تواصل الإمارات سعيها لتعزيز نفوذها بالجنوب اليمني عبر تحريك القوات التابعة لها على الأرض ممثلة في المجلس الجنوبي الانتقالي لخلق حالة من الفوضى وتأجيج الصراع في المدن والمحافظات التي تسعى للسيطرة عليها، وعلى غرار محافظة عدن، تسعى الإمارات للسيطرة الكاملة على جزيرة سقطرى الجنوبية ، التي تتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة كونها أكبر وأهم الجزر اليمنية علي الإطلاق.

ويسود التوتر في سقطرى، كبرى جزر أرخبيل (يحمل الاسم ذاته)، مكون من 6 جزر، وتحتل موقعا استراتيجيا في المحيط الهندي قبالة القرن الأفريقي، بين القوات الحكومية وميليشيات مدعومة إماراتيا، مسنودة بمتمردين عسكريين منذ أشهر.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، تصاعدت حدة التوتر والاحتقان بين القوات الحكومية في سقطرى والمجلس الانفصالي، لا سيما عقب سيطرة مسلحين يتبعون الأخير، وقوات عسكرية موالية له، على قيادة اللواء أول مشاة بحري، ومحاولتها السيطرة على مدينة حديبو.

ومطلع يونيو الجاري، اندلعت اشتباكات عنيفة بين القوات الحكومية من جهة، ومتمردين ومسلحين تابعين للمجلس الانتقالي من جهة أخرى، حاولوا اقتحام مدينة حديبو، وتمكنت القوات الحكومية في حينه من إفشال المحاولة، التي كانت تعد الثانية خلال يومين.

اجتياح إماراتي 

وفي تطور لافت اجتاحت قوات “المجلس الانتقالي الجنوبي“، المدعوم إماراتياً، ظهر الجمعة، مدينة حديبو عاصمة محافظة أرخبيل سقطرى اليمنية، وذلك بعد قصف مدفعي مكثف بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وسط صمت القوات السعودية المكلفة بتأمين الجزيرة.

وقالت مصادر محلية إنّ حرب شوارع شهدتها مدينة حديبو عاصمة سقطرى، بعد سيطرة المجموعات المسلحة المدعومة إماراتياً على مقر شرطة الأرخبيل، والذي يبعد عشرات الأمتار عن مقر “قوات الواجب” السعودية.

وتوسعت رقعة الاشتباكات لتصل إلى محيط مقر المحافظة الذي سيطرت عليه قوات الانتقالي بسهولة ودون أدني مقاومة، بعد انسحاب قوات الحكومة الشرعية من المبنى، ويسعى حلفاء الإمارات كذلك للسيطرة على مقر القوات الخاصة أهم القواعد العسكرية للجيش الموالي للشرعية.

ونقلت صحيفة “المشهد اليمني” عن مصدر حكومي، أن قوات المجلس الانتقالي الجنوبي سيطرت على مديرية أمن سقطرى، عقب اشتباكات مع القوات الحكومية في الجزيرة، وأضاف أن إدارة أمن حديبو عاصمة محافظة أرخبيل سقطرى، أصبحت تحت سيطرة القوات التابعة للمجلس الانتقالي.

وتعد هذه هي رابع موجة من التمرد التي يقودها حلفاء الإمارات على قوات الشرعية، في الوقت الذي تتواجد فيه قيادات “المجلس الانتقالي” الانفصالية في الرياض، بناء على دعوة سعودية.

استنكار حكومي 

وقوبل هذا الهجوم بموجة استنكار كبيرة من قبل حكومة” الشرعية” ، واعتبرته اعتداءا غاشما وانقلابا على الشرعية، كما استنكرت الصمت والخذلان السعودي تجاه هذا الاجتياح ودعتها لتحمل مسئولياتها والتحرك العاجل والجاد لوقف ما وصفته بـ”الصلف” الذي تقوم به قيادات الانتقالي.

وأكدت الحكومة، في بيان مساء الجمعة، نشرته وكالة “سبأ” الرسمية . ، أن الهجوم المسلح الذي شنته مجاميع الانتقالي على سقطرى وسيطرتها على عدد من المباني الحكومية ومؤسسات الدولة، “يحتم الوقوف بجدية، وعدم الصمت حيال ما يجري انطلاقا من المسؤولية التاريخية والوطنية للحكومة أمام شعبها والرأي العام، ولن تقبل به أو تتهاون معه”.

وأشارت الحكومة إلى أن ما وصفته بـ”الاعتداء الغاشم” على المواطنين بسقطرى “يمثل الرد الفعلي العدواني والمستهتر لما يسمى بالمجلس الانتقالي على الجهود الحثيثة التي تبذلها السعودية لاستعادة مسار تنفيذ اتفاق الرياض، وتوحيد الجهود لمواجهة مليشيا الحوثي الانقلابية، وتكشف حقيقة موقف هذه القوى المتمردة والطرف الداعم لها”.

وطالبت الحكومة اليمنية التحالف بقيادة السعودية، وبحكم وجود قواته العسكرية في أرخبيل سقطرى، بتحمل مسؤولياته والتحرك العاجل والجاد لوقف ما سمته بـ”الصلف الذي تقوم به قيادة المجلس الانتقالي، ومجاميعها المسلحة والتي تم حشدها خلال الفترة السابقة من خارج أرخبيل سقطرى لتهاجم الآمنين من أبناء سقطرى”.

كذلك اعتبرت في البيان أن “إصرار المجلس الانتقالي والجهة الداعمة له على انتهاج هذا المسار الانقلابي المدان والمرفوض، لن يقود إلا إلى مفاقمة الأوضاع وزيادة المشكلات والمعاناة للوطن والمواطنين، وعليهم العودة إلى الواقع وقراءة الإجماع المحلي والإقليمي والدولي الداعم للشرعية وعدم البقاء في غياهب المقامرة والذهاب بعيداً في المأزق الذي أوقع البلاد ونفسه فيه”.

وشددت الحكومة على أن “إصرار العناصر المتمردة لما يسمى المجلس الانتقالي على إدخال سقطرى، إحدى أكثر مناطق العالم أمانا، في الفوضى، لن يكتب له النجاح، وسترتد هذه المؤامرة على نحر من افتعلها أو تورط فيها، سواء بالدعم المباشر أو غير المباشر”، في إشارة إلى الإمارات التي تدعم القوات الانفصالية.

وأوردت في البيان أن “المؤامرة على أرخبيل سقطرى ووحدة وسلامة الأراضي اليمنية تتعدى أي خلافات داخلية، وأسبغت بغطاء داخلي وأدوات داخلية لتحقيق غايات وأحقاد تستهدف الإنسان اليمني والأرض اليمنية”.

وفيما أشادت بموقف أبناء محافظة أرخبيل سقطرى وسلطتها المحلية “الرافض لهذه الأعمال التخريبية والرافض إلى جر هذا الأرخبيل الآمن والمسالم في أتون الفوضى”، كما دعت الحكومة “المجتمع الدولي والمنظمات المعنية، وعلى رأسها اليونسكو، إلى الوقوف بحزم أمام هذه الأعمال التخريبية والتدميرية التي تهدد سقطرى، إحدى أهم محميات العالم الطبيعية والمدرجة في قائمة التراث العالمي.

تواطؤ سعودي

وأثار الانسحاب المفاجئ لقوات الشرعية المدعومة سعوديا من المدينة شكوكا كثيرة حول تواطؤ السعودية مع الإمارات في هذا الهجوم وسعيها لتمريره كسبا لود الإمارات التي تحتاجها السعودية في ملفات أخري وعلي أكثر من صعيد، حيث اتهم مستشار وزير الإعلام اليمني مختار الرحبي، الجمعة، القوات السعودية المتواجدة في سقطرى بخذلان القوات الحكومية أمام “هجوم الانتقالي الجنوبي“، محمّلاً إياها نتائج ما يحدث من سفك للدماء واحتلال للمؤسسات.

وفي حديثه مع “التلفزيون العربي”، شدّد “الرحبي” على أنه كان بإمكان السعودية إيقاف المليشيات عند حدّها، مشيراً إلى أن محافظة سقطرى لم تشهد انقلابات أو حوادث قتل أو اغتيالات إلا عندما دخلت الإمارات إليها.

 من جهته، طالب سفير اليمن لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، محمد جميح، مساء أمس الجمعة، اليمنيين بوضع الحكومة الشرعية في دائرة المساءلة. وقال، في تغريدة عبر “تويتر”: “تشير تطورات الأحداث في اليمن إلى أن على اليمنيين أن يضعوا الشرعية في دائرة المساءلة”. ولفت إلى أن “نصوص الدستور واضحة، وعمل الشرعية واضح”، مشيراً إلى أن “المساءلة تكون بقياس الأفعال إلى النصوص”، على حدّ قوله، وأضاف: “كما نسائل الحوثي عمّا فعل، والانتقالي عمّا عمل، والإقليم والعالم عمّا قدم؛ ينبغي مساءلة الشرعية عن أدائها”.

إلى ذلك، توعد محافظ محافظة المحويت، شمالي اليمن، القيادي في حزب “المؤتمر الشعبي العام” صالح سُميع، ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد بأنه سيبكي على اليوم الذي وطئت فيه قدمه سقطرى.

وقال، في تغريدة عبر “تويتر”، مساء الجمعة، “خذوا عني هذا واحفظوه لقادم الأيام: سيبكي محمد بن زايد ندماً على اليوم الذي وطئت فيه قدمه سهول سقطرى وجبالها”. ودعا المسؤول اليمني محمد بن زايد إلى “مراجعة من تجرعوا ذلك عن بؤس ماضيهم في اليمن، وأن يتعظ ويتعقل”.

وفي تغريدة أخرى أوضح المسؤول أن “سقطرى كانت في الماضي وهي في الحاضر وستظل في المستقبل، جزءاً صميماً من أراضي الجمهورية اليمنية، وأي تواجد أجنبي فيها سواء كان مباشراً أو غير مباشر لن ينفي حقاً في الحاضر، ولن يشرعن للوجود الأجنبي في المستقبل”.

اقرأ أيضاً: انسحاب السعودية من اليمن: خياران أفضلهما مُر وهزيمة تلوح في الأفق