كتب- باسم الشجاعي:

مازالت أصداء وصول “مهاتير محمد” إلى رئاسة الوزراء في ماليزيا– مايو الماضي-، تتردَّد في الأوساط السياسية ليس داخليًا وحسب، ولكن أيضًا خارجيًا؛ حيث وصلت مؤخرًا إلي اليمن.

فقد أعلنت ماليزيا، “الخميس” 28 يونيو، انسحابها رسميًّا من التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن منذ 2015 وسحب قواتها العسكرية من الرياض.

وأكد وزير الدفاع الماليزي الجديد، “محمد سابو”، سحب قوات بلاده رسميًّا من السعودية، مشيرًا إلى أنَّ القرار اتخذته الحكومة الأسبوع الماضي.

وأعرب عن استعداد قوات بلاده لإجلاء مواطنيها الموجودين في اليمن حال حدوث أزمةٍ ما، وذلك وفقًا لما أوردت وسائل إعلام محلية.

وشدد “سابو” على أن ماليزيا تريد علاقات جيدة مع الجميع باستثناء “إسرائيل”، مؤكدًا أنَّ بلاده تريد علاقات جديدة مع السعودية ومثلها مع قطر.

وكانت الحكومة الماليزية أعلنت، الأسبوع الماضي، أنها تدرس سحب قواتها المنتشرة في المملكة العربية السعودية.

ولم يقدم “سابو” أي معلومات حول عدد القوات الماليزية المنتشرة في الأراضي السعودية.

وشاركت القوات الماليزية في أبريل الماضي في مناورات “درع الخليج المشترك 1” في المملكة السعودية.

وتنتمي ماليزيا إلى التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب والذي يضم 35 دولة وتقوده المملكة السعودية.

وهو ما يدفعنا للتساؤل عن كيفية تعامل الرياض وأبوظبي مع “مهاتير محمد” خلال الفترة المقبلة، هل ستتجه إلى ممارسة سياسة ناعمة وأكثر دبلوماسية أم ستتبع نفس الأسلوب الذي تنتهجه في تونس ولييبا ومصر.

ضغوط داخلية

ظاهريًا يبدو أنَّ ماليزيا استجابت لضغوط داخلية للانسحاب من مشاركة القوات العربية التي تحارب في اليمن تحت قيادة السعودية والإمارات.

فالقرار جاء بعد أيام من انتقاد منظمات ماليزية لوجود قوات ماليزية في السعودية، وقالت إنه مخالف لتحذيرات الأمم المتحدة ودعوتها دولَ العالم لعدم التعاون مع السعودية.

فكانت هيئة ماليزية لحقوق الإنسان، “محامون من أجل الحرية”، تساءلت في بيان لها في وقت سابق عن جدوى مشاركة قوات ماليزية في حرب التحالف بقيادة السعودية ضد اليمن والتي بدأت في عام 2015 وتستمر حتى يومنا هذا.

وقال مدير الهيئة التنفيذي “إريك بولسن”، إنه في ظل إدارة “داتوك سيري” (رئيس الوزراء الماليزي السابق) ، لم يستجب وزير الدفاع السابق، “هشام الدين حسين”، لمخاوف الأمم المتحدة، كما قلّل من شأن أي تدخل ماليزي، معلنًا أن القوات الماليزية كانت منتشرة فقط لإجلاء الماليزيين من اليمن، ولأغراض إنسانية.

وختم البيان إذا كان صحيحًا بالفعل أن قواتنا قد تمّ نشرها للمساعدة في جهود الإجلاء، فمن المفترض أن يكون انتهى العمل الآن وليس هناك حاجة للبقاء منتشرين لأكثر من ثلاث سنوات.

وميدنيًا، حذرت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة من تفاقم الوضع الإنسانى والصحي المتدهور جراء تصاعد القتال فى محافظة الحديدة غربى اليمن.

وقالت المنظمة- فى تقرير لها- إنَّ محافظة الحديدة، تعاني بالفعل أعلى معدلات سوء التغذية فى اليمن، وإن تصاعد القتال هناك قد يزيد من الحالات المصابة بسوء التغذية.

وتنفذ القوات الحكومية اليمنية، بإسناد من التحالف العربي الذي تقوده السعودية، منذ 13 يونيو الجاري، عملية عسكرية لاستعادة مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي على البحر الأحمر، الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، منذ أكتوبر من العام 2014.

واستطاعت هذه القوات، خلال الأيام الماضية، السيطرة على مطار الحديدة الدولي، والتقدم في عدة مواقع بالمحافظة الساحلية.

ومنذ أكثر من 3 أعوام، يشهد اليمن حربًا عنيفة بين القوات الحكومية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، المدعومة بقوات التحالف العربي بقيادة السعودية من جهة، ومسلحي جماعة “الحوثي” من جهة أخرى.

ملفات الفساد

بعيدًا عن الضعوط الشعبية التي لم تكن كبيرة، لا يمكن أن يتم فك الربط بين قرار انسحاب ماليزيا من القوات العربية المشاركة في الحرب على اليمن وملفات الفساد التي فتحها رئيس الوزراء الماليزي الجديد “مهاتير محمد” التي  تتهم السعودية والإمارات بالتورط فيها.

فالتحقيق مع رئيس الوزراء الماليزي السابق والمدعوم سعوديًا “نجيب عبد الرزاق”، من المتوقع أن تُسلّط الضوء على علاقة شركة“Malaysia Development Bhd 1″ بشركة الطاقة السعودية بترو سعودي إنترناشيونال المملوكة لرجل الأعمال السعودي “طارق عصام أحمد عبيد”، وكذلك بعدد من الأمراء البارزين في العائلة السعودية الحاكمة الذين يقال إنهم موّلوا “رزاق”.

وتعود قضية التدخلات السعودية والإمارات في الشؤون الماليزية إلى عام 2017 حين كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” في يناير 2017، عن وثائق محاكمات وتحقيقات أظهرت وجود دور لسفير الإمارات لدى واشنطن “يوسف العتيبة” في فضيحة اختلاس وسرقات من الصندوق السيادي الماليزي من خلال شركات مرتبطة به تلقت ملايين الدولارات من شركات خارجية، قال المحققون في الولايات المتحدة وسنغافورة: إن أموالها اختلست من صندوق تنمية ماليزيا.

وذكرت الصحيفة، بعد اطلاعها على وثائق قضائية واستقصائية، أن شركات على صلة بـ”العتيبة” تلقت 66 مليون دولار من شركات أوفشور، تعمل من خارج البلاد.

وتضمن هذا المبلغ، بحسب محققين أمريكيين وآخرين من سنغافورة، أموالًا مختلسة من شركة ماليزيا للتنمية “Malaysia Development Bhd 1″، وهي صندوق استثماري مملوك بالكامل لحكومة ماليزيا.

عائق أمام النفوذ

وخلافًا للتنقيب ماليزيا في ملفات الفساد، من المؤكد أن صعود “مهاتير” للسلطة، لم يكن سهلًا على السعودية والإمارات، لأنّ تبعات ذلك ستقوض سياسة البلدين آسيويًا، وربما يمتد تأثيرها إلى عواصم غربية.

فالقلق داخل السعودية والإمارات من رغبة ماليزيا في عهد “مهاتير محمد” بالنأي بنفسها عنهما قد يقرّبها من إيران، فضلًا عن المواقف السابقة للرئيس الوزراء الجديد الذي كان فيها منحازًا ضد اليهود، وهو ما أكده وزير الدفاع أيضًا في تصريحه الذي أدلى به بعد إعلان الانسحاب من التحالف العربي، قائلًا: “ماليزيا تريد علاقات جيدة مع الجميع باستثناء إسرائيل”.

ويقيم عشرات الآلاف من الإيرانيين في ماليزيا، نتيجة لسياسة الانفتاح التي تتبعها ماليزيا، غير أنّ أثرهم محدود في الأوساط الماليزية.

ولكن الشأن الإيراني قفز إلى السطح عندما ساءت العلاقة مع إيران في “عهد نجيب” قبل حوالي أربع سنوات، وذلك بضغوط سعودية، حتى وصل الأمر إلى إصدار فتوى من جهات رسمية ماليزية بتكفير الشيعة، واستغلت حادثة اكتشاف حسينية شيعية في كوالالمبور وتشييع بعض الماليزيين لخلق جو مضاد للتشيع.

أضف إلى ذلك اتجاه ماليزيا نحو تركيا، فمن المتوقع أن تتحسن العلاقة بين البلدين بشكل سريع وكبير، إثر تبوء “مهاتير محمد” رئاسة الوزراء، وهو ما سيكون دون شك في مصلحة كل من البلدين.