعدة لزيادة العلاقات مع خصوم الولايات المتحدة في اتفاقات بالطبع سيكون لها تداعيات كبيرة على مستقبل المنطقة.

في تغريدة له على تويتر، قال آرون ديفيد ميلر – الدبلوماسي الأمريكي السابق الذي عمل مستشارًا لوزراء خارجية متعددين بشأن الشرق الأوسط- “هذه الخطوة تأتي في وقت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين في أدنى مستوياتها على الإطلاق، كما تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران… محمد بن سلمان عقد صفقة تعزز بكين وتضفي الشرعية على طهران… هذه الصفقة هي صفعة على وجه بايدن.”

تشير هذه الخطوة أيضًا إلى نفوذ الصين المتزايد في الشرق الأوسط بعد عقود من الهيمنة الأمريكية في المنطقة التي حفزتها إلى حد كبير الحرب المزعومة على الإرهاب.

قالت أنيل شلين، الزميل الباحث في معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول، على تويتر: “وساطة الصين في هذه الصفقة أمر لافت للانتباه… إنه يظهر الدور الذي يمكن أن تلعبه الصين في رسم شرق أوسط يهتم بالتجارة والاقتصاد أكثر من الصراع ومبيعات الأسلحة التي عززهما وجود الولايات المتحدة في المنطقة.”

الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لديهما علاقة وثيقة وهما شريكان أمنيان لسنوات، لكن العلاقات بين البلدين توترت منذ عملية الاغتيال الوحشية للصحفي السعودي وكاتب العمود في واشنطن بوست جمال خاشقجي عام 2018، مما دفع كثيرين في واشنطن إلى الدعوة إلى إعادة تقييم العلاقات الأمريكية السعودية.

تعهد الرئيس جو بايدن أثناء حملته الانتخابية بجعل المملكة العربية السعودية “منبوذة” بسبب مقتل خاشقجي، وفي الربع الأول من عام 2021 أصدرت إدارته تقريرًا استخباراتيًا رفعت عنه السرية خلص صراحة إلى تورط ولي العهد في جريمة القتل.

ورغم هذه التعهدات شديدة اللهجة، واجه بايدن انتقادات العام الماضي عندما زار المملكة العربية السعودية والتقى بمحمد بن سلمان في وقت كانت إدارته تحاول الضغط على الرياض لزيادة إنتاج النفط وسط نقص مرتبط بالحرب في أوكرانيا التي أدت إلى ارتفاع أسعار الغاز للمستهلكين الأمريكيين، لكن المملكة العربية السعودية تحركت في نهاية المطاف لخفض إنتاج النفط ولم تستجب لدعوات بايدن، وهو ما اعتبر إحراج دبلوماسي لإدارة بايدن وأثار غضبًا في الكونجرس.

تأتي الصفقة السعودية الإيرانية أيضًا في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة توترات تاريخية مع كل من إيران والصين، إذ تسلم بايدن منصبه متعهدًا باستعادة الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع إيران إبان فترة أوباما، وما زالت طموحات طهران النووية تثير المخاوف في واشنطن وخارجها، في وقت وصلت العلاقات بين الصين والولايات المتحدة إلى أدنى مستوياتها منذ عقود.

كما يمكن للاتفاق السعودي الإيراني أن يؤثر على الجهود المبذولة لتطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، بالنظر إلى أن الأخيرة وإيران عدوان قديمان، ويبدو أن إسرائيل تشير إلى أنها قد تتخذ إجراءً عسكريًا ضد إيران بسبب برنامجها النووي المتسارع، خاصة بعد أن قال خبراء الأمم المتحدة مؤخرًا إن طهران قامت بتخصيب اليورانيوم إلى 84 ٪ – بالقرب من مستويات صنع الأسلحة بنسبة 90 ٪ فيما اتهمت إيران الشهر الماضي إسرائيل بتنفيذها هجوم بطائرة بدون طيار على أحد منشآتها العسكرية، وحذرت من أنها قد ترد “أينما ومتى اقتضت الضرورة”.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا