العدسة – مؤيد كنعان

الرئيس اللبناني ميشال عون للسعودية: “معكم أسبوع لإجلاء مصير رئيس وزرائنا سعد الحريري، والسماح له بالعودة إلى بيروت، وإلا سألجأ لمجلس الأمن”.

واقعيا لا يجب أن يتم التعاطي مع هذا التطور على أساس أنه تصعيد لبناني مفاجئ للموقف مع السعودية، بعد كرة الثلج التي تضخمت فجأة، منذ نحو أسبوع، والتي بدأت باستقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الصادمة من العاصمة السعودية الرياض، لكن ما حدث باختصار، هو أن بيروت بات لديها خطة، أو حلفاء وضعوا لها خطة، ونتحدث هنا عن حلفاء دوليين وليسوا إقليميين.

 معي من يؤيدني

ما يدعم هذا هو ما نقلته صحيفة “الجمهورية” اللبنانية، والمقربة من مؤسسة الرئاسة هناك، أن الرئيس اللبناني “عون” أبلغ وفودا دبلوماسية التقاها، خلال الساعات الماضية، بأنه لن ينتظر أكثر من أسبوع لمعرفة مصير الحريري، قبل أن يضطر إلى نقل الملف إلى المجتمع الدولي، وأن هناك استعدادات دولية لمساعدة لبنان في هذا المسعى.

ماذا يقصد الرئيس اللبناني بالمساعدات الدولية في هذا الشأن؟

جزء من الإجابة شهدته السعودية، مساء الخميس 9 نوفمبر الجاري، عندما طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من المسؤولين السعوديين “فجأة” ترتيب الأمور في الرياض كي يقوم بزيارة سريعة لم تستغرق أكثر من ساعتين، اجتمع خلالهما بولي العهد محمد بن سلمان.

وبحسب محللين سعوديين فإن اللقاء كان عاصفا، وجرى خلاله نقل ملامح موقف أوروبي موحد للرياض ينبئ بأن غضبا عارما بدأ يسود أوساط القادة الأوروبيين، بسبب ما يحدث في المنطقة، وأن أوروبا لا ترى أن طريقة تصعيد محمد بن سلمان ضد إيران تكتسي بالمنطقية والحكمة، وأنها متسرعة بشكل سلبي في منطقة تراها أوروبا شديدة الحساسية، فالخليج قبلة الطاقة لا يجب أن يكون ملعبا للولايات المتحدة فقط، ولا تتحمل تلك الحساسية نزق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومغامراته.

لكن ماكرون في الوقت نفسه حرص، بعد إبلاغ رسالة الغضب والتحذير الأوروبي، على سماع “بن سلمان” ووجهة نظره حيال الأزمة مع إيران، ويبدو أن “بن سلمان” أسمعه ما أثار غضبه، للدرجة التي أعلن فيها الرئيس الفرنسي أنه “سمع مواقف متشددة جدا عبرت عنها السعودية حيال إيران لا تنسجم مع رأيه”، لكن ذلك لم يمنعه من المضي قائلا: “في نظري أن العمل مع السعودية على الاستقرار الإقليمي هو أمر أساسي”.

“بن سلمان” و “ماكرون”

مواجهة أوروبية سعودية

من المؤكد، بحسب محللين، أن الساعتين اللتين جمعتا “ماكرون” بولي العهد السعودي في الرياض كانتا بمثابة مواجهة أوروبية سعودية على أرضية انفعالية، لكنها أوصلت للرياض رسالة واضحة بأن تحركاتها في لبنان هذه المرة ستصطدم برد أوروبي شديد العنف، قد تكون خسائر الرياض من ورائه فادحة، وواقعيا فإن الرياض تعلم أنه ليس كل شيء يقاس بالاحتياطيات النقدية أو النفطية الهائلة.

الأوروبيون لا يزالون غاضبين، في الحقيقة، من التصعيد السعودي الإماراتي المفاجئ ضد قطر، ويعتبرونه حراكا عصبيا غير منضبط في طريقه الآن لإشعال قنبلة شديدة الانفجار في منطقة الخليج بقداحة أمريكية، وعلى هذا المنوال كانت تحركات أوروبا في التعاطي مع الأزمة الخليجية واضحة في إظهار الاستياء من تحركات الرياض وأبو ظبي ضد الدوحة، بل وحديث قادة أوروبيين بصراحة عن وجوب “رفع الحصار عن قطر”، وكذلك الاستقبال الباهت لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير في جولاته الأوروبية، مقارنة باستقبال حار لوزير الخارجية القطري محمد آل ثاني، والذي كرر زياراته لأوروبا مرات عديدة خلال الأزمة، ولحد الآن.

رغم كل هذا، يمثل الدعم غير المحدود، والذي يصر الرئيس الأمريكي ترامب على منحه لولي العهد السعودي محركا قويا لنشاطات “بن سلمان” النارية غير المنضبطة، حيث باتا الآن يتشاركان الرغبة في التصعيد ضد إيران، والقضاء على كافة أطياف التيار الإسلامي في المنطقة، والتقارب الحميمي غير المسبوق مع “إسرائيل”، وفي الواقع تظل النقطة الأخيرة هي مكمن قوة “بن سلمان” إقليميا ودوليا، لكنه يجب ألا يغفل عن أن “تل أبيب” في النهاية تتعامل بمنطق مَصلَحِيّ بحت.

” عادل الجبير “

الغضب الأوروبي

كيف ستتعامل السعودية مع رسالة الغضب والتحذير الأوروبية؟

يبدو أن الرياض قررت تشغيل المكابح بشكل جزئي لتخفيف سرعة التصعيد، حتى يتم تقييم الأمر مع الأوروبيين، وتمثل الأمر في ما نقلته أيضا صحيفة “الجمهورية” اللبنانية، أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم تلقى اتصالاً من مدير المخابرات السعودي أبلغه فيه الرغبة بالبحث في قضية الحريري، واتّفقا على التواصل مجدداً بعد عودة “إبراهيم” إلى بيروت، ما يعني احتمال أن يتوجّه “إبراهيم” الى السعودية في الساعات المقبلة بعد التنسيق مع رئيسي الجمهورية ومجلس النواب.

المبادرة السعودية جاءت بعد تحركات لبنانية حثيثة، توجت باجتماع مهم بين مدير الأمن العام اللبناني مع رئيس المخابرات الفرنسية، وأثمر الاجتماع – على ما يبدو – باقتناع فرنسي بضرورة مساعدة لبنان واستعادة رئيس حكومته، فصدر عقب ذلك بيان للخارجية الفرنسية، عدلت فيه موقفها بعدما أطلعها “إبراهيم” على معطيات لم تكن تملكها، فطالبَت بـ”أن يكون الحريري حرًّا في تحرّكاته وقادراً بنحوٍ كامل على القيام بدوره الحيوي في لبنان”، وذلك بعدما كانت قد أبدت، في بيان سابق، اعتقادها بأنه “حرّ في تنقلاته، ولا يخضع للإقامة الجبرية” في السعودية.

يمكن في ضوء التطورات السابقة استنتاج ما يلي:

1- وجود حالة غضب أوروبي من التحرك السعودي الجديد في الملف اللبناني، وفي نفس الوقت تفهم لحالة الهلع السعودي من تصرفات إيران في المنطقة، لا سيما بعد أن فشلت حرب “بن سلمان” باليمن في تحقيق أهدافها، ووجدت الرياض نفسها محاصرة بإحكام من طهران، وكانت واقعة الصاروخ الباليستي- (الدقيق والمتطور هذه المرة) والذي اعترضته الدفاعات السعودية بصعوبة بالغة فوق مطار الملك خالد بالرياض- فارقة في هذا الشأن.

2- التعاطي الأوروبي مع حالة الهلع السعودي مختلفة عن الحالة الأمريكية، فواشنطن تريد أن تحقق من الأمر أقصى استفادة ممكنة عبر الضغط على الرياض واستنزافها ماليا وسياسيا من أجل تكثيف حمايتها من طهران، لكن الأوروبيين يرون أن بإمكانهم خلق حالة توازن جديدة بين الرياض وطهران عبر الضغط على الأخيرة بإضافة بندين إلى الاتفاق النووي، حول ضبط النشاط الباليستي لإيران، ومناقشة إستراتيجية تحد من الهيمنة الإيرانية في المنطقة برمتها، وهذان البندان تحدث عنهما الرئيس الفرنسي بوضوح بعد زيارته للرياض، مما يعني أن موقفا أوروبيا يتبلور لفك الاشتباك بين السعودية وإيران.

3- أوروبا لن تسمح للسعودية بالتصعيد في لبنان هذه المرة، وستدعم تحركات الحكومة اللبنانية للتصعيد، حال استمرت الرياض في المماطلة في تبيان مصير الحريري، الذي يقبع داخل العاصمة السعودية في منزل خاص محاط بقوات أمنية، وهو ما تحدث عنه الرئيس اللبناني بوضوح بأن لديه أطرافا دولية تؤكد دعمها لمساعي لبنان في التصعيد.

4- السعودية قررت التراجع خطوة أمام تلك المتغيرات، خاصة مع غموض موقف الخارجية الأمريكية والبنتاجون، حيال التصعيد، وعدم وضوح الموقف الإسرائيلي، والقلق من تغير الموقف الروسي، حال اشتعال الأوضاع في لبنان.

“ريكس تيلرسون” و “جيمس ماتيس”

5- أمام هذا الأمر قد تسلك السعودية طرقا أخرى لمحاولة إضعاف حزب الله، أبرزها تحريك الشارع السني في لبنان، وكذلك الفصائل الفلسطينية في بيروت وغيرها، لكن هذا المسلك أيضا بات شديد الصعوبة، بعد تحركات مكثفة للأمن والجيش اللبناني في الساعات الماضية، وبسط سيطرتهم على المناطق، لا سيما التي يتركز فيها الفلسطينيون، وعقد قيادات الأمن اللبناني والجيش لقاءات مكثفة مع قيادات سنية وفلسطينية، ستتوج باجتماع عام للفصائل الفلسطينية، الاثنين 13 نوفمبر في مقر السفارة الفلسطينية ببيروت، من المتوقع أن تعلن خلاله تلك الفصائل حيادها التام تجاه ما يحدث.

6- يبدو سيناريو إثارة السعودية للشارع السني اللبناني قائما، فمنذ ساعات نشرت وكالة الأنباء السعودية “واس” خبرا، مفاده أن العشائر العربية السنية في لبنان زارت مقر السفارة السعودية في بيروت، والتقوا القائم بالأعمال بالإنابة في السفارة، الوزير المفوض وليد بن عبد الله بخاري، وتحدثوا خلال اللقاء عن دور المملكة المحوري في لبنان، وأهمية العودة إلى اتفاق الطائف للحفاظ على لبنان، في إشارة لوجوب تحجيم نفوذ حزب الله.