العدسة – معتز أشرف
عفو ملكي ضامن بحرية سياسية كاملة حصل عليه زعيم المعارضة الماليزية أنور إبراهيم، المسجون منذ عام 2015، في انتصار جديد في رحلته الطويلة في دهاليز السياسة والاقتصاد والنهضة الماليزية، لكنه اختار نقاهة بسيطة بالتوازي مع ترك المجال لحليفه الحالي مهاتير محمد لقيادة الحكومة حتى حين يتوقع مراقبون أن يكون قريبًا، بحيث يصل الزعيم المعارض لسدة الحكم الذي كان يجب أن يكون فيه قبل عقدين لولا الخصومات، وهو ما نرصد مؤشراته وسياقاته في إطار الساعات الأخيرة.

عفو المنتصر!

بابتسامة المنتصر، وإشارة بيد الصمود لأنصاره، تنفس زعيم المعارضة ونائب رئيس الوزراء الماليزي السابق أنور إبراهيم (70 عامًا) الحرية، بعد حصوله على عفو شامل الأربعاء وخروجه حرًا من أحد مستشفيات كوالالمبور كان يتلقى فيه العلاج، ضمن صفقة بارزة في المشهد السياسي الماليزي مع رئيس الوزراء الجديد مهاتير محمد، وقال سيفاراسا راسياه محامي أنور: “اجتمع مجلس العفو بالفعل وأصدر الملك عفوًا شاملًا، وهو ما يعني أن كل الإدانات السابقة ضده قد ألغيت”.

وكان حُكِم على أنور إبراهيم قبل ثلاث سنوات بالسجن بعد أن أدين بقضايا فساد وشذوذ جنسي، قال إنها مفبركة، انتقل خلالها إلى أحد المستشفيات تحت حراسة الشرطة، ويتيح العفو الملكي لأنور إبراهيم العودة إلى الحياة السياسية بشكل فوري، وذلك في نجاح لرحلة بدأت في مارس 2016، حيث عرض “أنور إبراهيم” تقديم الدعم لخصمه القديم رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد في مسعى للإطاحة برئيس الوزراء وقتها نجيب عبد الرزاق، وهو ما اعتبره مراقبون وقتها تحولًا جذريًا في المشهد السياسي في ماليزيا، لأنّ الخصومة بين الرجلين قائمة منذ قرر مهاتير إقالة أنور من منصبه كنائب لرئيس الوزراء في عام 1998 وسجنه بتهمة الشذوذ الجنسي التي قال كثير من المراقبين إن وراءها دوافع سياسية، فضلًا عن أنه في 2015 سجن أنور مرة أخرى بتهمة الشذوذ الجنسي التي وصفها الزعيم المعارض بأنها ملفقة بغرض إزاحة الخطر الذي يمثله على سلطة نجيب.

وفي بيان صدر من محبسه قال أنور: إنه ”سيدعم موقف“ المجتمع المدني والأحزاب السياسية والأفراد وبينهم مهاتير في المساعي لعزل نجيب، مؤكدًا أنّ نجيب عبد الرزاق ”مسؤول عن مواصلة الانخراط في أفعال سياسية نفعية تعيث فسادًا في المؤسسات الإدارية وتثقل كاهل الشعب بأزمة اقتصادية متواصلة” بالتزامن مع انسحاب مهاتير من حزب المنظمة الوطنية المتحدة للملايو الذي قاد كل ائتلاف حاكم في ماليزيا منذ الاستقلال عام 1957 قائلًا، إنَّ الحزب أصبح تحت سيطرة نجيب، وإنه يريد أن ينأى بنفسه عن الفساد، وهو كان بداية القشّة التي قصمت ظهر نجيب عبد الرزاق.

وفي أول تصريحاته بعد الحرية، أعلن ” أنور إبراهيم ” دعمه للإصلاح والحكومة التي يتولاها حليفه مهاتير محمد بقوله: “قطعت تعهدًا أنا هنا كمواطن حريص لأمنح التأييد الكامل لإدارة البلاد، بناءً على تفاهم بأننا ملتزمون بأجندة الإصلاح بدءًا من القضاء والإعلام إلى كافة المؤسسات، وإن من حق رئيس الوزراء مهاتير محمد تشكيل الحكومة، لكنه أشار إلى أنه “حصل على ضمانات بأن مهاتير سيتشاور مع قادة الأحزاب، مؤكدًا أنّه يودّ أن يمضي بعض الوقت بعيدًا مع أسرته قائلًا: “أبلغت السيد مهاتير أنه لا حاجة بي للخدمة في الحكومة في الوقت الراهن، رغم أن العفو الملكي لأنور يضمن تقلده مناصب رسمية، وذلك خلافًا للقانون الماليزي الذي يمنعه من تولّي أي منصب لمدة 5 سنوات بعد إنهائه مدة العقوبة.

من البُرْش للعرش!

رحلة طويلة خاضها أنور إبراهيم، نال فيها عفوًا صحح كافة الإجراءات الممنجة لتشويهه انتصر فيها علي “البرش” في السجون ليكون علي مقربة من العرش، وظهر اسم الزعيم المعارض لأول مرة كزعيم لمنظمة الشباب الإسلامي الطلابية التي أسّست حركة الشباب الإسلامي في ماليزيا، وفاجأ أنور في تلك الفترة الكثيرين بانضمامه للحزب المهيمن على الحياة السياسية وهو المنظمة المالاوية القومية المتحدة (أومنو) عام 1982 حيث صعد السلم السياسي بسرعة ليصل إلى مناصب وزارية متعددة، وفي عام 1993 أصبح نائبًا لمهاتير محمد وبات من المتوقع على نطاق واسع أن يخلفه، ولكن التوتر اندلع بين الرجلين وخاصة حول ملفات الفساد والاقتصاد، وفي سبتمبر عام 1998 أقيل إبراهيم من منصبه مما أثار احتجاجات ضد مهاتير محمد، وتم اعتقال إبراهيم واتهامه بالمثلية والفساد، وقد صدر حكم قضائي بسجنه لستّ سنوات لتهم تتعلق بالفساد مما أثار موجة احتجاجات، وفي عام 2000 أدين بتهمة المثلية مع سائق زوجته وسجن لتسع سنوات أخرى، ورغم أنّ المثلية غير قانونية في ماليزيا إلا أنّه من النادر محاكمة أحد بسببها. وظلّ إبراهيم مصممًا على أن هذا الاتهام له دوافع سياسية للحيلولة دون أن يصبح مصدر تهديد سياسي لمهاتير محمد، وفي عام 2004 نقضت المحكمة العليا الحكم الصادر ضده بشأن المثلية وأطلق سراحه، ولدى إطلاق صراحه برز كزعيم جديد للمعارضة التي أظهرت أداء قويًا في انتخابات عام 2008، حيث فازت المعارضة بأكثر من ثلث مقاعد البرلمان وسيطرت على خمس ولايات ويعود ذلك جزئيًا لسخط الناس بسبب الفساد وقضايا التمييز، ولكن تجددت الاتهامات بالمثلية ضده عام 2008 في ما وصفه بأنها محاولة جديدة من الحكومة لتهميشه، وبرأت محكمة عليا إبراهيم من الاتهامات في يناير 2012 لنقص الأدلة، وقاد إبراهيم ائتلاف المعارضة المكونة من ثلاثة أحزاب في انتخابات عام 2013 ورغم عدم فوزه فقد حقق نتائج جيدة.

وعد بالسلطة

وفي تحول صادم أعلن خصم أنور إبراهيم السابق مهاتير محمد عزمه خوض الانتخابات، مؤكدًا عزمه مكافحة الفساد الذي زعم أنّه استشرى في عهد نجيب رازق، وفاز مهاتير محمد في انتخابات 9 مايو الجاري وتعهّد بإطلاق سراح إبراهيم، مشيرًا إلى أنه سيسلمه السلطة خلال سنوات قليلة، وفي أول يوم له في السلطة قال إنّ الملك وافق على إصدار عفو “فوري” عن إبراهيم، معلنًا أنه سيترك السلطة لإبراهيم في غضون عام أو عامين ليصل إبراهيم للسلطة التي يرى كثيرون أنه كان جديرًا بتولّيها قبل عقدين.

ورغم وصوله السنّ السبعين، إلا أن رئيس الفريق الطبي الذي أشرف على علاجه أكد أنّ إبراهيم بصحة جيدة وقادر على مواصلة أعماله ومسيرته السياسية بكفاءة، وبحسب مراقبين ماليزيين فإنّ كولالمبور تنتظر دورًا آخر لإبراهيم بعد أن حقق دورًا جيدًا أثناء عمله مع مهاتير محمد خلال ثمانينيات القرن الماضي عندما كان في السلطة نائبًا لرئيس الوزراء ووزيرًا للمالية.