العدسة – معتز أشرف
من تونس إلى ماليزيا إلى أجواء إيجابية، بحسب المراقبين، تظلل الحشد الانتخابي في تركيا بالتزامن مع تراجع جدوى الحلول العسكرية والعنيفة في عدد من دول الأزمات في المنطقة، حتى باتت شعارات البحث عن الحلول السياسية هي سيدة الموقف حتى ممن تورط في صنع أزمات في دول بعينها كرهًا في موجات الربيع العربي.
نرصد المشهد ونستشرف عودة السياسة والحلول السياسة في الصدراة رغم المعوقات باهظة الثمن.
رسائل إيجابية
مع إعلان فوز مهاتير محمد رئيس تحالف الأمل المعارض برئاسة الوزراء في ماليزيا والإطاحة بزعيم ائتلاف الجبهة الوطنية ورئيس الحكومة الحالي، نجيب عبد الرزاق، الذي حكم ائتلافه البلاد لمدة ستين عامًا، برز الحديث عن أهمية الصناديق في التغيير بديلًا عن الإجراءات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط بعد موجات الربيع العربي الأولى، فضلًا عن عودة التحالفات السياسية بصورة لافتة بين الخصمين مهاتير محمد وأنور إبراهيم، والتي أسفرت عن تحالف معارض قوي رغم الخلافات القديمة، كما أدى إلى إعلان ملك البلاد سلطان محمد الخامس العفو الشامل عن رفيق كفاحه مهاتير محمد في الانتخابات، حيث قرر الملك العفو الشامل عنه ليستطيع المشاركة بشكل كامل في الحياة السياسية”.
وفي تونس قدم الحزبان الكبيران عرضًا ديمقراطيًا رائعًا بحسب مراقبين وسط محاولات واسعة لتقويض الديمقراطية والحريات في البلاد تحت رعاية الإمارات في إطار محاولاتها للإيقاع بدولة الربيع العربي الأولى، فبينما يعلن مسؤولون من حزب النهضة الإسلامي في تونس يوم الأحد فوز حزبهم متقدمًا على منافسه العلماني نداءً في أول انتخابات بلدية حرة اعترف القيادي بنداء تونس برهان بسيس بتقدم النهضة على نداء تونس بفارق من ثلاثة إلى خمسة بالمئة.
القيادي في النهضة لطفي زيتون قال في تصريحات عقب الفوز : ”النهضة فاز في الانتخابات متقدمًا على نداء تونس بفارق يصل 5 بالمئة… فوزنا هو تتويج لانفتاح النهضة وبحثها الخيار الديمقراطي والتوافق الذي عمل عليه رئيس الحركة راشد الغنوشي”، فيما أضاف عماد الخميري المتحدث باسم حركة النهضة بُعدًا مهمًا للعبة السياسية، حيث قال: ”النهضة فازت وفقًا للأرقام الأولية…المهم في هذه النتائج الأولية أنّ الحزبين الكبيرين النهضة ونداء تونس فازا وهذا مهم بالنسبة للتوازن السياسي في البلاد“.
وفي لبنان ورغم الخسارة الكبيرة لتيار المستقبل، وتقدم خصمه حزب الله، إلا أنّ ثقافة لبنان المتنوعة انتصرت، وخرج رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بتصريحات تؤكد استمرار المسار السياسي وتفوقه؛ حيث قال: “الناس صوتت لمشروع الاستقرار، ومن فازوا بالانتخابات النيابية هم شركاء لنا في مبدأ الاستقرار، وأنا سأبقى حليف الرئيس عون، لأن هذا التحالف يؤمِّن الاستقرار، وأكبر إنجاز فعلته هذه الحكومة هو هذه الانتخابات، وأنا ليس لدي أية مشكلة مع النتائج، بالنسبة إلى التوافق السياسي وانتخاب الرئيس عون هو الذي حصن البلد”.
وفي تركيا ورغم أنّ موعد الانتخابات في العام المقبل، لم يجد الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان حرجًا للاستجابة لمطالب حزب معارض لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة في الرابع والعشرين من يونيو المقبل، أي قبل عام ونصف العام من موعدها المقرر، في سياق التركيز أن تكون المواجهة السياسة عبر الصناديق وليس عبر صناديق الذخيرة التي فشلت في انقلابها مؤخرًا، بحسب ما يرى مراقبون كثيرون فضلًا عن عدم توتير الداخل، خاصة أن الأرضية جاهزة، بالفعل لإجراء انتخابات؛ فالتحالفات الأساسية تمّ الاتفاق عليها بين مختلف الأفرقاء، والقانون الانتخابي جرى اعتماده والانتهاء منه، والحملات الانتخابية تقاد من قبل مختلف الأحزاب منذ أشهر، وعليه فليس هناك من مبرِّر لوضع البلاد في موضع التأهّب أو الشلل، خاصّة أنّ باقي الأحزاب الرئيسية المعارضة في البلاد كانت قد ردّت بشكل إيجابي على دعوة رئيس حزب الحركة القومية بالقول: إنّها مستعدة أيضًا لمثل هذا التحدّي الذي يتضمن خوض انتخابات مبكرة.
حاجة ملحة!
في مناطق التوتر والانقلابات ومواجهة الربيع العربي، بات الحل السياسي أولوية المنعقدين في كثير من المنتديات، ففي ليبيا، تتكرر التصريحات السياسية عن أنه لا بديل عن الحل السياسي بالتزامن مع تصاعد تحركات دول الجوار فى إطار محاولات إنقاذ ليبيا من الإنزلاق نحو مزيد من التأزم، وقال وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، في وقت سابق: الحل السياسي في ليبيا وإخراج هذا البلد من حالة الفوضى السياسية والأمنية ضروريان لليبيا و لدول الجوار، و لكل دول المنطقة وضمانة للأمن والسلم الدولييْن”.
وفي اليمن، يبحث كثيرون عن الحل السياسي في ظل فشل التحالف العسكري الذي تقوده السعودية وتجاوزات الإمارات التي وصلت للاحتلال، لدرجة أن السفير سامح شكري، وزير الخارجية المصري المتهمة بلاده بالقمع والاستبداد بعد انقلاب عسكري أكد في تصريحات له أن ” «الحل في اليمن هو بالضرورة حل سياسي، ولا يمكن أن يتم إلا وفقًا لمرجعيته الواضحة التي حددها قرار مجلس الأمن رقم 2216 وأي محاولة لشراء الوقت أو التنصل من هذه المرجعية، لن تفضي إلا إلى إطالة وضع الأزمة، وزيادة كلفتها الإنسانية، وكل محاولة للهروب من استحقاقات الحل السياسي لن تجدي، ومصر لن ترتضى بديلًا للحل السياسي الشامل في اليمن، فقد آن الأوان لكي تنتهي المأساة المستمرة منذ سنوات في هذا البلد الشقيق”.
وفي سوريا أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس مؤخرًا أنه ليس هناك حل عسكري للأزمة في سوريا، إنما يجب أن يكون الحل سياسيا، مشيرا خلال اجتماع مجلس الأمن الطارئ الذي دعت إليه روسيا بشأن الضربة الثلاثية التي شنتها أمريكا وبريطانيا وفرنسا على سوريا، إلى أنه علينا أن نجد طرقا لتحقيق التقدم المعقول الذي يطمح إليه الشعب السوري من الكرامة والحرية، وفي نفس السياق والأزمة حثت الأرجنتين وتشيلي وكولومبيا والمكسيك وباراغواي وبيرو وأوروغواي كل الأطراف المعنية، وبينها الدول صاحبة التأثير في المنطقة تلافي تصعيد التوتر في سوريا والتوصل لحل سياسي للصراع هناك تحت إشراف الأمم المتحدة.
وفي مصر، تظهر مبادرات لحل سياسي بين حين وآخر وتخفت مع زيادة وتيرة القمع، لمعالجة الأوضاع الراهنة، ومنها تصريحات بارزة للمستشار أحمد مكي وزير العدل الأسبق، والذي يحظى بقبول من مختلف الأطراف، مؤكدًا فيها أهمية حل الأزمة الحالية سياسيًا بعيدًا عن الحلول الأمنية والعسكرية، حيث إنَّ تعاظم واحتدام الخلاف بين القوتين المتصارعتين سواء من ناحية العسكر أو المجموعة المدنية، وعلى رأسها جماعة الإخوان، يؤدّي إلى خسارة الطرفين من رصيدهما ومكانتهما في الشارع المصري دون تحقيق مكاسب لأي منهما.
وفي المغرب شدد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، على ضرورة مواصلة المسلسل السياسي بخصوص نزاع الصحراء على أساس توجيهات وقرارات مجلس الأمن منذ سنة 2007، باعتبارها السبيل الوحيد للوصول إلى حل يرضي جميع أطراف النزاع، الشيء الذي يشير إلى طَيّ صفحة جميع المخططات السابقة، بما فيها مخطط الاستفتاء، مؤكدًا أهمية توقف مسلحي جبهة «بوليساريو» عن عرقلة حركة النقل التجاري والمدني في المنطقة العازلة على الحدود بين المغرب وموريتانيا.
أداة نجاح
وبحسب مراقبين فإنّ كل تجارب النجاح التي عرفها العالم اعتمدت على فكرة الحوار والتفاوض وصناعة التسويات والحلول السياسية، وفي كل تجارب التحول الديمقراطي الناجحة فى أوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية، وكل من إسبانيا والبرتغال وجنوب إفريقيا وغيرها اعتمدت على فكرة الحوار والتفاوض بين فرقاء الساحة السياسية، وأنّ الإدانة والترحيب تكون مرتبطة عادة بنتائج الحوار وليس الحوار فى حد ذاته، فيما يرى البعض في نموذج كمصر، لم تعد المعضلة فقط فى غياب الحوار بين التيارات السياسية المختلفة، إنما فى غياب السياسة من الأصل لصالح الحلول الأمنية والضعف الشديد الذي أصاب القوى والأحزاب السياسية حتى وصلت إلى حد الغياب، وربما يكون أحد أسباب هذا الضعف هو تجريم للتفاوض بين التيارات السياسية المختلفة، سواء كانت بين القوى الثورية وغير الثورية، أو بين التيارات المدنية والإسلامية حتى أصبحت فكرة التفاوض والحوار مجرمة فى حد ذاتها.
اضف تعليقا