العدسة – فتحي عباس

قرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بشكل مفاجئ، تجديد حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر جديدة، تبدأ من 13 يناير الجاري.

القرار الصادر في الجريدة الرسمية قبل يومين، يحمل دلالات هامة للغاية، على أكثر من مستوى، ولعل أبرزها ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، وإمكانية إجراء انتخابات حرة نزيهة في هذا المناخ.

وبعيدا عن ملف الانتخابات الرئاسية، وتأثير حالة الطوارئ المحتملة بل الأكيدة، وفقا لعدة شواهد نتطرق لها في التقرير، فإن الإصرار على فرضها يبرز علامات استفهام كثيرة حول طريقة تفكير النظام المصري الحالي.

 

احتيال على الدستور

قبل الخوض في تأثيرات حالة الطوارئ قبل الانتخابات الرئاسية، يجب أولا تحديد مدى دستورية تجديد حالة الطوارئ خلال الفترة الحالية.

لا يمكن الحديث عن فرض حالة الطوارئ دون الإشارة إليها بـ “لعبة التجديد المستمر”، والتي تلخص عملية الاحتيال على الدستور الذي وضع عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي من الحكم، في 3 يوليو 2013.

والاحتيال على الدستور في مسألة فرض حالة الطوارئ بالمخالفة لمواده ليس جديدا، وسبق تكرار “لعبة التجديد” في فرض الطوارئ في سيناء، وما زالت مستمرة حتى الآن.

الخلاصة في هذا الاحتيال، إقدام الرئيس المصري على فرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، وفقا لنص الدستور إذا دعت الحاجة لذلك، وذلك بقرار، ولا يحق له تجديدها إلا لمرة واحدة فقط، ولكن ما الذي يحدث ليتم التحديد مرات عديدة؟.

بعد انتهاء مدة الأشهر الستة- المشار إليها سلفا- كحد أقصى لفرض حالة الطوارئ، يقوم السيسي بإصدار قرار جديد بفرض حالة الطوارئ مختلف عن القرار السابق، بحيث يضمن استمرار حالة الطوارئ من دون مخالفة “نصية” للدستور.

ولكن يذهب مراقبون إلى أن ما يفعله السيسي هو تلاعب وعبث بروح وفلسفة الدستور المصري، فيما يتعلق بفرض حالة الطوارئ، وتم صياغة المادة “154” بهذه الصورة لتفادي تكرار تجربة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك الذي أبقى على الطوارئ طوال فترة الثلاثين عاما.

وتنص المادة “154” من الدستور، على أن “يعلن رئيس الجمهورية- بعد أخذ رأى مجلس الوزراء- حالة الطوارئ على النحو الذي ينظمه القانون، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب، خلال الأيام السبعة التالية، ليقرر ما يراه بشأنه، وإذا حدث الإعلان في غير دور الانعقاد العادي، وجب دعوة المجلس للانعقاد فورا للعرض عليه، وفي جميع الأحوال تجب موافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة محددة، لا تجاوز ثلاثة أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس”.

الدكتور شوقي السيد، الفقيه الدستوري، أكد في تصريحات سابقة، أنه لا يجوز مد حالة الطوارئ لأكثر من مدتين، طبقاً للمادة 154 من الدستور، حيث إن أقصى فترة قد تمتد فيها حالة الطوارئ في البلاد، هي ستة أشهر متتالية، وبالتالي؛ فإن الدستور نص صراحة على ضوابط العمل بقانون الطوارئ.

وشدد “السيد” على أنه لا يجوز عرض فرض حالة الطوارئ لمدة جديدة على الاستفتاء الشعبي أيضا؛ لأن الدستور لم ينص على ذلك، وإنما حدد حالة الطوارئ بمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة فقط، وهذا واضح في الدستور، وبالتالي، لا يوجد مخرج لإقرار الطوارئ ثلاثة أشهر جديدة.

” عبد الفتاح السيسي “

 

على خطى مبارك

ظن المصريون بعد ثورة 25 يناير 2011، أنهم تخلصوا من حكم مبارك وطوارئ الـثلاثين عاما، إلا أن السيسي بدا وكأنه يعيد استنساخ تجربة الرئيس المخلوع، في أكثر من مجال، وربما أكثر غلظة.

فرضت الطوارئ بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، واستمرت حتى إسقاط نظام حسني مبارك، وفرضت الطوارئ بقرار من المجلس العسكري، في مارس 2011، ومرة أخرى في سبتمبر من نفس العام.

وفي عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، فرضت الطوارئ مرة واحدة فقط، وبعد الإطاحة بمرسي فرضت الطوارئ في عهد الرئيس المؤقت حينها عدلي منصور في أغسطس 2013.

الأزمة، أن مسألة الطوارئ في مصر كانت عادة الحكام منذ الاحتلال الإنجليزي، وإن اختلفت المسميات.

ولكن يبدو أن السيسي، وفي إطار التعلل بـ “مكافحة الإرهاب”، سيسير على خطى مبارك، خاصة مع اتباع السيسي قبضة أمنية شديدة تجاه معارضيه، ليس فقط من أبناء التيار الإسلامي ومؤيدي مرسي، ولكن أيضا تجاه معارضيه من التيارات الأخرى، وتحديدا من معسكر 30 يونيو، الذين انقلبوا عليه.

وأعلن السيسي حالة الطوارئ في أبريل الماضي، بعد الهجوم على كنيستي الغربية والإسكندرية، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى.

” حسني مبارك “

 

انتخابات الرئاسة

الهاجس الأكبر، لدى كثير من المراقبين، هو كيفية إجراء انتخابات الرئاسة في ظل حالة الطوارئ، وسط شكوك كثيرة في نية النظام الحالي بالتضييق على منافسيه ومعارضيه خلال الأشهر القليلة المقبلة.

وبحساب بداية تجديد حالة الطوارئ، الذي يبدأ في 13 يناير الجاري، فإن مدة الأشهر الثلاثة تنتهي في أبريل المقبل، أي قبل نحو شهر أو أقل من انتخابات الرئاسة، وهو ما سيُحدد خلال اليومين المقبلين، بعد إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات مواعيد العملية الانتخابية بشكل دقيق.

بشكل رسمي، فإن الانتخابات، أو على الأقل جزء كبير منها، سيكون في ظل حالة الطوارئ، ولكن ما الذي تخشى منه المعارضة هنا؟.

التخوفات تتعلق بما تفرضه حالة الطوارئ من سلطات واسعة لأجهزة الدولة الأمنية على اختلافها، والمؤسسة العسكرية أيضا، بما يعني إطلاق يدها للنيل من أي معارض للسيسي.

وهنا، نحن أمام نماذج لقمع المعارضين، والتحرك ضد كل من يتطرق لملف الانتخابات الرئاسية، وكانت البداية بالقبض على بعض النشطاء في مبادرة الفريق الرئاسي، التي أطلقها العالم المصري في وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” عصام حجي.

وما ترتب على هذه الخطوة إلغاء الندوة الأولى للمبادرة في مصر، إبان شهر مايو الماضي.

” عصام حجي “

 

إذن، النظام الحالي يدفع باتجاه التضييق على أي مبادرة أو شخص يمكن أن ينافس السيسي ويكون ندا قويا له في الانتخابات، وآخر الأمثلة، وضع رئيس وزراء مصر الأسبق أحمد شفيق تحت الإقامة الجبرية بأحد فنادق القاهرة، فور ترحيله من الإمارات، بمجرد إعلان نيته الترشح للرئاسة.

ولم يلتفت السيسي إلى مطالبات القوى السياسية بضرورة إلغاء حالة الطوارئ قبل انتخابات الرئاسة المقبلة، كبادرة لحسن النية وإجراء الانتخابات في مناخ من الحرية.

وتراجعت الحريات، وزادت الانتهاكات الحقوقية بشكل عام في مصر، خلال حكم السيسي، وهو ما جاء، ليس فقط وفقا لتقارير منظمات دولية، ولكن أيضا جهات رسمية، وهذا ما ذكره مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، الأمير زيد بن رعد الحسين، أن الإجراءات الأمنية العنيفة في مصر تغذي التطرف الذي تسعى الدولة لمحاربته، مشدداً على أن الحفاظ على الأمن يجب ألا يكون على حساب حقوق الإنسان.

وسبق أن طالب المرشح الرئاسي المحتمل المحامي الحقوقي خالد علي، بضرورة وجود 8 ضمانات للمشاركة في الانتخابات، من بينها إلغاء حالة الطوارئ، من دون أن يلتفت السيسي إلى هذا الأمر، بل بدا وكأنه “عنيد” في الاستجابة لمطالب القوى السياسية.

” خالد علي “

 

لا مردود

الغريب في مسألة فرض حالة الطوارئ، هو أنها لم تمنع العمليات المسلحة التي تنفذها عناصر تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، خاصة مع ظهور القصور الأمني في التعامل مع الهجوم على كنيسة “مارمينا” في حلوان بمحافظة القاهرة قبل أيام.

وتظهر عدة مقاطع فيديو بثها مواطنون على مواقع التواصل الاجتماعي، خللا أمنيا كبيرا في التعاطي مع الهجوم بشكل كبير، مع تجول منفذ الهجوم بين نصف ساعة و45 دقيقة في محيط الكنيسة دون تدخل من أجهزة الأمن.

الخلل الأمني يظهر في عدم القدرة على تفكيك الخلايا التابعة لتنظيم “داعش” على مدار الأشهر الماضية، منذ بداية إستراتيجية استهداف الكنائس والمسيحيين.

ولعل أبرز مثال هو تنفيذ “داعش” هجوما على حافلة تقل مسيحيين، في شهر مايو الماضي بمحافظة المنيا، بعد نحو شهر تقريبا من فرض حالة الطوارئ، أي أن العمليات المسلحة لم تتوقف بعد قرار السيسي.