في إطار محاولاته المستمرة لتبييض صورته عالميًا، استقبل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، توماس باخ، لمناقشة ما وصفته وسائل الإعلام الرسمية بـ”تعزيز التعاون الثنائي” في مجال الرياضة والألعاب الأولمبية. وبعيدًا عن التصريحات المنمقة التي تروج لـ”ازدهار الرياضة” في المملكة، يكشف تحليل عميق لهذه الخطوة عن نمط متكرر من محاولات النظام السعودي لاستخدام الأحداث الرياضية الدولية كأداة سياسية ودبلوماسية تهدف إلى تلميع سجله القاتم في مجال حقوق الإنسان.

  الرياضة كأداة للتلميع السياسي

لم يكن اللقاء بين محمد بن سلمان وتوماس باخ مجرد اجتماع عابر لمناقشة شؤون الرياضة، بل جاء في سياق أوسع من محاولات السعودية لاستخدام الفعاليات الرياضية كأداة سياسية لتحسين صورتها عالميًا. خلال السنوات الماضية، ضخت المملكة المليارات في استضافة أحداث رياضية ضخمة، بدءًا من سباقات الفورمولا 1، مرورًا ببطولات المصارعة العالمية، وصولًا إلى استثماراتها الضخمة في كرة القدم الأوروبية، وأبرزها الاستحواذ على نادي نيوكاسل يونايتد وصفقات جذب نجوم عالميين للدوري السعودي.

لكن هل تعكس هذه الاستثمارات تحولًا حقيقيًا نحو تطوير الرياضة؟ أم أنها مجرد محاولة لإخفاء سجل المملكة المليء بانتهاكات حقوق الإنسان، والتضييق على الحريات، وقمع المعارضين؟

وفقًا لمؤسسات حقوقية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، فإن هذه الاستثمارات لا تعكس تحولًا حقيقيًا نحو الانفتاح، بل هي مجرد غطاء يحاول النظام من خلاله التهرب من المساءلة الدولية. فالرياضة التي يُفترض أن تكون رمزًا للسلام والتعاون الدولي، تُستخدم هنا كوسيلة لإعادة تشكيل صورة نظام بن سلمان، وليس لخدمة الرياضيين السعوديين أو تطوير البنية الرياضية المحلية.

 اللجنة الأولمبية الدولية: ازدواجية المعايير؟

يطرح الاجتماع بين محمد بن سلمان ورئيس اللجنة الأولمبية الدولية تساؤلات حول موقف اللجنة من الأنظمة القمعية التي تستغل الرياضة لغسيل سمعتها. فرغم أن اللجنة الأولمبية الدولية تدّعي الالتزام بقيم النزاهة والشفافية، إلا أنها لم تتخذ أي موقف واضح تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية. على العكس، يبدو أن مصالحها المالية المرتبطة بالاستثمارات السعودية الضخمة في المجال الرياضي تدفعها لغض الطرف عن الانتهاكات المستمرة.

هذا التواطؤ يعكس مشكلة أعمق تتعلق بتغلغل المال السعودي في المؤسسات الرياضية العالمية، حيث لم تعد هذه الهيئات تكترث بالمبادئ الأخلاقية بقدر اهتمامها بالمكاسب المادية. ومن هنا، يصبح دعم اللجنة الأولمبية الدولية للتعاون مع السعودية خطوة أخرى تعزز من تطبيع القمع تحت غطاء الرياضة.

   الرياضة السعودية.. واجهة براقة وواقع هش

رغم كل الدعاية حول “تطور الرياضة في السعودية”، فإن الواقع يكشف عن صورة مختلفة تمامًا. فالمملكة لا تزال تعاني من غياب رياضة حقيقية قائمة على التنافس الحر والتطوير المؤسسي. فعلى سبيل المثال:

غياب الحريات الرياضية: لا يمكن فصل الرياضة عن السياسة في السعودية، فالقرارات المتعلقة بالرياضة تصدر بشكل مباشر من القيادة السياسية، والاتحادات الرياضية مجرد أدوات لتنفيذ أجندة الحكومة.

تجاهل تطوير البنية التحتية الرياضية: بدلًا من الاستثمار في بناء قاعدة رياضية حقيقية تشمل دعم الناشئين، وتطوير الأكاديميات، وتعزيز الثقافة الرياضية، تركز المملكة على جلب الفعاليات الدولية الجاهزة لإضفاء شرعية على مشروعها الرياضي.

ملف العمالة وانتهاكات الحقوق: الكثير من المشاريع الرياضية السعودية، بما فيها المنشآت الأولمبية المخطط لها، تعتمد على العمالة المهاجرة التي تعمل في ظروف قاسية، وهو ما أثار انتقادات المنظمات الحقوقية.

  القيود المفروضة على النساء في الرياضة: رغم السماح التدريجي بمشاركة النساء في بعض الرياضات، لا تزال القيود المجتمعية والقانونية قائمة، ما يجعل مشاركة المرأة شكلية أكثر من كونها تحولًا حقيقيًا.

 عندما تصبح الرياضة وسيلة للقمع الناعم

لقاء محمد بن سلمان وتوماس باخ ليس مجرد تعاون رياضي، بل جزء من إستراتيجية سعودية كبرى لاستخدام الرياضة كأداة للقوة الناعمة. وبينما يحاول الإعلام الرسمي تصوير هذه الجهود على أنها “قفزة نحو المستقبل الرياضي”، يبقى الواقع مختلفًا: الرياضة في السعودية لا تزال خاضعة لقيود سياسية صارمة، وحقوق الإنسان لا تزال ضحية تحت غطاء الملاعب والاستادات الفاخرة.

بدلًا من إنفاق مليارات الدولارات على الترويج لصورة زائفة، ينبغي على النظام السعودي التركيز على إصلاحات حقيقية تشمل حرية التعبير، إنهاء قمع النشطاء، وتمكين الرياضيين المحليين في بيئة رياضية حقيقية، لا بيئة خاضعة للإملاءات السياسية.

السؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرح اليوم ليس: كيف ستطور السعودية الرياضة؟ بل: كيف يمكن للعالم أن يقبل تبييض سمعة الأنظمة الاستبدادية عبر الرياضة؟