في محاولة منهم لتعزيز نفوذهم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تقوم كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر بالتدخل في مناخ السودان السياسي، والمتوتر حالياً، وذلك لمقاومة ظهور الديمقراطية في البلاد والتي قد تهددهم.
منذ شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي خرج الداعين إلى الديموقراطية إلى شوارع الخرطوم للاحتجاج على التضخم وارتفاع الأسعار، مطالبين برحيل رئيسهم المستبد عمر البشير والمستمر في السلطة منذ 3 عقود، وقد نجحوا بالفعل في عزله في 11 أبريل/نيسان، لتبدأ المعركة الجديدة نحو تشكيل حكومة مدنية.
بمجرد إزاحة البشير، تولى المجلس العسكري الانتقالي السيطرة على الحكومة للإشراف على عملية انتقال السلطة، وهو ما رفضه المتظاهرون واستمروا في تظاهراتهم مطالبين بتشكيل حكومة مدنية، كما قاموا لذا فقد بالاعتصام السلمي خارج مقر قيادة المجلس العسكري الانتقالي لحث قادته على تسليم السلطة لإدارة مدنية.
خلال شهر مايو/أيار الماضي جرت العديد من المفاوضات بين قادة المجلس العسكري وقادة الاحتجاجات الشعبية في محاولة لإيجاد حل وسط، إلا أنه في أوائل يونيو/حزيران انهارت تلك المفاوضات، بل قامت قوات الدعم السريع بفض اعتصام المتظاهرين بالقوة في 03 يونيو/حزيران ما أسفر عن مقتل 100 شخصاً على الأقل، وإصابة الكثيرين.
يبدو أن قرار استخدام القوة المميتة لم يكن سودانياً بل امتياز، وعلى الأرجح فقد تأثر المجلس العسكري بجيرانه، حيث التقى العسكريون السودانيون بالقادة السعوديين والإماراتيين والمصريين في أواخر شهر مايو/أيار وأوائل يونيو/حزيران، للحديث عن الوضع الداعم للديمقراطية في السودان.
اللواء عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري الانتقالي، توجه إلى مصر والإمارات العربية المتحدة للقاء قادتهما بعد انهيار المفاوضات مع المتظاهرين، بينما التقى نظيره اللواء محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للحديث عن المحاولات لتمكين الديموقراطية من الوصول للحكم.
بعد تلك الزيارات واللقاءات مباشرة، بدا أن جنرالات السودان أخذوا بعض الأفكار من الكتاب المصري في التعامل مع تلك الأمور، خاصة ما تم في أغسطس/آب 2013، حيث قامت قوات الأمن المصرية بقتل نحو 800 من المحتجين أنصار الديموقراطية بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي المنتخب ديموقراطياً.
أما السعودية والإمارات، فإنهما أصحاب نفوذ قوي في الاقتصاد السوداني، فبعد إقالة البشير، تعهدت الدولتان بإمداد السودان بمبلغ 03 مليارات دولار للمساعدة في إنعاش الاقتصاد السوداني، فقاموا بتقديم وديعة نقدية بقيمة 500 مليون دولار إلى البنك المركزي السوداني، ومنح الباقي من الثلاثة مليارات دولار على هيئة غذاء ودواء ونفط.
لماذا تعتبر السودان دولة مهمة؟
السودان بلد غني بالنفط والأرض والمياه، وأصبح هدفاً لدول المنطقة من أجل احكام السيطرة وفرض النفوذ على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خصوصاً المنافسة بين السعودية وإيران، واللتين تدخلتا في بلدان كثيرة في العالم العربي للتأثير على حكوماتها وشعوبها، للاستفادة منها.
الخبير الاستراتيجي نبيل خوري قال “هناك صراع على السلطة في المنطقة، ويتنافس اللاعبان الأساسيان، إيران والسعودية، على الهيمنة على الشرق الأوسط الكبير”، مضيفاً “في هذا الصراع، يُنظر إلى بقية البلدان في المناطق على أنها بيادق، تسعى كل دولة لضمها لمعسكرها”
في الوقت ذاته، ينظر قادة دول أخرى في الشرق الأوسط إلى ما حدث في السودان بنظرة مختلفة، حيث يرون أن انتفاضة الديموقراطية التي عمت أرجاء البلاد لا يجب أن تنتقل إلى دولهم.
وبحسب خوري فإن المتظاهرين في السودان هم مجموعة منظمة تنظّم خطوات جيدة نحو حكومة يقودها المدنيون ولديهم القدرة على النجاح، ومع ذلك، تريد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أن يظل الديكتاتور على عرش السلطة في السودان، وسيسعيان بكل جهدهما لتحقيق ذلك، فلسان حالهما يقول “مع هذه الانتفاضة الأخيرة التي قامت في السودان، نعود إلى الوراء، بالكاد انتهينا من التخلص من انتفاضات 2011، ليأتي السودانيون لإحياء ذلك مرة أخرى.
واختتم خوري حواره قائلاً “إذا انتصرت الديمقراطية في السودان فستكون لها تداعيات في جميع أنحاء المنطقة”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا