في البداية، انقلبوا على عمر البشير الذين كانوا في خدمته لعقود من الزمان كاستجابة لانتفاضة الشعب ضده، ثم انقلبوا على السياسيين المدنيين الذين وصلوا إلى السلطة بعد ذلك… الآن انقلبوا على بعضهم، كان هذا هو نهج العسكر منذ انتفاضة الشعب السوداني من أجل الديموقراطية قبل أكثر من أربع سنوات.
الأيام القليلة الماضي شهدت تصاعدًا مخيفًا في الأحداث في الشارع السوداني، اللواء عبد الفتاح البرهان – القائد الفعلي وقائد الجيش- دخل في حرب مقلقة ضد فريق محمد حمدان دقلو، نائب الرئيس الذي يسيطر على قوات الدعم السريع شبه العسكرية والمعروف باسم حميدتي، الحرب انتشرت في كافة أرجاء البلاد بما في ذلك دارفور والمناطق الحدودية الشرقية، سقط خلالها عشرات القتلى ومئات الجرحى، فضلًا عن حالة الفوضى والارتباك التي سيطرت على الوضع.
كلا الرجلين لديه سجل قاتم ووحشي، على مدار سنوات خدمتهم لعبوا أدوارًا قيادية في حملة وحشية ضد المتمردين في دارفور، خاصة قوات الدعم السريع التي تفننت آنذاك في ارتكاب جرائم تُصنف كجرائم حرب.
اندلع الصراع الحالي بين الجنرالين بسبب رغبة كلا منهما في بسط نفوذه والسيطرة -منفردًا- على البلاد، البرهان لا يرحب بخطط دمج قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي في الجيش النظامي بشكل رسمي، في نظره هذه قوات استعان بها عمر البشير في وقت محدد ولا يجب أن يمتلكوا صلاحيات أوسع، في المقابل، يرى حميدتي أنه وقواته أحق بهذه السلطة، في نظر الرجلين الأمر يعتبر صراع من أجل البقاء.
في تصريح مثير للجدل قال حميدتي إن الجنرال برهان “سيموت مثل أي كلب” إذا لم يقدم إلى العدالة، في المقابل أعلن الجيش الذي يقوده البرهان أن حميدتي “مجرما مطلوبًا”.
في غضون ذلك، لجأ الشعب المذعور إلى منازله مع احتدام الصراع من حوله، العائلات أصبحت محاصرة بدون ماء أو كهرباء مع إمدادات غذائية متضائلة.
قُتل أكثر من 180 شخصًا وجُرح نحو 1800، وتعرضت المستشفيات للهجوم، وانقطعت الخدمات الأساسية، وعُلق برنامج الغذاء العالمي المساعدة التي كانت في أمس الحاجة إليها بعد مقتل ثلاثة من موظفيه.
أثارت الأنباء عن وقف إطلاق نار محتمل لمدة 24 ساعة يوم الثلاثاء الآمال المبدئية في حدوث هدنة، لكن دلائل قليلة فقط تشير إلى استعداد الجانبين للتخلي عن العنف، استمرار القتال هو الأقرب للواقع من حيث التحليلات.
كالعادة وجد طرفي النزاع دعمًا من القوى الإقليمية المختلفة، بينما دعمت مصر البرهان، تدعم الإمارات العربية المتحدة حميدتي، الذي يتمتع بعلاقات وطيدة مع مجموعة فاغنر الروسية أيضًا، وفي حال استمر العنف فإن خطر الحرب بالوكالة سيصبح وشيكًا جدًا، وقد نرى يمنًا جديدة في المنطقة، مما يجعل حله أصعب من أي وقت مضى.
وبالإضافة إلى المخاوف بشأن ما سيحدث في السودان نفسه، توجد مخاوف من أن القتال قد يمتد إلى تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وأجزاء أخرى من المنطقة.
السودان الآن بحاجة إلى إنهاء فوري للقتال، البلاد بحاجة إلى دعم دولي موحد ومستدام لوقف إطلاق النار، كما يمكن أن تلعب العقوبات الموجهة بعناية دورًا فعالًا في إنقاذ الموقف.
ما يحدث الآن في السودان مؤسف للغاية، مرة أخرى تمكن الرجال الجشعون والمتعطشون للسلطة من دهس احتياجات ورغبات الشعب السوداني، هذه الحرب تُبعد النشطاء المؤيدين للديمقراطية من أي وقت مضى عن أهدافهم في ترسيخ الديموقراطية في البلاد، كما أعادت توجيه الجهود من السياسة إلى تلبية الاحتياجات الأساسية لمواطنيهم والسعي لإنهاء العنف.
صور حميدتي نفسه على أنه حامي ثورة 2019، ورأى بعض القادة المدنيين أنه دفاع محتمل ضد الديكتاتورية تحت حكم الجنرال برهان، ومع ذلك، فإن الناس أكثر وعيًا وتنظيمًا سياسيًا مما كانوا عليه في أي وقت مضى، وبالنسبة للكثيرين على مستوى القاعدة الشعبية، أكدت الأيام القليلة الماضية أن العملية السياسية في نظام يسيطر عليه اثنان من أمراء الحرب لا يمكن أن تحقق التقدم أو حتى الاستقرار.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا